طلال سلمان

على الطريق دعوة إلى الإنقاذ… بالحوار – 3 – عن دور الحكم وسياسة “التواطؤ” في الفتنة المذهبية وتجديد الحرب الأهلية

لماذا يهرول الناس، رؤساء ومسؤولين رسميين، سياسيين وقادة أحزاب وفاعليات ومراجع روحية، إلى دمشق، عند كل حدث، صغير أو كبير، وبحثاً عن حل لكل مشكلة، أمنية كانت أم اقتصادية، محلية أم إقليمية (باللغة الدارجة الآن)؟!
مفهوم إن لسوريا علاقات مميزة مع لبنان (لم يحددها أحد، بالدقةن حتى اليوم، على الأقل)، وإن لها دوراً حاسماً في الحل العتيد للمسألة اللبنانية، إضافة إلى دورها الأكيد والذي لا بديل عنه ولا مفر من أخذه بالاعتبار في أي مشروع حل مفترض لما يسمى بـ “أزمة الشرق الأوسط”، أي لما يتوقع أن تكون عليه صورة الطور الجديد من أطوار الصراع العربي – الإسرائيلي، ضمن المعطيات الدولية والعربية والإسرائيلية الراهنة.
على إن هذا كله هو جزء من الجواب وليس الجواب كله،
بين الأجزاء الناقصة من الجواب: إن الكل يذهب إلى دمشق لأنها، إضافة إلى أساسيات دورها، تشغل موقع “بدل عن ضائع” بالنسبة للدولة في لبنان.
لا دولة في لبنان… والدولة المعنية – بالرغبة والقدرة وقوة الأمر الواقع العربي الإقليمي – هي سوريا، فهي إذن المرجع ومركز القرار.
ولا حكم فعلياً في لبنان يرتضيه ويسلم بشرعيته اللبنانيون بفئاتهم المختلفة، وفي دمشق حكم قوي ترجع إليه كثرة اللبنانيين، أما عن اقتناع وإما عن اضرارأ، وإما عن تسليم بقدرته على أن يمنع ويمنح، داخلياً، يقبل ويرفض، إقليمياً، يسأل ويسأل، دولياً… وهكذا فإن من أراد “الحكم” قصد إليه،
ومن المفارقات إن رموز الحكم في لبنان، المسبوقة أسماؤهم بألقاب الفخامة ، يقصدون هم أيضاً دمشق طلباً للدولة والحكم – المرجع!
لذا غدت دمشق مقصد الظالم والمظلوم، الشاكي والمشكو منه، الحاني والضحية، في آن.
وإذا كان هذا الوضع، في جانب منه، يضيف إلى معنويات دمشق ويعززها، فإنه في جانبه الآخر يعرضها لمخاطر ومزالق كثيرة ليس أقلها أن يحاول البعض خداعها فيتمسكن أمامها حتى يتمكن، أو ينافقها ليغريها بمساعدته على ضرب خصومه، أو يستعديها على بعض حلفائها ليقترب منها على حساب المباعدة بينها وبينهم، مما يضعفها ويضعفهم ويقوي المتقرب الطارئ.
ولقد عرفت دمشق، في الماضي، محاولات خبيثة لإغرائها بالتواطؤ مع طرف واحد ضد سائر الأطراف، وهي تتعرض اليوم لمحاولات من هذا النوع أبرزها تلك التي بذلها ويبذلها الحكم، مرة بصيغة التمني، ومرة بصيغة الطلب ومرة ثالثة بإظهار المطلب وكأنه شرط لازم لإنجاح الخيار العربي، والسوري تحديداً، في لبنان.
ويمكن إيراد سلسلة لا حصر لها من الأمثلة والنماذج التي تندرج في هذا السياق، قافزين من فوق الوشايات الرخيصة والتقارير الكاذبة، ومحاولات الدس المفضوحة التي شملت تفاصيل عائلية من حياة “الخصوم”، لتركز فقط على الاستهدافات السياسية للحكم في علاقاته مع دمشق…
*الحكم يريد من دمشق حكومة،
في البدء كان لا بد من التسليم بحكومة “القوى المخاصمة”، ليستعيد الشرعية وموقع الرئاسة. لكنه كان لا يريدها أن تنجح، فنجاحها يعني إنه هو مصدر الفشل والمتسبب في حروب المرحلة السابقة عليها والاخفاقات المريرة. وهكذا بدأ الحرب ضدها وعلى جبهات متعددة أهمها جبهة دمشق.
وحين قدر إن الظرف بات ملائماً أرسل موفديه بتشكيلة حكومة جديدة، ثم بتشكيلة أخرى، وثالثة. كان المهم أن يحصل على الموافقة بالخلاص من حكومة “الرؤساء الآخرين”، طالما إنهم يرفضون المصالحة والعودة إلى بيت الطاعة بشروطه.
ونتيجة لهذا كله فلقد تسبب في أن تبدو دمشق، في بعض الحالات، وكأنها السبب في عدم وجود حكومة، وبالتالي حكم في لبنان، ليصل من بعد إلى تحميلها مسؤولية الوضع السياسي برمته وكان لا دور له ولا بد في ما كان أو ما سيكون!!
*والحكم يريد من دمشق جيشها ليقوم مقام جيشه، ولكن بشروطه هو : يغطيه حيث يريده أو حيث يحتاجه، وإجمالاً حيث لا تطول يده، وبعدما يفرغ من المهمة التي ينتدبه إليها أو يكلفه بتنفيذها، ووفق رؤيته أو مصلحته السياسية المباشرة، وليس إلا بعد التنفيذ في أي حال. بمعنى إن مسؤولية التنفيذ تقع على “الغازي” السوري، أما النتائج فيحصدها “الرئيس المحرر” أو الرجل الذي أوقف الغزو أو حد من مخاطره باستيعابه عبر “تشريع” حركته!
وبغض النظر عن موقف الطرف السوري، فإن هذه المحاولة تستهدف حجب الأسئلة عن مسؤولية الحكم في لبنان عن فرط جيشه واستعدائه على شعبه، وزجه في مجموعة من الحروب المدمرة أنهكت الشعب، وأنهت الجيش كمؤسسة، وألحقت بالبلاد أضراراً تفوق ما لحق بها من جراء الاحتلال الإسرائيلي.
وإذا كانت سياسة الحكم قد حولت الجيش، في السابق إلى ميليشيا، كما كان يقول قائده السابق العماد إبراهيم طنوس، فإن هذه السياسة ذاتها قد حولت الجيش الآن إلى مجموعة من الميليشيات الرديفة للميليشيات “الحزبية” القائمة، وعلى أساس طائفي ومذهبي.
كان اللبنانيون يشكون، في الماضي، من أن الجيش، بكليته، يوظف كقوة دريفة للقوات المارونية المسلحة، ممثلة بالكتائب و”قواتها”، وجاءهم الحكم بحل فريد: فلتأخذ كل طائفة وليأخذ كل مذهب أتباعه، وليتركوا كتلة الجيش الأساسية وقوة نيرانه كميليشيا مرتبطة بالحكم الماروني، بوصفه رأس الدولة والقيم على الدستور والسيادة.
*والحكم يريد من دمشق أن تعوضه ما يفتقده من تأييد سياسي، سواء في أوساط المسلمين أم في أوساط المسيحيين. وهو يستخدم رصيده لديها، باعتباره المتعاون المخلص الذي أعلن التوبة وتراجع عن الخطأ فألغى اتفاق 17 أيار، وقطع العلاقة مع العدو الإسرائيلي، وهجر الكافل والضامن والشريك الأميركي. كل ذلك ليجعلها تقبل “توبة” جماعته في “القوات اللبنانية” وبالرمز الأكثر فجاجة في علاقته بكل ما هو معاد للعرب، إيلي حبيقة… ومنطقه في ذلك: إن قبول دمشق بقوات حبيقة يوفر الضمانة المطلوبة للجواب على خوف المسيحيين من الأكثرية العربية في الخارج، والأكثرية الإسلامية في الداخل.
هذا على صعيد العلاقة مع دمشق، أما في الداخل فقد تميزت حركته الرديفة بالسعي دائماً إلى التواطؤ مع أي طرف لديه الاستعداد للتواطؤ، ضد الأطراف الأخرى… وذلك:
** حاول الحكم بداية التواطؤ مع “السنة”، انطلاقاً من المسؤولية التاريخية المشتركة للموارنة والسنة عن صيغة 1943، وبوصفهما جناحي الوطن وطرفي التحاور في “الميثاق الوطني” الشهير.
ولما اكتشف أن “السنة” يعانون من ضمور في دورهم السياسي لم يتردد في الاندفاع إلى “القوى الجديدة” للتواطؤ معها على السنة!
** بعد الهزيمة التي منيت بها “القوات” والجيش في حرب الجبل، اندفع الحكم في اتجاه الدروز يعرض عليهم عروضاً صريحة بالتواطؤ، مذكراً بأن لبنان ككيان سياسي هو تراث درزي، أصلاًن وإن الأساس في قيامه تلك العلاقة الفريدة بين الموارنة والدروز… أليسوا هم الجبل؟ وأليس الجبل هو لبنان؟ إذن “فالصيغة” تكون بين طرفي المعادلة الجبليين ثم تعرض على الآخرين!
وفوجئ الناس بالتحول في موقف الحكم من وليد جنبلاط، تحديداً، فهذا المتهم “بالخيانة العظمى”، و”الواجب محاكمته وإدانته وإعدامه” كونه هاجم “مقامات لها العصمة”، تحول في غمضة عين إلى ضيف العشاء في المنزل الشخصي ومع أفراد الأسرة، بعيداً عن ضوضاء القصر وحسد الحاسدين!!
** وبعد فشل المحاولة مع وليد جنبلاط، كان منطقياً أن يندفع الحكم باتجاه الشيعة، وأن يحاول التواطؤ معهم… جرب بداية أن يتواطأ مع كل المتضررين من تنامي قوة حركة “أمل” وتعاظم دور نبيه بري ، فلما ثبت له بؤس التجربة أخذ يمد الشباك لجذب نبيه بري والحركة، مستذكراً أيام الصداقة مع “الأستاذ” من أيام اتحاد الطلبة، وسحب من التداول ما كان يصفه به قبل أيام، وهي أوصاف لا تقال عن النبي آدم، في العادة، بل عن الأشياء، والأشياء الوضيعة!
** حتى من قبل أن تصل تجربة التواطؤ مع “الشيعة” إلى نهاياتها، كان الحكم يحاول التواطؤ مع السنة والدروز مجتمعين على الشيعة، مستنفرغاص في السنة الشعور بالأحقية في رئاسة الوزارة، وبالشراكة مع الماروني في لعبة الحصص، ومستنفراً في الدروز الشعور بقلة العدد والتخوف المفترض من طغيان الكثرة الشيعية “المتزايدة كالفطر والملتقية سياسياً مع سوريا وعاطفياً مع إيران الخميني مما يحولها إلى قوة إقليمية أنى لها أن ترضى بدور محدود”؟!
وغني عن البيان القول: كم أسهمت مثل هذه السياسة في تغذية أسباب الفتنة الطائفية والمذهبية التي يتجرع لبنان مرارتها الآن.
إنه التواطؤ دائماً، التواطؤ على حكومته، التواطؤ على جشه، كما على الجيش السوري، التواطؤ على الطوائف الأخرى، والبعض يضيف، والتواطؤ على حزبه بدليل ما أصاب حزب الكتائب من ضعف وتمزق في الفترةالماضية، وحتى من قبل أن يموت الشيخ بيار الجميل (وموته كان، على أي حال، إعلان وفاة رسمي للحزب)، ثم التواطؤ على “القوات”، حتى لا ننسى المحاولة الانقلابية التي أوصلت فؤاد أبي ناضر إلى رئاستها ثم انتهت بسرعة على يدي سمير جعجع الذي سرعان ما انتهى على يدي إيلي حبيقة الذي يرشحونه للانتهاء مع أول هدنة جدية وطويلة بين المقتتلين لأي أسباب في بيروت الغربية.
على إن الموضوعية تقتضي القول إن الحكم ليس الطرف الوحيد الذي يحاول أن يغري دمشق بسياسة قوامها “التواطؤ” وليس التحالف على أساس برنامج سياسي واضح محدد.
إن كثيراً من الأطراف السياسية اللبنانية تعتمد مثل هذه السياسة ، تارة بحجة الرد على لعبة الحكم، وطوراً بذريعة إن التحالف مكلف وقد يكون في بعض الحالات محرجاً أما “التواطؤ” فتحميه سريته، وفي مرات أخرى تكون الحجة الحرص على مصالح دمشق ذاتها والمحافظة على حرية حركتها وحقها في الاتصال بمختلف الأطراف المتصارعة.
بل إن “التواطؤ” يكاد يصبح سمة عامة من سمات السياسة في هذه المرحلة، تواطؤ الحليف على الحليف، والحليف مع خصم مفترض على خصم آخر، ناهيك بتواطؤ الخصم على الخصم، وتواطؤ الحكم على الكل وصولاً إلى احتمال أن تحين لحظة تواطؤ الكل على الحكم.
الرادع، حتى اليوم، هو دمشق ذاتها، وذلك لمليون سبب أولها وأهمها إنها في وضع يسمح لها بتحديد سياستها وتحالفاتها بوضوح ومن دون حاجة إلى اعتماد التواطؤ.
هذا بالنسبة إلى دمشق، أما بالنسبة إلى أطراف عربية أخرى، وبالذات ياسر عرفات ومن معه، فإن أكثر من طرف سياسي محلي قد انخرط معه في لعبة التواطؤ التي يقودها منذ حين ضد الوجود السوري وضد النفوذ السوري، في لبنان، وبالتالي ضد “الخيار العربي” – وهو في حالة لبنان خيار “سوري” بالأساس – كمدخل للحل، ومن ثم للفصل بين المسألة اللبنانية وتلك “الأزمة الخالدة” المسماة زوراً وبهتاناً: أزمة الشرق الأوسط، تحاشياً لإعطائها اسمها الصريح: “الصراع العربي – الإسرائيلي”، ربما للهرب من موجباته القومية.
ومن المفارقات الفجة إن الحكم كان لا يفتأ يبدي تعاطفه مع “الفلسطينيين”، أمام من التقاهم أو اتصلوا به مستوضحين أو مستفسرين أو متساءلين عن موقفه وموقعه – وموقع الدولة – من “حرب الأشقاء” التي دارت في المخيمات ومن حولها.
وكان ملفتاً أن يتبنى الحكم، الكتائبي أصلاً وفصلاً، منطقاً مناقضاً لذلك الذي اعتمدته الكتائب مبررة به دورها في تفجير الحرب الأهلية.
فلقد ردد رئيس الجمهورية أمام غير واحد من زواره، في الفترة الأخيرة:
“ليس من حق أحد أن يطالب بنزع سلاح الفلسطينيين بينما الكل في بيروت الغربية، مدجج بالسلاح”!
وكانت الحجة الكتائبية لتعطيل الحل في أية مرة، على امتداد سنوات الحرب الأهلية : “- ليس من حق أحد المطالبة بنزع سصلاح الكتائبي، طالما ظل الفلسطيني مسلحاً… فسلاح الكتائبي رديف لسلاح الشرعية، وهو يأتمر بها وفي خدمتها ومن أجل حمايتها، أما سلاح الفلسطيني (والمتحالفين معه) فهو مرفوع في وجه الشرعية وضدها من أجل إسقاطها”!!
والدلالة الأساسية للمنطق الذي يعتمده الحكم اليوم، وفي هذه القضية تحديداً، تتجاوز “التكتكة”، ومد اليد إلى من يعتبره “عدو عدوه”، لتصبح دعوة صريحة لتجديد الحرب الأهلية بما يكفل أن يحترق فينارها اللبناني والفلسطيني ومعهما السوري.
وغير مهم، من بعد، التوقف طويلاً، عند الحكايات التي ترددت وما تزال تتردد عن اتصالات جرت وتجري بين الحكم وقيادة ياسر عرفات، عن وجوه التعاون والتسهيلات “التكتيكية” و”اللوجستية” التي قدخمتها بعض أجهزة الحكم مباشرة لقاعدة جماعات عرفات الخلفية في قبرص، ثم في جونيه وعبرخطوط التماس وصولاً إلى بيروت الغربية.
بالمقابل فإن بعض القوى السياسية المحلية قد انخرطت في التواطؤ مع جماعة عرفات وبالتالي مع الحكم، مخرة بحجة العمل للحد من تفرد “أمل” بالقرار في بيروت الغربية، واستطراداً في الجنوب، ومرة أخرى بحجة ضرورة إضعاف النفوذ السوري بحيث تصبح متعذرة عودة “الردع” بكل ما تعنيه مثل تلك العودة المظفرة للجيش الذي خرج من بيروت مكرهاً تحت ضغط جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل ثلاث سنوات فحسب.
ولنا على أي حال عودة إلى الموضوع الفلسطيني تفيه ما يستحق من عناية وأعمال للعقل والفكر، ولكن هذه الاشارة كانت ضرورية للتوكيد على إن “التواطؤ” منهج من أخذ به أو احترفه سيعتمده مع الناس، ومع القوى جميعاً… فمن يتواطأ اليوم مع دمشق لن يتورع عن التواطؤ عليها غداً، ومن يتواطأ معها على عرفات لن يضيره كثيراً أن يتواطأ مع عرفات عليها، بل لعله يحاول أن يتواطأ مع الاثنين معاً وفي الوقت نفسه، ثم يكون أول مهنئ للمنتصر، وأول مهنئ لنفسه على شطارته النموذجية… باللغة السياسية اللبنانية الرائجة.
ثم إنها إشارة سريعة إلى منطق المستفيدين من الحرب الأهلية والعاملين على إدامتها، ما أمكن.
فمستخدم ذريعة السلاح الفلسطيني بالأمس لتبرير استمرار الكتائبيين في حمل السلاح، يستخدم اليوم ذريعة حمل “أمل” السلاح لتبرير استمرار الفلسطينيين في حمل السلاح، وهو في المرتين يبرر قيام “الغيتو”، ويحاول أن يضفي الشرعية على وضع الميليشيات.
ثم إن هذا المنطق يعاكس، بخط مستقيم، السياسة الرسمية المعلنة والقائلة بضرورة العمل على الفصل بين “مسألة لبنان” و”أزمة الشرق الأوسط”.
ومن الطريف والملفت أن نجد الحكم ذاته يعتمد الأمرين أو السياستين معاً.
وفي بعض محاولات التفسير إن اعتماد “السياستين” معاً يستهدف استدراج العامل الإسرائيلي لكي يستمر فاعلاً في “الساحة اللبنانية” فيشكل عنصر توازن مع “الخيار العربي” بما يمكن الحكم (والنظام) من الاستمرار بصيغته إياها المعترض عليها والمرفوضة، والتي أثبتت إنها عاجزة عن الدوام أكثر مما دامت حتى الآن.
وهكذا فإن هذا المنطق يستهدف، في جملة ما يستهدفه، توفير حمايات أخرى للامتيازات التي يقول الحكم إنه غير مستعد لأن يتحمل التبعات التاريخية لأن يكون “أول من يتنازل عنها”،
وبموجب هذا المنطق يصبح التواطؤ مشروعاً، بذريعة حماية الامتيازات وتبريرها، وإن اقتضى الحال أن يكون مرة مع “العامل الإسرائيلي” ومرة أخرى تحت لافتة “الخيار العربي”: مرة تكون حمايتها المبرر للعلاقة مع العدو الإسرائيلي، ثم يكون رفض التنازل عنها ثمناً للانسحاب من العلاقة مع العدو الإسرائيلي!…
وبموجب هذا المنطق يصبح مشروعاً أن يستمد الحكم قوته مرة من الإسرائيلي، ومرة أخرى من العربي (السوري، الآن)… بكل ما يشكله من إغراء للآخرين بأن العلاقة مع الإسرائيلي هي التي تعدل موقع أي طرف في لعبة الصراع الداخلي.
وأخيراُ إن من شأن اعتماد هذا المنطق ، أن يدفع باللبنانيين جميعاً إلى التورط في علاقة، بهذه النسبة أو تلك، مع العدو الإسرائيلي، حتى ليصبح الشعار: وحدة المقاتل ضد إسرائيل يخسر موقعه في لعبة السياسة في لبنان، وحصته من نظامه الفريد وجبنته الشهية.
هل طال وقوف هذا الحوار عند محكمة الحكم؟
لا نعتقد ذلك نظراً لدور الحكم وموقعه المؤثر والأساسي في لعبة الصراع على السلطة، في لبنان، بكل أبعادها عربياً ودولياً.
على هذا لا يمكن الوصول إلى تحديد دقيق لمسؤوليات الأطراف السياسية الأخرى قبل أن يتحدد، وبالضبط، دور الحكم ومسؤولياته.
وفي غد نكمل الحديث عن هذا الدور، ثم إلى ما بعده من أدوار، وصولاً إلى موضوع الفلسطيني ذي الجراح الكثيرة، مفيدين من فرصة اللقاءات الموسعة في دمشق لإطلاق الحوار على مداه كمحاولة للإنقاذ وليس للتشهير…
فإلى غد

Exit mobile version