طلال سلمان

على الطريق دولة لهذا الجيش!!

في زمن بلا أعياد، يبالغ اللبنانيون في إظهار ابتهاجهم بعيد الجيش بما يعبّر عن شوقهم العميق إلى عودة “الدولة” وإلى من يمارس “السلطة” باسم “الشرعية” ولا يغتصب الشرعية بالتسلط، سواء أكان بقوة السلام أم بقوة المال أم بقوة الحلف الشري بينهما.
وبغض النظر عن بعض مظاهر النفاق وشيء من الابتذال في بعض اللافتات الموقعة حتى لا “يختلسها” طامح منافس أو تذهب “فائدتها” لمن لا يستحق، فإن أهم ما يميّز هذه “الزفة” كونها تلخص “الدولة” في “الجيش”!
لكأن الناس يعكسون الآية فيقولون: نريد دولة على غرار هذا الجيش… بل لعلهم يقولون: نريد دولة لهذا الجيش!!
أي أن كثيرين قد “استغلوا” المناسب ليقولوا رأيهم في الحكم ومؤسساتهم الأخرى جميعاً، فاختاروا أن يطعنوا في طريقة بنائها أو في أسلوب أدائها أو حتى في طبيعة دورها عبرامتداح الجيش بما فيه وليس فيها!
في تظاهرة التأييد للجيش تجمع كل المعترضين أو المتضررين أو من خابت آمالهم في “الجمهورية الثانية”: نعم للجيش، لا لاستشراء الطائفية والمذهبية في إدارات الدولة ومؤسساتها كما لم تكن حتى في ظل حروب الطوائف والمذاهب!!.. نعم للجيش، لا لتغليب الولاء الشخصي على الكفاءة!!. لا للمحسوبية والتزلم! لا للرشوة، لا للراشي ولا للمرتشي! لا للفساد واستغلال السلطة أو التعسف في استخدامها!
إن كثيراً من العبارات تضج بمعاني الاعتراض بل والتعريض المكشوف بمؤسسات الحكم، وبالذات الحكومة التي تبدو باهتة معدومة الحيلة وتافهة الحضور كما لم تكن أية حكومة منذ الاستقلال وحتى اليوم.
ومع التقدير لدور الجيش الراهن والموعود، وبالذات الموعود،
ومع التنويه بالتبدل الجذري الذي طرأ على “عقيدته العسكرية” كما على “الخطاب السياسي” الصادر عنه، فحوّله أو يكاد من “جيش الحاكم” إلى “جيش الدولة” (متى حضرت)، وقربه من أهله، أي من شعبه الذي طالما وضع في مواجهتهم واستخدم في قمعهم،
مع ذلك كله فلا بد من الإشارة إلى أن اللافتات تحمّل الجيش مسؤولية هائلة وتعرضه بالتالي لامتحان قاس جداً، إذا ما أخذنا في الاعتبار الظروف الدقيقة والحرجة التي يعيشها لبنان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومفاوضات “السلام” والتي ليس للجيش فيها أو لا يراد أن يكون له دور في القرار،
ولا بعد أيضاً من كلمة تحذير: إن المبالغة قد لا تكون بدافع الحب وإنما بدافع “تسمين” الجيش لتلقى عليه قريباً أعباء ثقيلة و”مهمات قذرة” قد لا يريد غيره أن يلوث يديه فيها.
مع الاعتذار عن تنغيص هذه الاحتفالية التي لا تتناسب مع طبيعة الأوضاع السائدة في البلاد، بهذه الكلمات الصادقة والمعبرة عن تقدير عميق للجهود التي بذلت من أجل أن يكون للبلاد جيش… حتى من قبل أن تكون له دولة!!
وتحية للجيشين الشقيقين في عيدهما الواحد.

Exit mobile version