طلال سلمان

على الطريق دمشق وسليمان فرنجية أم المتعاملون مع إسرائيل؟

الحكم هو الموضوع لا الحكومة، والحكم قرار وموقف.
والقضية هي، باختصار، قضية التعامل مع إسرائيل وموقف الحكم من المتعاملين، بغض النظر – بداية – عما إذا كانوا متورطين بالاضطرار أم مندفعين إليه بخيار واع.
فالحكم هو صاحب القدرة على الفرز بينهم، وهو صاحب الحق والمطالب باتخاذ موقف منهم، كل حسب طبيعة علاقته واستعداده أو عدم استعداده لقطعها والتسليم بسلطته الشرعية التي ما تزال حتى الساعة تعتبر إسرائيل العدو الوطني والقومي.
ولا يجوز القفز عن مثل هذه المسألة المصيرية للغرق في أحاديث مسطحة عما يتوقعه الحكم من دمشق، أو عن “عقدة” سليمان فرنجية، إضافة إلى الأحاديث الدائمة عن تجاوزات المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى الأحاديث الدائمة عن تجاوزات المقاومة الفلسطينية وسعيها المستمر للتحلل من الالتزام بالاتفاقات المعقودة بين السلطة اللبنانية وبينها.
هذا الوضع الطريف يعكس مجموعة من المفارقات أولها وأهمها أنه بينما ينتظر الجميع موقفاً من الحكم واضحاً ومحدداً وحاسماً، فإن الحكم يصور للناس أنه ينتظر مواقف مساعدة ومشجعة من الآخرين ليمكنه بالتالي أن يتخذ القرار المنشود.
يقول الحكم أو يقول القائلون باسمه أنه قد أدى ما عليه، فاستدعى الناس جميعاً إلى القصر الجمهوري وجعلهم يوقعون على محاضر رسمية أقروا فيها بموافقتهم على المبادئ – المسلمات التي جعلها أساساً للوفاق الوطني…
ويقول الحكم أو يقول القائلون باسمه: ماذا يطلب منها أكبر من هذا؟ لقد جعلنا الجميع بمن فيهم الكتائب يوقعون على رفض التعامل مع إسرائيل المشار إليها في المبادئ – المسلمات على أنها “العدو”، كما جعلناهم يوقعون بالموافقة على هوية لبنان العربية.
ويقول الحكم أو يقول القائلون باسمه: لقد جعلنا حتى بشير الجميل وسائر قياديي “القوات اللبنانية” يوقعون بغير تحفظ… فماذا يطلب مني (ومنهم أكثر)؟! لقد قمت بما طلب مني فيلقم الآخرون بما هو مطلوب منهم!
أي: “فلتقم دمشق بمساعدتي على سليمان فرنجية، بحيث يرضى بحكومة يشارك فيها مع الكتائب فتنتهي الأزمة ويمكن من ثم الالتفات إلى الموضوع الفلسطيني”ز
هكذا ببساطة… ويتحول سليمان فرنجية من ضحية إلى متسبب بتعطيل الوفاق، وتتحول دمشق من قوة دفع إيجابية للوضع في اتجاه الاستقرار إلى قوة معرقلة للوفاق، مثلها في هذا مثل الفلسطيني “المستفيد من غياب الدولة والتسيب العام في البلاد”!!
كأنما سليمان فرنجية هو الذي هاجم بكفيا، وكأنما سوريا هي التي كانت في كامب ديفيد، وكأنما إسرائيل كانت باستمرار حليفاً وشقيقاً للبنان حتى جاءت المقاومة الفلسطينية فنسفت العلاقات الحميمة معها، وكأنما لا مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية تتصل بطبيعة النظام اللبناني وتفرض جو “الأزمة المصيرية” على هذا البلد الذي يريدونه كياناً ويرفضونه وطناً لأبنائه جميعاً.
القضية، إذن، هي قضية التعامل مع إسرائيل، وموقف الحكم من المتعاملين هو مفتاح الحل اليوم وغداً وبعد غد.
ومفهوم أن الحكم كان سيحتفظ بهيبته محلياً وعربياً، لو أنه اتخذ مثل هذا الموقف منذ البداية،
إن حكماً عربياً، لا يقاتل إسرائيل، كائنة ما كانت (أعذاره) والمبررات، سيظل ضعيفاً في وجه أي عربي يقاتلها، وهذا ينطبق تحديداً على سوريا والمقاومة الفلسطينية، فكيف إذا كان الحكم متهماً بالتستر على المتعاملين مع إسرائيل؟
من حق الحكم أن يقول: لا مجال لحكومة وفاق بغير الكتائب،
لكن من حق الآخرين أن يقولوا له: لا محال لحكومة بين المرشحين للمشاركة فيها من هو متهم بالتعامل مع إسرائيل.
والحل أن تعالج قضية التعامل بحيث تنتهي جدياً وعلى الأرض، لا أن يقال أن غضبة سليمان فرنجية وإصراره على الثأر يمنعان تحقيق الوفاق.
فالحكم بحاجة إلى إنهاء قضية تعامل المتعاملين مع إسرائيل أكثر من حاجة الأطراف جميعاً، بمن فيهم سوريا والمقاومة وحزب الكتائب ذاته.
إن إنهاء هذه القضية يمكنه من استعادة حرية الحركة، داخلياً، ويقوي موقفه عربياً، ويسقط الكثير من التحفظات التي تعترض طريقه الآن، بما فيها اعتراض الرئيس فرنجية.
وبالتأكيد فإن سوريا يمكنها أن تقدم مساعدة مؤثرة للحكم، على مختلف الصعد، لكن القرار مطلوب من الحكم أولاً وأخيراً، وهو الأساس في المساعدة العتيدة.
والمقاومة مطالبة بالتعاون مع الحكم والالتزام باتفاقاتها معه، لكنها لن تلزم نفسها جدياً إذا لم تجده قوياً بما فيه الكفاية، وحاسماً حين يتصل الأمر بالشأن الوطن والقومي.
والقوة في الموقف لا بعدد الجنود ولابغزارة النفط المقدم هبة للأميركيين،
والموقف المتردد الذي اتخذه الحكم، على سبيل المثال، من سعد حداد أفقده الكثير من رصيده لدى سوريا والمقاومة وسائر العرب دون أن يمكنه من استعادة الشريط الحدودي وولاء هذا الضابط المارق والخارج على وطنه.
أكثر من هذا: ثمة من يقول إن حزب الكتائب نفسه ومعه رفاق سلاحه في “الجبهة اللبنانية” بحاجة ماسة إلى من ينقذهم من “ورطة” التعامل مع إسرائيل.
والحكم وحده يستطيع أن يوفر لهم شروط هذا الإنقاذن محلياً وعربياً، خصوصاً وأن استمرار تورط المتورطين في التعامل مع إسرائيل يكاد يجبر حتى أشد العرب “اعتدالا” على تعديل موقفه منهم، وقبل: من الحكم الذي لا هو قادر على تغطيتهم ولا على محاسبتهم ولا على إنقاذهم، وهذا أضعف الإيمان.
لذا سيظل الناس ينتظرون موقفاً من الحكم لا من دمشق ولا من المقاومة ولا من سليمان فرنجية على وجه الخصوص.
وطالما لم يحل الحكم هذه المسألة، الحل الوطني الصحيح فسيظل أضعف من أن يستطيع تشكيل حكومة قادرة على الفعل.
ومرة أخرى: الحكم قرار، والقرار موقف قد يكون اتخاذه صعباً وقاسياً لكن عدم اتخاذه قد يتسبب في تدمير الوطن وليس الحكم فحسب.

Exit mobile version