طلال سلمان

على الطريق دروس لبنانية أمام أمير الكويت..

أهلاً وسهلاً بأمير الكويت الشيخ جابر الأحمد، وعلى الرحب والسعة بين أهله المنسيين،
فأخيراً، وبعد طول انتظار، وعلى غير موعد متفق عليه سابقاً، تحرك الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح في اتجاه “الشركاء في الضراء” عن عرب المشرق مصر وسوريا وبالتبعية لبنان.
ولأن الزيارة “مباغتة” وتأتي عشية تحرك أميركي حثيث لإخراج “مسيرة السلام” من الطريق المسدود الذي حاصرها فيه التعنت الإسرائيلي، فهي تطرح مجموعة من التساؤلات “الشرعية” بينها:
1 – اما وإن الزيارة لا تتم بناء على اتفاق سابق فقد لمع التساؤل هل هي “مطلوبة” ولها أغراض محددة عنوانها، على الأقل، أميركي، وموضوعها “المفاوضات العربية – الإسرائيلية”، وسياقها مختلف عما يتوقعه عربي في محنة من أخيه العربي، “القادر” نظرياً على “نجدته” أو “تعزيز صموده” بتأمين ظهره.
2 – أن تبدأ الزيارة بالقاهرة وبلقاء مع نظامها الذي ارتضى لنفسه دور “الطرف الثالث”، أو في أحسن الأحوال “الوسيط” بين أهله العرب وبين “عدوهم” – عدوه السابق؟! – الإسرائيلي، فهذا يخرجها من دائرة تعزيز الصمود ليجعلها أقرب إلى تسحيل المهمة الأميركية في إقناع “المتشددين” بتليين مواقفهم تداركاً للأسوأ من نوع ما لوح به وزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر إبان الاجتياح الإسرائيلي بالنار للبنان وعشية مجيء “رسول السلام الأميركي” إلى المنطقة.
3 – في الشكل، تبدو الزيارة “رئاسية”، إذ لا يرافق الأمير إلا وزير أعلامه، وفي حين يغيب وزراء الخارجية والمالية والاقتصاد، فإن حضور مدير الصندوق الكويتي للتنمية يلغي أية شبهة “عاطفية”، وأي احتمال لتعويض الغياب الطويل بسخاء عجائبي لا يمكن توقعه من أي مسؤول عربي عموماً ومن حكام الكويت بالذات وهم المعروفون بشدة حرصهم وبدقتهم المتميزة في الحساب.
4 – وفي المعلومات ثمة ما يشير إلى أن الزيارة كانت، في الأصل، لمصر، وإن سوريا أضيفت في اللحظة الأخيرة، ثم استدرك لبنان بناء لطلب سوري وضماناً لحسن أداء المهمة التي يصعب استثناء لبنان منها طالما إنها تتصل بالمفاوضات في “طورها الجديد”…
ومن دون تقصد في استباق النتائج، فمن المؤكد أن الشيخ جابر الذي خص لبنان بساعات قليلة من وقته، لن يتمكن من تفقد جنباته التي تعرضت لاجتياح التدمير والتهجير في جبل عامل والبقاع الغربي.
ولأن الكويت تعتبر إنها قد قامت بواجبها حيال “ضحايا” العدوان الإسرائيلي الأخير، بشحنات المساعدات الغذائية والأدوية والبطانيات والخيم التي حملتها الطائرات، فليس وارداً أن يكون أمير الكويت قد جاء بنفسه لكي يقدم ما تأخرت حكومته في تقديمه من أموال لإعادة بناء ما تهدم، وتأمين البيوت والمساكن لمن شردته الصواريخ والقذائف الثقيلة والقنابل الإسرائيلية الحارقة والتهديدات المدمرة للأعصاب التي تولى إطلاقها بالنيابة “البوق الإسرائيلي” أنطوان لحد.
… خصوصاً وإن رئيس حكومة لبنان كان في طريقه إلى الكويت، ومعه “المحصل” أمين عام الجامعة العربية عصمت عبد المجيد، وذلك لاستيفاء ما تقرر في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بدمشق قبل خمسة وعشرين يوماً، من “تعويضات” لأهله الصامدين… وهي “تعويضات” وزعت حصصاً على الدول العربية، ومع كونها “نظرية”، فقد اعترض عليها ممثل الكويت، شقيق الأمير، ورجل السياسة الخارجية، والخبير المحنك في العلاقات (والخلافات) العربية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
في أي حال، وكائناً ما كان الغرض من هذه الزيارة المفاجئة، فلسوف يكون أمير الكويت على الرحب والسعة في “وطنه الثاني” لبنان، الذي طالما انتظر مقدمه (شخصياً) أو مبادراته المؤكدة تعاطفه أو تضامنه أو التزامه بموجبات وحدة المصير، لاسيما و”المواجهة” هنا كانت باللحم والدم وليس بالتهديدات النظرية وأوهام مهووس بالسلطة.
ومع إن طريق أمير الكويت من المصنع، على الحدود السورية، إلى قصر بعبدا المجدد على عجل لإثبات حضور “الدولة” في مركز رئاستها، لا تمر بالمناطق التي دمرها الاجتياح الإسرائيلي لا في البقاع الغربي ولا في جبل عامل، ولا هي تخترق “خطوط التماس” القديمة “لحرب السنتين”، فإنها مع ذلك ستجعله يرى بعض آثار الاختراق الإسرائيلي للنسيج الاجتماعي في لبنان ممثلة في “حرب الجبل” التي كانت – في جانب منها – بعض مستلزمات اتفاق الاذعان (17 أيار سنة 1983)،
كذلك فإن هذه الطريق القصيرة، ولاسيما بمحطتها الأخيرة، في قصر بعبدا، ستجعله يشهد – بأم العين – بعض النتائج المفجعة لقصر النظر وتجاهل حقائق الحياة والاعتماد على الأجنبي في مواجهة الأهل وذوي القربى.
فالآتي عبر البحر يأخذه البحر مرة أخرى من حيث جاء، أما الأرض فتبقى بأهلها وتبقى لأهلها،
ويتمنى اللبنانيون لو سمع منهم أمير الكويت، فتجربتهم الغنية تنفع أو يجب أن تنفع كل أهلهم العرب،
لقد جربت فيهم كل الأسلحة، وجربوا بأنفسهم كل الأسلحة،
جربت فيهم وجربوا حروب الاستقطاب والمعسكرات العربية المقتتلة،
وجربت فيهم وجربوا الاستعانة بالأجنبي على العربي، ووصل الأمر ببعضهم إلى حد طلب الرئاسة من فوق دبابة إسرائيلية،
واستخدمتهم القوى العظمى حقل رماية حيناً، وساحة مناورة حيناً آخر، ولكنها عندما استكملت تحقيق أغراضها أنكرت “أصدقاءها” فيهم، وبلعت وعودها وتعهداتها على مستوى الطوائف والمذاهب كما على مستوى القوى السياسية والقيادات الحزبية، فكيف بالأشخاص،
وحده الشقيق العربي ظل مستعداً للمساهمة في الإنقاذ، وقد دفع من دمه – حين استوجب الأمر – لكي يعيد استيلاد لبنان – الدولة والمؤسسات.
وفي ضهر الوحش، وفي المسافة الفاصلة بين قصر بعبدا بين تلك المنطقة التي كانت تعج بالقصور لمالكيها من الأخوة العرب، وبالتحديد من أبناء منطقة الخليج العربي والكويت في الطليعة، سالت دماء سورية غالية، كما سالت دماء لبنانية غالية، في العملية الشجاعة التي استهدفت اقتلاع الغلط وإعادة تصحيح المسار السياسي للبنان وانطلاقاً من قصر الرئاسة في بعبدا، على وجه التحديد.
لقد عاش اللبنانيون بأعصابهم وعواطفهم ووجدانهم وتعاطفهم الحسي مع إخوانهم الكويتيين إبان محنتهم التي نجمت عن جريمة صدام حسين ضد الإمارة الصغيرة،
ولقد عبر اللبنانيون، بأهل الحكم منهم كما بقواهم السياسية ومنابرهم الفكرية وعلى رأسها الصحف، عن موقفهم الشاجب لغزوة صدام، فاستقبلوا موفديهم – من ممثلي المؤتمر الشعبي – أحسن استقبال، وساهموا في كشف مخاطر تلك المغامرة الكارثية على مستقبل الأمة برمتها، ومن ضمنها العراق كما الكويت،
كان لبنان حاسماً في وقوفه ضد العدوان، وتصرف انطلاقاً من الإيمان بأن الكويت قضية قومية، وبأن ما أصابها إنما هو محنة عربية عامة ينال كل عربي من أذاها ما ينال الأخوة في الكويت،
لكن لبنان، الذي ما زال على موقفه إذ أنه اتخذه اقتناعاً وليس زلفى أو تملقاً أو طلباً لمساعدة أو طمعاً في صدقة أو هبة استثنائية أو تبرع سخي كالذي قدمته الكويت لضحايا إعصار فلوريدا، يتمنى على أمير الكويت أن يتسع صدره وعقله لاستيعاب بعض “الدروس اللبنانية” وذلك من أجل الكويتيين أولاً وأخيراً.
فلا مجال مع اللبنانيين لتمويه حقيقة العدو الإسرائيلي وأطماعه التوسعية في الأرض كما في المياه اللبنانية (كما في النفط العربي عموماً!!).
وإذا كانت الظروف تجعل المواجهة العسكرية مع هذا العجو المعزز بكل أنواع الدعم العسكري والاقتصادي (الأميركي) متعذرة، فإن الاستسلام لشروطه والتفريط بالحقوق القومية (في فلسطين) أو الحقوق الوطنية (كما في الجنوب والبقاع الغربي) يشكل خطراً على مستقبل العرب في كل أرضهم، بمن في ذلك أهل الكويت الذين ما زالوا يعييشون في أسر كابوس صدام حسين وفظائع اجتياحه.
إن المقاومة في لبنان تحمي الكويت ذاتها،
كذلك فإن أي تفريط عربي، سواء أصدر عن دولة في أقصى المغرب أم عن دولة في أقصى المشرق، سيدفع ثمنه لبنان، وقبله سوريا، وقبلهما بطبيعة الحال فلسطين بقضيتها ومستقبل أهلها،
وإذا ما كانت ظروف الكويت الحالية أصعب من أن تسمح لها بمساعدة لبنان جدياً، مادياً ومعنوياً، فلا أقل من أن تمتنع عما يمكن أن يلحق الضرر به، دولة وشعباً ومؤسسات.
…واللهم إننا لا نسألك رد القضاء، إنما نسألك اللطف فيه.
وسلام على من أتبع الهدى.
ومرة أخرى: يا هلا بطويل العمر الشيخ جابر الأحمد!

Exit mobile version