طلال سلمان

على الطريق ديموقراطية “جهيمان” الأميركية!

هايتي هي النموذج وهي المثال..
فالخيار محدد تماماً أمام الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها في العالم الثالث: ديموقراطية داخلية شكلية بقوة الاحتلال الأجنبي، أو قمع داخلي “حقيقي” تمارسه الأنظمة المحسوبة على الغرب (الأميركي) بذريعة تحصين البلاد في وجه العدو الخارجي، أي عدو وأي خارجي، وغالباً ما يكون وهمياً أو مصطنعاً!
أما في بعض البلاد العربية فيجتمع الخير كله معاً: القمع الداخلي والاحتلال الخارجي، كما في أنحاء الجزيرة، بعد غزوة صدام حسين الكويت، والتي هي بدورها نموذجية في تبير القمع الداخلي والاحتلال الأجنبي.
يجيء الاحتلال، أولاً، يفرد جناحيه فتستكمل قواته انتشارها “سلمياً”. ثم تتم ولادة “الديموقراطية” في جو من الحرية والتعبير المباشر عن الإرادة الوطنية المعززة بالعنفوان والكرامة والسيادة والاستقلال وسلامة الأرض!
السبب يصير نتيجة لأن النتيجة تصير سبباً: الاحتلال يأتي بذريعة القمع، والديموقراطية لا تجيء إلا كنتيجة للاحتلال.
الديموقراطية تأتي من الخارج وعليها شهادة المنشأ : “Made In U.S.A”.
هذا نظرياً،
أما في المجال العملي فإن السيء يلد الأسوأ،
وهكذا فإن معظم الأنظمة القمعية العربية تعمل بدأب ومنهجية على استئصال كل ما هو أصيل وواعد ومتفتح في مجتمعها، بحيث تفرغ الساحة للأفكار والتيارات والاتجاهات الأكثر تخلفاً والأعظم انغلاقاً والأشد التصاقاً :=”بمبدأ” إبادة الخصم أو المخالف.
فعندما يصوّر الحاكم (أو النظام) نفسه وكأنه “الله”، لا حدود لسلطته ولا رقيب عليها ولا ضابط لجبروته ولا حسب على ممارساته، يعطي بغير حساب ويأخذ بغير نقاش، يحيي ويميت ويفرض على الناس من يمثلهم ومن يعبّر عنهم زوراً وبهتاناً.
عندما يتصرف الحاكم الفرد وكأنه هو الوطن، بشعبه وأرضه ومؤسساته، إن إصابة مكروه زلزلت الأرض بالناس وتفجرت الحروب بين المناطق والطوائف والمذاهب والقبائل والعشائر، فقتل الأخ أخاه والتهم الوالد أبناءه وغفلت الأم عن صغارها…
عندما يصبح الحاكم هو البداية والنهاية، المعترض على “مواجه” كمثل المجدف على العزة الإلهية، و”المناقش” مشرك، والمجادل “كافر” يؤقع عليه حكم المرتد،
عندها يكون النظام قد أحرق أيضاً “المعارضة” وفرض عليها أن تأتي على صورته ومثاله: دكتاتورة النزعة، دموية المزاج، لا تقبل النقاش أو المراجعة، وتهرب من النور لخوفها من أن تنكشف للحاكم… كما للشعب.
كيف يمكن تخيّل قيام معارضة سوية، مثلاً، في بلد كالسعودية؟
وكيف كان يمكن أن تقوم حركة ديموقراطية صحيحة في ظل نظام فردي دكتاتوري البنية كالنظام الجزائري؟!
وأنى للحركة الوطنية (والقومية) في مصر أن تستكمل شروط ولادتها الطبيعية وهي محاصرة بين بندقية الشرطي وسكين “الأصولي”، ناهيك عما أصاب بنيتها القديمة من ترهل وتشوهات بسبب من علاقاتها المضطربة بالنظام السابق؟!
إن هذه الأنظمة، ومثلها كثير، ترتكب جريمتين معاً: ما تفعله هي مباشرة، ثم ما تورثه لمعارضاتها.
وطبيعي أن تكون المعارضة الأعظم قوة في السعودية “على يمين” النظام، إذا صح بعد استعمال مثل هذه التعابير “البائدة”.
طبيعي أن يكون “جهيمان” هو بديل أبناء عبد العزيز وسائر الوهابيين ومن غير الطبيعي أن يكون لينين أو جمال عبد الناصر،
لقد انتهى زمن اليسار، في انتظار أن يعود فيجدّد نفسه: لغة وأسلوباً وبرامج حكم.
المتاح فقط أن يجيء التغيير عن يمين النظام ومن صلبه،
وتلك أفضل شهادة للنظام كي يستمر خوفاً من بديله الذي لا يمكن قبوله، لاسيما في نهايات القرن العشرين،
وطبيعي ألا يعطي “الزواج” بين “شوارزكوف” وخالد بن سلطان إلا أولاداً معاقين ومشوّهين مثل جهيمان..
عاشت الديموقراطية الأميركية. عاش النظام العالمي الجديد!

Exit mobile version