طلال سلمان

على الطريق خوش استقبال… خوش مستقبل!

سيسجل التاريخ أن بعض العرب، والكويتيين تحديداً، كانوا أعظم وفاء وأثبت إيماناً وأكثر إخلاصاً للرئيس الأميركي السابق جورج بوش من مواطنيه المتحدرين مثله من أصل إيرلندي، وأيضاً من جنوده الذين “قاتلوا” تحت قيادته في “عاصفة الصحراء” التي مهدت لقيام النظام العالمي الجديد!
وإذا كان حرمان الكويتيين (بالتأسيس!) من التبرك بملامسة”محررهم” والتبرك به وتكحيل العيون بطلعته البهية، قد نغص عليهم فرحتهم وأنقص بهاء المشهد الدرامي المؤثر، فإن دماء الجمال والثيران والخراف والماعز التي سالت أنهاراً فروت رمال الصحراء قد “عوضت” فأكدت أصالة الخلق العربي بما يتميز به من سخاء وحسن استقبال وحفاوة وإكرام ووفادة الضيف، فكيف إذا كان الأغلى من بين جميع الضيوف؟!
على أن ذلك المنافق النفطي الذي ابتدع لافتة “خوش بوش” ورفعها فوق الإمارة العائمة على بحر من الذهب الأسود، قد استدرك سلفاً أي خلل أو ارتباك في الاستقبال الحاشد، ولو لأسباب أمنية، فأعطى جورج بوش ما يستحقه من تمجيد بوصفه صاحب الفضل في التأسيس الثاني لـ “دولة الكويت” بعد “مبارك الكبير” – المؤسس الأول – الذي بات الآن مجرد قلادة على صدر المحرر الأميركي الجديد (ومن محاسن الصدف أنه يشترك مع المحرر الأميركي الأول في الاسم الأول جورج…).
ومن حق بوش أن يتباهى بنصره الباهر فهو قد “حرر” الكويت فاستعبد العرب جميعاً، بفضل ذلك الطاغية في بغداد الذي زعم أنه ذاهب لتحرير القدس فإذا به يستقدم تل أبيب إلى أجواء العراق والأميركان إلى معظم الأرض العربية ومعظم الإرادة العربية!
وإنها لمفارقة لافتة أن يتزامن استقبال النظام الكويتي “محرره” الأميركي مع استضافة النظام المصري “مستعبده” الإسرائيلي،
لقد انتهى زمن العداء مع “الخارج” الغاصب أو المهيمن،
وجاء زمن العداء مع الداخل، مع الأهل، مع الذات.
وحين يستقبل حاكم مصر “العدو السابق” الذي كان واحداً من “الأبطال” الذين شاركوا في تدمير عزة مصر المحروسة، فهو يتقدم نحوه فوق بحر من التعاسة والبؤس والشقاء والضياع والشعور بالهوان والإذلال والخطأ المنذر بحرب أهلية ستفتح أبواب أرض الكنانة المرصودة للوباء الصهيوني المحصن بعداء “رسمي” يتنامى يومياً للعرب وللإسلام، وكأن لمصر وجوداً خارجهما؟!
الكل يسبح في بحر من الخطايا بلا ضفاف،
تختلف الذريعة لكن النتائج لا تتبدل: فقاتل نفسه بسيف عدوه كقاتل شقيقه بالسيف ذاته،
والرد على الخطأ بالخطيئة ليس طريقاً إلى التحرير ولا إلى العزة والسيادة والكرامة وتأكيد “استقلال” الدولة،
و”التوسط” بين العدو وبين الشقيق هو في أحسن الحالات تورط وتوغل في الخطأ كان يمكن تجنبه… فالتفريط لا يبرر الانحراف ولا يغطيه، و”التنازل” هنا لا يمكن أن يثمر استعادة للحقوق المسلوبة هناك.
إن الاستقبالين، بدلالاتهما العامة كما بالتوقيت، يضعفان الموقف العربي الضعيف أصلاً، ويضيفان إلى “العدو” قوة فوق قوته،
ثم إنهما سيزيدان من أسباب الفرقة العربية، ويقدمان مزيداً من الوقود لنار الاقتتال الداخلي، ويمهدان لمزيد من الحروب العربية – العربية.
… وخوش مستقبل عربي في ظل هذا “الخوش بوش” مع الأميركي ومع الإسرائيلي!

Exit mobile version