طلال سلمان

على الطريق دعوة إلى الهاربين من الغد الغربي الأفضل

وهكذا طوت الدول العربية أعلامها و”جلت” عن الخرطوم تاركة السودان لأنور السادات وتابعه جعفر نميري ولكامب ديفيد ومعاهدة الصلح المنفرد مع العدو الإسرائيليز
تماماً كما حصل في مصر المقهورة بحاكمها قبل ثلاث سنوات ونصف السنة، تقدم العدو الإسرائيلي فانهزم العرب جميعاً وارتحلوا عن عاصمة المعز مخلين أرضها للقواعد الأميركية وساءها للعلم الإسرائيلي تاركين شعبها رهينة في يد الخائن وكفى الله المؤمنين شر القتال.
وهم لم ينسوا بالطبع جامعتهم التي تحمل في صدر قاعتها الآية الكريمة “وكنتم خير أمة أخرجت للناس”، فسحبوها من هناك ووضعوها في تونس بورقيبة ربما كاعتراف له بالسبق إذ أنه جهر بالدعوة إلى الصلح منفرداً أو جماعياً مع العدو الإسرائيلي منذ 1965.
وكما السادات فعل نميري: بدأ بأجلاء منظمة التحرير الفلسطينية إذ لا يتسع المجال لفلسطينين واحدة يملكها ويحكمها الصهاينة وأخرى يملكها ولا يحكمها العرب في الدولة ذاتها.
وبعد الجلاء الناجز والتام يستطيع العرب الآن وبالذات عرب النفط أن يعكفوا عن نظم أناشيد النصر فلقد هزموا في الخرطوم بعد القاهرة الهجمة الإمبريالية ومشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة والأطماع الإسرائيلية في أرضها ومائها وسمائها والممرات الاستراتيجية وكالعادة لم تلجأ الدول العربية إلى هذا الرد البائس والفاقع لعجزها إلا في اللحظة الأخيرة ومع وصول موكب “الرئيس المؤمن” القادم من شمال الوادي ليحل ضيفاً عزيزاً ومكرماً على “الرئيس القائد والمعلم في عاصمة جنوب الوادي و”مقرن” النيلين الأزرق والأبيض.
بل لعل عرب النفط قد حاولوا ولو سراً هذه المرة أن يشتروا من نميري رغبته في الالتحاق بمعسكر السادات بيغن كما حاولوا شراء خيانة السادات بحفنة من الدولارات الأميركية فأبى عليهم هذا كما أبى عليهم ذاك، فانصرفوا وهم يبسملون ويحوقلون ويرددن إنا لله وإنا إليه راجعون”.
بل لعل ملك الملوك “والرؤساء” بينهم قد رفع بصره إلى السماء “وهو حاسر الرأس” ودعا الله العلي القدير أن يسقط طائرة السادات فوق رأس بناس هذه المرة كما فعل جلالته يوم أن قصد “الريس” القدس المحتلة.. وما ذنبه إن لم يستجب الله لدعائه؟!
وصاحب الجلالة معذور فهو لا يملك طائرات ولا صواريخ ولا مدافع ولا دخلا فلكي الأرقام لإنتاج 12 مليون برميل من النفط وعلى هذا فهو لا يستطيع منع الخيانة إلا بالدعاء وإحالة الأمر برمته على الله سبحانه وتعالى” حتى يرى فيه ما يشاء.
هل هذا كل ما يستطيع العرب في وجه الخيانة والانحراف
هل يكتفون من الغنيمة بالإياب في كل مرة فيخرجون مخلين الساحة أمام العدو الإسرائيلي ومن تبعه ووالاه وسلم إليه مقاليد الأمة.
هل يفترضون أن مهزلة انسحابهم من الميدان تلو الآخر تجوز علينا وعلى شعوبهم و”رعاياهم” في أربع رياح الأرض العربية فترضينا وتقنعنا بأنهم قد أدوا ما عليهم ولم يتبق غير أن نخرج في تظاهرات التأييد لإخلاصهم الوطني وحسن بلائهم من أجل خير القضية وسلامة المصير القومي؟
وهل يفترضون إننا من الغباء وقصر النظر بحيث نرى بالفعل فروقاً بينهم وبين السادات ونميريه فلو قدروا لما قصروا؟
وهل يفترضون أيضاً إننا لا نعرف أن استقبال نميري للسادات هو ثمرة مباشرة لقمة التخاذل في عمان ولقمة الحد الأدنى الشهيرة في بغداد قبلها، وإننا لهذا نخاف على ما تبقى من القضية من القمة أو القمم العتيدة التي قد تجمع ثقاتهم. في يوم، في شهر، في سنة، تحت أي عنوان ضخم يتصل بموضوع التحرير أو الاستراتيجيا فتكون النتيجة تصفية كل شيء مقدس وعزيز وغال على قلب الأمة ووجدانها؟
حسناً وماذا بعد؟
وإلى متى وإلى أين الانسحاب بل الهرب من ميدان المواجهة، وإلى متى الصمت على الهاربين من الميدان، المتواطئين مع السادات، المتصلين بالعدو الإسرائيلي والمتعاونين معه ودائماً تحت المظلة الأميركية؟
ومم نخاف بعد، نحن في لبنان وقد أوشك النزيف أن يقضي على بقيتنا الباقية؟ وهل يحق لنا بعد أن نراعي وأن نداري وأن نجامل هؤلاء المتآمرين على العروبة وقضيتها وأن نأمل منهم أن يهبوا لنجدتنا حماية لعروبة لبنان ولوحدة شعبه؟
وماذا ينتظر هذا الشريد الفلسطيني المحاصر والمكبل بقيود علاقاته مع هذه الأنظمة التي تبيع جسده، قطعة قطعة، وتقبض الثمن مع الفوائد على دفعات؟
وماذا يننتظر السوري والليبي واليمني والطوق يضيق من حول كل منهم ساعة بعد ساعة؟
ماذا ننتظر حتى ننقل المعركة إلى حيث يجب أن تكون… إلى مخادع المتواطئين والمتآمرين والساعين إلى استنزافنا وبيع جثثنا في سوق النخاسة؟
إن ضرب السادات لا يكون في القاهرة فقطز
فها هو السادات في الخرطوم علناً وهو في معظم العواصم وإن لم يأتها بشخصه.
وإذا كان السادات مفرداً فالكل نميري وإذا كان السادات محصناً فإنما بالنميريين جميعاً نفطيين وغير نفطيين ملوكاً وامراء وسلاطين ورؤساء يخصون أنفسهم بصفات الخالق وأسمائه الحسنى.
ونستدرك والاستدراك ضروري فنوضح إننا لا نحرض على الاغتيال ولا ندعو إليه ولا نقره ولكننا ندعو إلى عمل عربي جاد وندعو القادرين والمستعدين والمؤمنين بالأمة وبقضيتها إلى لقاء من طبيعة استراتيجية يوقف هذا التدهور المريع ويحدث تغييراً نوعياً في مسار الأحداث التي تكاد تعصف بنا مجتمعين.
إننا ندعو إلى قمة سريعة للجبهة القومية للصمود والتصدي قمة أساسها الصراحة المطلقة بين أطراف الجبهة أولاً ثم بينها مجتمعة وبين الأمة العربية. فليحددوا لنا ما ينوون عمله مما يقدرون عليه وما يستطيعون تقديمه للقوى القومية والوطنية والتقدمية المناهضة للسادات ولنميري وللآخرين كل في قطره.
إننا لا نطالبهم بالمستحيل ولا نتوقع منهم معجزات ولكننا نريد منهم أن يطمئنونا على الصمود ذاته في انتظار أن يحين أوان التصدي. هذا مع الإشارة إلى تخوفنا من أن لا يستمر الصمود طويلاً في غياب التصدي فالتصدي هو شرط الصمود وضمانة تحولنا من رد الفعل البائس إلى الفعل المغير. ولسنا نطالبهم بإسقاط السادات غداً أو بعد غد ولكننا نطالبهم بمناقشة وإقرار خطة تمكن شعبنا العربي في مصر من القيام بدوره التاريخي في تحرير بلاده “مرة أخرى” من قوات الاحتلال الخارجي وقوى البغى والخيانة والفساد الداخلي ونطالبهم باحتضان الحركة الوطنية الديمقراطية في السودان كحركة وليس كأشخاص وتقديم الدعم المطلوب لها وتمكينها من خوض معركتها ضد النظام الفاسد والمنحرف في الخرطوم.. وهكذا بالنسبة إلى الأقطار الأخرى من المغرب حتى مسقط وعمان. إننا ندعو إلى قمة سريعة للجبهة القومية للصمود والتصدي ولكننا نفترض أن شرط انعقاد هذه القمة أن تشكل منعطفاً في العلا بين الحاكم والإنسان في الوطن العربي..
إننا لا نطلب ولا نريد قمة بين بعض الرؤساء كبديل من أمة بين الرؤساء والملوك جميعاً.
إننا نطلب ما تحتاجه الأمة حقاً في هذا الظرف العصيب: قمة محورها وجدول أعمالها والهم الشاغل للمشاركين فيها هو الإنسان العربي.
فالقضية الآن هي باختصار شديد الإنسان العربي، حريته ديمقراطيته وحقوقه الطبيعية كإنسان، وبينها حقه بالانتماء إلى أمته المجيدة وما الانتصارات الباهرة التي يحققها السادات في القاهرة وفي الخرطوم كما في سائر العواصم إلا الوجه الآخر لمدى غياب بل تغييب الإنسان العربي ومدى القهر الذي يعيش في أساره.
وإذا لم تفعل جبهة الصمود ما يعيد إلى هذا الإنسان اعتباره واحترامه لنفسه وثقته بها فعبثاً نتوقع التفاف الجماهير من حولها واحتضانها لها ودعمها بما تحتاج من قوة الزخم المطلوب لإحداث التغيير الثوري المنشود.
إن الانتصار على السادات وبالطبع على العدو الإسرائيلي وعلى مشاريع الهيمنة الأميركية وعلى النميريين من سلاطين وملوك وأمراء ومشايخ ورؤساء يكون بالإنسان العربي أو لا يكون أبداً.
وهكذا تبقى المعركة كما كانت دائماً معركة تحقيق حرية الإنسان العربي وهي معركة كاد يكسبها في نضاله ضد الاستعمار وقوى القهر الخارجية حتى ابتلى بقوى القهر الداخلي فخسرها وخسر معها نفسه.
وهكذا يبقى شرط النصر اليوم كما كان أبداً: مكنوا هذا الإنسان من أن يكون هو نفسه من أن يكون إنساناً وعربياً فيسقط السادات والساداتيين.
وواحدة من ساحات الامتحان الأساسية هي لبنان بكل من تجمع في ساحته من قوى القهر وقوى التغيير في اتجاه الغد الأفضل.
وفي انتظار قمة تعقدها جبهة الصمود والتصدي من أجل الإنسان العربي وباسمه سيظل على قوى الغد المحتشدة فوق أرض لبنان الصغيرة أن تقاتل أعداء الأمة مجتمعين من أنور السادات إلى بشير الجميل وسعد حداد مروراً بجعفر نميري والاتباع الآخرين في شرق الأرض العربية ومغربها.
أما الخروج من الساحة والهرب من الميدان فلا يعني غير التسليم بالهزيمة هذا إذا أحسنا الظن بالهاربين والخارجين أمس من القاهرة واليوم من الخرطوم وغدا من هذه أو تلك من العواصم الباقيات.
وقديماً قيل أن الهجوم هو أفضل أساليب الدفاع وأنجحها وهذا ما نترك السادات يفعله في مدى ولا أرحب بينما نحن منهمكون في التأكيد على حسن نيتنا بأننا لم نهاجم في الماضي ولا نفكر اليوم ولا ننوي غداً التورط في أي هجوم لأننا من عشاق السلام والعاملين لتوطيد أركانه في الأرض.
وقديماً قيل أيضاً : إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى.
مرة أخرى… فلنقتل السادات في صدورنا ، في رؤوسنا، في قلوبنا الواجفة، في عقولنا المعششة فيها أوهام التسوية والمصالحة مع العدو فينفتح الطريق عريضاً إلى الغد العربي الأفضل.
أما إذا بقي السادات فينا فلن تخرج من قبضته لا القاهرة ولا الخرطوم ولا العواصم الأخرى حتى لو سقط غدا.
ومعركة لبنان تكتسب أهمية فائقة من كونها واحدة من المعارك العظيمة التي تخاض ضد السادات والساداتيين، وتحت شعار حرية الإنسان العربي وحقه في الكرامة، أي حقه في الحياة.
ولذا نكرر الدعوة: هيا إلينا، تعالوا نخوضها معاً فنكسب الغد ونستحقه.
ذلك إن شرط القدوم إلى لبنان والقتال فيه أن ننتصر على السادات فينا.. وإننا لفي انتظار المنتصرين…

Exit mobile version