طلال سلمان

على الطريق خلفاً دُر؟!

في حدود ما أعلن عن “الاتفاق – المفاجأة” والملابسات التي أحاطت به ومهدت للوصول إليه ، يبدو وكأن الرئيس سليمان فرنجية قد نجح في إنهاء “الجمهورية الأولى”، جمهورية الميثاق الوطني، جمهورية بشارة الخوري ورياض الصلح و1943، أكثر مما نجح في إرساء دعائم “الجمهورية الثانية”: معقد طموح اللبنانيين وآمالهم.
ولسوف تنتظر “الجمهورية الثانية”، على الأقل، نهاية العهد الحالي، برجاء أن تجيء مع رحيل سليمان فرنجية، بعد عشرة شهور من الآن، بحيث تكون ثمرة ذهابه وليس ثمرة وصوله إلى سدة الرئاسة والسلطان.
ويمكن، هنا، تسجيل ملاحظة أولية تلخص مأساة هذا العهد، وماساة اللبنانيين معه وفيه: فلقد أطل بالزخم الكافي لإعلان “الجمهورية الثانية” عبر تحقيق مجموعة من الاصلاحات الضرورية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ولعله قد حاول، صادقاً، في السنة الأولى أن ينجز… لكن المحاولة انتكست فأدت إلى النقيض تماماً: تكريس وتقنين أسوأ ما في النظام وتطبيقاته المبتكرة.
وهكذا فإن الرجل أن ينجز… لكن المحاولة انتكست فأدت إلى النقيض تماماً: تكريس وتقنين أسوأ ما في النظام وتطبيقاته المتبكرة.
وهكذا فإن الرجل الذي هزجت له آلاف البنادق عند انتخابه، بافتراض أن انتخابه نصر للديمقراطية على العسكر، يقترب من نهاية ولايته بينما عشرات آلاف البنادق تلتهم النظام، وبينما الطائفية والعنصرية والفاشية والأحقاد تلتهم الوطن نفسه والمواطنين جميعاً.
أما المطالبة بالإصلاح فلقد باتت، كالهوية، مقتلاً.
وفي ضوء هذا الواقع (المميت) يبدو العهد وكأنه يسير، ساحباً معه البلاد، ليرسم دورة كاملة من التراجعات تغدو معها سنة 1943 ذروة بعيدة المنال!
فلقد احتاج لبنان 32 سنة كاملة ليتحول من “بلد ذي وجه عربي” إلى “جزء لا يتجزأ من العالم العربي” مع التأكيد المشبوه على تميزه شعباً ونظاماً وثقافة ومعتقدات ونمط حياة، بحيث ينحصر النص على انتمائه بالجغرافيا لا أكثر… كما إن البرازيل، مثلاً، جزء من أميركا اللاتينية، وكما إن فرنسا جزء من أوروبا.
وتعديل الدستور الذي كان مطلباً مشروعاً عام 1943 أمكن تحقيقه في وجه المحتل الأجنبي، وعلى رغم وجوده ، غدا الآن استفزازاً طائفياً ومدخلاً إلى الحرب الأهلية!
وإلغاء الطائفية الذي كان طموح الحكم وأهل النظام قبل 32 سنة، بات الآن مصدر تهديد لمصير المسيحيين في الشرق!… مع إن نصف الحاكمين اليوم هم هم نصف الحاكمين سنة 1943!
وبكلمة، فإن مشروع الوطن الواحد الموحد عند الاستقلال تحول، في خلال هذا العهد، إلى “مسودة” أو “بروفه” لاتحاد الكيانات الطائفية الـ 17 المتواجدة في لبنان!
… ثم يحدثونك عن توسيع الحكومة!
وعن محادثات “فورية” مع المقاومة الفلسطينية!
وعن “التكيفات” مع العصر!
ومرة أخرى، عن “لا غالب ولا مغلوب”.
وتكتمل الدورة: فهذه 1958 معكوسة يفترض أن تبعد لبنان عن طموحاته الحقيقية بالمقدار ذاته الذي قربته منها تلك التي شهدناها قبل 17 سنة،
ويبدو العهد، عشية نهايته، على صورته الحقيقية: عهد انتصار الطائفية على الديمقراطية والعسكر معاً!
ويبدو اللبنانيون مطالبين بأن يحسموا، في الشهور القليلة المتبقية من العهد، المعركة السياسية الكبيرة المفتوحة وإلا خسروا – مع المطالب – انتماءهم الوطني، وخمسين سنة من التاريخ، إضافة إلى خسارتهم الجغرافية الراهنة والمحتملة “بفضل” الوجود الإسرائيلي…

Exit mobile version