طلال سلمان

على الطريق ديموقراطية إسرائيلية لكل العرب..

يوماً بعد يوم يستكمل رئيس حكومة العدو الإسرائيلي اسحق رابين صورته كحاكم عرفي لمجمل ما كان يسمى “الوطن العربي”، وينتزع لنفسه حق الإمرة على السلاطين العرب جميعاً على امتداد مساحة هيمنته أو مملكته: الشرق الأوسط الجديد!
وهو في الساعات القليلة الماضية، وعبر مجموعة من التصريحات والأحاديث الصحافية أصدر أحكاماً قاطعة على عدد من الأنظمة، كما أصدر أوامر عمليات إلى أنظمة أخرى، هنا أبرزها:
• في حديث “انفردت” به جريدة “الشرق” القطرية، لم تبرره ولم توضح مناسبته، حكم إسحق رابين على الأنظمة العربية بأنها على جفاء مع الديموقراطية، واعتبرها آيلة للسقوط، لهذا السبب متسائلاً عن مدى التزام الأنظمة التي ستخلفها بالاتفاقات والعهود الموقعة مع هذه القائمة الآن!
ومع أن المواطن العربي لا يمكن أن يرى في المحتل الإسرائيلي محامياً عن حقه في الديموقراطية في بلاده، فقد اهتم بالمقطع الثاني من كلام رابين والذي جاء فيه:
“مع ذلك قررنا ألا ننتظر ظهور الأنظمة الديموقراطية في الدول العربية، وأن تبدأ المفاوضات مع الأنظمة الحاكمة، وننطلق من أن عملية السلام سوف تؤثر في هذه الأنظمة فتقربها من الديموقراطية”!!
أي أن رابين يقول بصراحة أن “سلامه” مع الدول العربية سيمر بفضل غياب الديموقراطية!
كذلك فهو يفترض أن هذا “السلام” سيطوّع هذه الأنظمة لمقتضيات الهيمنة الإسرائيلية وأيضاً بفضل غياب الديموقراطية عربياً!
ثم أنه يخلص إلى الادعاء أن “السلام الإسرائيلي” يحتاج إلى ضمانات “أثقل” من أن تستطيع تقديمها هذه الأنظمة المهددة بالراديكالية، ولذك فعليها أن تبيد سلفاً أية قوى معارضة أو معترضة قد تجبرها على لحس تواقيعها أو قد تسقطها مع اتفاقاتها والتواقيع!
وبهذا يثبت الجنرال – محطم عظام الأطفال في فلسطين المحتلة حرصه الشديد على إلغاء العظام من الجسم العربي (ديموقراطياً، وسلفاً!!) حتى لا يضطر إلى تحطيمها مستقبلاً بدباباته التي تقوم على حراسة “السلام”!
• والجنرال رابين، وباسم الديموقراطية، يدعو الأنظمة العربية “المعتدلة” للتخلص من الحركات الأصولية المتطرفة مثل “حزب الله” في لبنان وحركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والحركات المشابهة في مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب كما في المشرق العربي حتى تخوم المحيط الهندي!
• بالمقابل فالجنرال إسحق رابين يتهم سوريا بأنها “غير نزيهة” لأنها (ويا للعجب) ترفض فتح قنوات إضافية سرية للتفاوض، على غرار ياسر عرفات وقناته النروجية التي جعلته يستبدل نصف فلسطين بأريحا!
• ثم أن رابين يكلف “الوسيط النزيه” وزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر بأن يحمل إلى لبنان إنذاراً محدداً: إن سلامة القرى في منطقة الشريط المحتل هي من سلامة إسرائيل، وأياعتداء عليها يعتبر اعتداء على إسرائيل وسيكلف إسقاط اتفاق الكاتيوشا الشهير في أواخر تموز من العام الماضي.
إذاً فالديموقراطية في الدول العربية تعني إسرائيلياً شطب كل قوة وكل شخص لا يبصم على ما تفرضه من اتفاقات إذعان… وعلى هذه الدول أن “تطهر” نفسها، ديموقراطياً، وبمساندة مباشرة من “جيش الدفاع الإسرائيلي” إذا لزم الأمر، من القوى غير الديموقراطية والتي قد تندفع – بالتطرف – إلى أعمال عنف حمقاء!
هذا في الوقت الذي تنشر فيه أجهزة الأعلام الإسرائيلية نتائج استطلاعات للرأي العام تثبت أن حوالي 58 في المئة من الإسرائيليين يختلفون مع رابين حول استعداده لفك المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة (وهي، للمناسبة، وبأكثريتها الساحقة، ليست أكثر من مراكز حراسة متقدمة، هائلة الكلفة اقتصادياً، ولا يعيش فيها إلا أولئك المغضوب عليهم والمستبعدون المحرومون من نعمة الحكم في ظل الديموقراطية الإسرائيلية),.
الديموقراطية العربية؟!
لو كان لهذا الحلم أن يتحقق لما كان العرب في أوضاعهم الحالية قطعاً، ولما كانوا ينتظرون التوجيهات بشأن من مستقبلهم الديموقراطي محطم عظام أطفالهم،
ولو كان لهذا الحلم أن يتحقق لما كان رابين نفسه حيث هو،
… مع ذلك فثمة من لا يزال يراهن أن تكون الهزيمة في مواجهة العدو الإسرائيلي الطريق الأقصر إلى الديموقراطية العربية!!
هل أبأس من أن تراهن على المدفع الإسرائيلي من أجل “حريتك” عربياً؟!
وهل أبأس من أن تصل إلى الاقتناع بأن عدوك أرحم عليك في مستقبلك من سلطانك ذي الألقاب المقدسة؟!

Exit mobile version