طلال سلمان

على الطريق ديموقراطية الرؤساء..

سجل رئيس الجمهورية نقطتين لصالحه، أمس، عبر موقفه من القرار بتعطيل الزميلة “الشرق”:
الأولى – معنوية، إذ قدم نفسه حامياً للديموقراطية وحرية الصحافة وحقها بالمعارضة، ولو ظالمة أو ذات طابع شخصي في معارضتها.
والثانية – سياسية، إذ أظهر نفسه أكثر دهاء وأوسع صدراً من حكومته، وأيضاً من النيابة العامة الاستئنافية، فهم “المغالون في استخدام النص القانوني بمعزل عن روحه”، “المشبعون بالعدائية تجاه الصحافة وحرية النقد والاعتراض”، وهم “انتقاميون” ، بينما هو “المتسامح” و”المتعالي على الخصومة” بوصفه “الأب الصالح” و”المرجع الأخير” للبنانيين جميعاً.
ومن حق الرئيس الهراوي والحالة هذه أن يحظى بشكر الصحافة وبتقديرها لحسه الديموقراطي، خصوصاً وإنها تعيش حالة من التوتر الشديد نتيجة القرارات المرتجلة والمتسرعة والمتعسفة التي اتخذتها جهات حكومية بتعطيل بعض الصحف، ومنها “السفير” في الأيام القليلة الماضية.
بل إن من حق الرئيس الهراوي أن ينسب لنفسه الفضل في منع هزة سياسية جديدة للحكم والحكومة كان يمكن أن يتسبب فيها قرار التعطيل لصحيفة ثالثة خلال شهر واحد.
على أن أخطر ما كشفه قرار رئيس الجمهورية بوقف التعطيل، إنما يتصل بموقع القضاء، وتحديداً النيابة العامة، على خريطة النظام السياسي اللبناني.
ومع التنويه بشجاعة التراجع عن القرار المتسرع الذي قضى بتعطيل الزميلة “الشرق” أسبوعاً، فإن سهولة استصدار مثل ذلك القرار تغدو الآن موضع تساؤل.
لماذا لا تستخدم شجاعة التراجع عن الخطأ، إلا نادراً وعلى أبواب الخطيئة؟
لماذا لا تستخدم الشجاعة في منع الوقوع في الخطأ أو منع التوغل فيه؟!
إن القرار بالتعطيل قد يكون مؤذياً، إذ يظهر “القضاء الواقف” أي النيابة العامة وكأنها مجرد أداة تستخدمها السلطة السياسية متى شاءت، لتحقيق أغراض سياسية عبر قرارات صادرة عن جهات قضائية.
أما القرار بوقف التعطيل فقد يكون مؤذياً أكثر لطموح القضاء المشروع، إلى توكيد استقلاليته.
مع ذلك، ومن ضمن منظور سياسي، كما من خلال الموقف المبدئي الصارم فإن وقف التعطيل ولو جاء خاطئاً أفضل من القرار بالتعطيل ولو استند إلى نصوص قانونية جامدة تبرره من حيث الشكل.
إن العلاقة بين الحكم وبين الصحافة علاقة بحت سياسية، ومن الأفضل عدم زج القضاء في “رحابها” إلا في حالات استثنائية جداً ومحدودة جداً.
إن الصحافة، في النظام الديموقراطي، مؤسسة سياسية، مثلها مثل الحكومة والمجلس النيابي والأحزاب والتنظيمات الشعبية.
والتعامل معها بالنص القانوني الجامد، أي بالشرطة وقرارات التعطيل، يؤذي الحكومة بأكثر مما يؤذيالصحافة، هذا حتى لا نقول إنه يفيد الصحافة – لاسيما إذا كانت معارضة – ويعزز دورها وسمعتها على حساب الحكومة.
فالحكومة، أي حكومة، قاصرة في نظر الناس ومقصرة حتى لو كانت في ذروة قدرتها على الإنجاز، وفي قمة تمثيلها لإرادة الأكثرية وتحقيقها لمصالحها، وهذه قدرات لا تستطيع أن تدعيها أو تبلغها أية حكومة في أي مكان من العالم.
أكثر من ذلك، فالتدبير القمعي – كائنة ما كانت مبرراته – ينتقص من هيبة الحكومة، إذ ينزلها من “مرجع” إلى “طرف”، ومن “حكم” إلى “مخاصم”،
والحكومة الناجحة هي التي تستبقي لنفسها صورة “المرجع الصالح” والراعي الأول للحريات العامة والحكم النزيه حتى في ما يتناولها أو ما يمسها من انتقادات أو اعتراضات،
… لاسيما وقد غدا مجلس الوزراء هو المؤسسة المنوطة بها السلطة التنفيذية في لبنان، بعد اتفاق الطائف.
وأخيراً فلا بد من التنويه بأن موقف رئيس الجمهورية ليس جديداً، فهو يردد – ومنذ شهور – إنه يُحسن التعامل مع الصحافة، وإنه لا يمكن أن يتخذ قراراً بتعطيل أية صحيفة مهما بلغت حدة الهجمات الصحافية على شخصه، ومهما بلغت قدرات رسامي الكاريكاتور في تشويه ملامح وجهه.
وكثيراً ما ردد رئيس الجمهورية أمام زواره في الفترة الأخيرة ما يشير إلى نجاحه في ما فشلت فيه الحكومة على صعيد العلاقة مع الصحافة والصحافغيين… بل إنه قد دعا بعض رسامي الكاريكاتور للقائه، ثم استبقاه للعشاء معه، من أجل أن يتأمله عن قرب فيتحقق بنفسه من أن ملامحه ليست شوهاء بالقدر الذي تظهره رسومه!!
في أي حال، وبغض النظر عن الملابسات والمراجعات التي تسارعت قطعاً بعد إعلان قرار التعطيل، فإن رئيس الجمهورية قد خرج رابحاً، وألزم الصحافيين جميعاً – ونحن منهم – بالتنويه بحسن تدبيره.
… مع الأخذ بالاعتبار أن رئيس الجمهورية يعرف أن أي امتداح لحكمته وديموقراطيته يأتي وكأنه تعريض بشركائه في الحكم، ولاسيما الأبرز من بينهم!

Exit mobile version