طلال سلمان

على الطريق رسائل بوش – شامير الوجه الآخر للسلام الأميركي

“أكتب إليك في فترة غير عادية، فترة غير عادية لأننا نستطيع أن نحتفل الآن بعيد إنقاذ يهود أثيوبيا، إن القدرة على إنقاذ يهود اثيوبيين يعيشون في خوف ويتحرقون شوقاً للهجرة إلى إسرائيل تشبه تحقيق الحلم الصهيوني، جوهر دولة إسرائيل.
“يفخر الأميركيون بأنهم ساعدوا في 1985، ويساعدون مرة أخرى الآن، الفالاشا على الهجرة إلى إسرائيل، فخور أنا بالمهمة التي أداها بلدي بإقناع يهود الاتحاد السوفياتي بالسماح بهجرة اليهود إلى إسرائيل… وتحدوني الثقة بأن تيار هجرة اليهود السوفيات إلى إسرائيل لن يتوقف.
“هذه التطورات تمنحكم فرصة كبيرة، وتطرح تحدياً في وجهكم بما يشبه عهد إنشاء الدولة، تجابه إسرائيل الآن المهمة الاستراتيجية المهمة لاستيعاب مهاجرين بأرقام كبيرة.
“أنا مؤمن إن خلق مناخ سلمي سيساعد كثيراً في تسهيل هذه المهمة.
“على رغم إنني أدرك جيداً أن صنع السلام سيكون مرتبطاً بأخطار على إسرائيل فإننا أنشأنا مساراً يستجيب لمخاوفكم وحاجاتكم… مسار يتطابق مع كامب ديفيد، سيستمر على مراحل بحيث يضمن عدم اضطراركم لمجابهة مسائل المكانة النهائية (للمناطق)… مسار يبدأ بمؤتمر بحيث لا ينسف أو ينافس المحادثات المباشرة.
“لقد طلب من الملك حسين بوجه خاص الاهتمام بمنظمة التحرير الفلسطينية، بالأصوليين وربما بالسوريين، وهو بحاجة إلى بعض الرموز ليشير إليهم بصراحة… ولن يكون هناك أي شك في ما يتعلق بقدرته على ضم فلسطينيين إلى وفد مشترك إذا تمكن من القول بأنه سيكون هناك تجميد لعمليات الاستيطان في اللحظة التي ستبدأ فيها المفاوضات…”.
هذه مقاطع من واحدة من الرسائل التي وجهها الرئيس الأميركي جورج بوش مؤخراً إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحق شامير (راجع “السفير” عدد 26/6/91) كاشفاً فيها المضمون الفعلي لمبادرته التي أرسل بها وزيره جيمس بيكر ليسوقها لدى العرب…
وهو مع نهاية هذه الرسالة يكاد يعتذر لشامير عن اللهجة اللطيفة التي استخدمها بيكر ليغطي فداحة ما يطلبه، فيقول له ما معناه “لم نكن قادرين على بيع أقل من ذلك لجيرانكم…”.
المبادرة، إذن، واضحة تماماً في استهدافاتها الإسرائيلية، وإن ظلت ملتبسة وغامضة ومبهمة بالنسبة لبعض القيادات العربية التي يستهويها الابهام.
*فجورج بوش يقول علناً وصراحة إنه يفخر بالمساهمة في التأسيس الثاني لإسرائيل (الإمبراطورية لا الدولة، هذه المرة) على قاعدة الحلم الصهيوني إياه.
*وجورج بوش يقول إن المبادرة إنما وضعت لتموه (ولتخدم) حركة تهجير يهود العالم إلى إسرائيل، يستوي في ذلك اليهود السوفيات أو يهود أثيوبيا (وربما اليمن مع ملاحظة إن حملة جديدة تنطلق الآن في الغرب لتهجير يهود سوريا!!).
*وجورج بوش يقول إن مسار التسوية يتطابق مع كامب ديفيد.
*وإن هذا المسار يضمن عدم اضطرار إسرائيل لمجابهة مسائل مهمة مثل مصير الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، وربما جنوب لبنان.
*وإن المؤتمر العتيد لا ينسف أو ينافس المحادثات المباشرة مع “الجيران العرب”.
*ثم يستدرك فيقول ساخراً وهو يشير إلى الدور المقترح لمشاركة السعودية ومعها سائر دول مجلس التعاون الخليجي كمراقب في المؤتمر العتيد: “لا أرى كيف يمكن لمراقب بسيط أن يثير مشكلة لكم، خصوصاً إذا كان حاضراً فقط في مؤتمر لا يستطيع أن يفرض ترجيحاته”.
يبقى الأخطر والأهم هو الربط الأيمركي الوثيق بين “المناخ السلمي” (الذي تشيعه مبادرة بوش وخطة بيكر) وبين تسهيل المهمة الاستراتيجية لاستيعاب مهاجرين بأعداد كبيرة.
المبادرة إذن، خدعة للعرب، تخدرهم وتشغلهم عما يجري داخل الأرض المحتلة، في حين هي فرصة استثنائية لزيادة قدرات إسرائيل البشرية، وبالتالي العسكرية، فإذا انتهى زمن الكلام عن السلام كان على العرب أن يصدعوا لمنطق ميزان القوى الجديد بينهم وبين “عدوهم القومي”.
والمبادرة وسيلة ضغط سياسية في انتظار استكمال عدة الفرض العسكرية، وهذه وتلك من إنتاج الإدارة الأميركية.
فواشنطن هي التي تسهل تهجير يهود العالم إلى إسرائيل، تموّل الخطة وتجهز الجسور الجوية وتمنح المساعدات الهائلة لبناء المستوطنات، وتمنح إسرائيل قدرات عسكرية خرافية لا تحتاجها – فعلياً – لا في الحال ولا في الاستقبال بحجة طمأنتها وتأكيد الالتزام بأمنها الاستراتيجي، ثم تزرع فيها مخازن للسلاح الأميركي كضمانة إضافية في سياق تعزيز “الحلف الاستراتيجي” القائم…
وواشنطن هي التي تضغط على العرب فتفك عرى الترابط في ما بينهم، وتفرض على كل دولة من دولهم أن تدخل الحلبة منفردة لتواجه الخصم والحكم وقد اتحدا عبر المبادرة التي تعزز الكيان القائم بالمستقدمين الجدد والضمانات الاستراتيجية فوق العادية.
وواشنطن تنصح برعاية خاصة للملك حسين ووفده المشترك، وتكلفه الاهتمام بـ “الأصوليين ومنظمة التحرير وربما السوريين أيضاً”…
إذن “فالخيار الأردني” هو صلب المبادرة – بنصها الأصلي – وليس خارجها.
لكن الهدف الأول والأخير للمبادرة يظل إسرائيلياً وهو: المحادثات المباشرة…
… ومتى جاء أوان هذه “المحادثات” ستجد واشنطن، مع تل أبيب، إن لا ضرورة لها، لأن الأهداف المتوخاة قد تحققت فعلاً، وليس من حاجة للاحتفال بعرس قديم!
من المعني بالرد على هذا الموقف الأميركي الجارح في استهانته بالعرب، أنظمة وشعوباً وقضايا كانت لها قداسة فلسطين وأحلام الوحدة والتحرر والعزة القومية؟!
للمناسبة: منذ بضعة أيام يشتد الجدل في بيروت حول انتشار الجيش في صيدا ومحيطها، وتفرقع التصريحات مهولة أو محذرة، من تونس أو من بعض المخيمات، أو من بعض الأوساط المعادية للوجود الفلسطيني، ويكاد الجميع يغرقون في شبر ماء، قد يحوله سوء الفهم إلى شبر دم،
هذا في حين يخطط بوش وشامير لمستقبل الإمبراطورية الإسرائيلية (الأميركية) فوق الأرض العربية (برغم تزايد خضوعها، بمواردها للهيمنة الأميركية)…
وللمناسبة أيضاً: ما زالت ترتفع بعض الأصوات بالاعتراض على معاهدة أخوة مع سوريا تعطي لبنان أكثر مما تعطيها (وأقل مما هو بيدها فعلاً)، ويصل الصدى إلى الكونغرس الأميركي وإلى الجمعية الوطنية في فرنسا وبعض أحزابها السياسية، وتكاد تطرح أمام مجلس الأمن الدولي…
كأنما الحد الأدنى من التقارب بين عربي وعربي يشكل خطراً على السلام العالمي، أو النظام العالمي الجديد بعنوانه الإسرائيلي.
ويظل السؤال معلقاً: من هو المعني بالرد على جورج بوش طالما يتعذر الرد على إسحق شامير؟!
وقبل، من من العرب قرأ رسائل جورج بوش وردود شامير؟!

Exit mobile version