طلال سلمان

على الطريق خالد، ميلود والقبلة..

من حلب جاء خالد إلى موعده معها،
ومن تونس جاء ميلود
ففلسطين هي الوعد والموعد، هي القبلة والملتقى وسدرة المنتهى، هي الوالدة والولادة وحبل السرة الذي يشد العرب بعضهم إلى بعضهم كالبنيان المرصوص،
ففلسطين لا تكون خارج العروبة، خارج فكرة الوحدة، خارج العقيدة القومية، وجميعها أقوى من الدولة وأبقى: عليها وبها تقوم الدول وإلا ظلت كيانات من كرتون يهدمها هدير طائرة حربية إسرائيلية أو تنهشها نار فتنة طائفية أو يركبها حاكم طاغية فيجعلها مزرعة مسورة بالمشانق وكواتم الصوت وأجهزة التصنت والكلاب الكلبة من عسسه.
حلق خالد الحلبي فصار فلسطينياً، وصار فدائياً، وصار اسماً حركياً لإرادة الأمة وطريق النصر،
وحلق ميلود التونسي فوصل،
كان عليه أن يخترق أسوار البورقيبية، أولاً، ومحاولة التهجين بالتغريب “العسكري”،
وكان عليه أن يستعيد سمرته ونسبه ورائحة التراب المشبع بزيت الزيتون ونكهة التمر الجاف،
وكان عليه أن يسقط حدوداً مكهربة ومحمية بالانذار المبكر والصواريخ والرادارات، لتمنع العربي من أن يكون واحداً في أرضه وواحداً في نضاله وواحداً في إيمانه بأرضه وبنفسه وبتاريخه،
وكانت الرحلة في اتجاه فلسطين أصعب وأقسى وأمر من رحلة الوصول إليها،
حلق خالد الحلبي،
حلق ميلود التونسي،
ارتفعا وارتفعا أكثر فبلغا فلسطين،
كان عليهما أن يرتفعا كثيراً: فوق الحكام، فوق العجز، فوق الهزيمة، فوق روح الانفصال والتقسيم المؤدلج والمبرر بالخصوصيات الإقليمية، فوق الطوائف والمذاهب وحتى الدين نفسه،
كانا يحلقان أعلى فأعلى: أعلى من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والقرارات جميعاً، 242×338×425، وكل ما أنجبته الهزائم والهدنات ومعاهدات صلح منفرد أو جماعي أو بين بين وعلى طريقة الحبل بلا دنس أو الصلح بلا مفاوضات.
حلق يحلق تحليقاً فهو “خالد”، سرى دمه في التراب كالنسغ في سيقان شجيرات الورد، في الغصون المشاغبة للياسمين، في وريقات شتول البرتقال الأبدية الاخضرار،
صار بعضاً من أريج زهر الليمون الفلسطيني،
والخالد “ميلود”، والميلود يحلق فيخلد،
وخالد الآخر، خالد جمال عبد الناصر، مطرود ومبعد حتى يقرر أن يحلق فيعود وتعود معه مصر الفلسطينية إلى أمتها العربية التي سئمت من الموت تحت، وتحت التحت، وتنتظر من يرتفع معها وبها إلى الأفق الفلسطيني العالي… إلى نجمة الصباح وبشارة الغد العربي الأفضل.
وتحية للذين اهتدوا أخيراً، بأننا بمقدار ما نرتفع نصل إلى فلسطين، إلى الثورة، إلى الوحدة،
تحية للذين مشوا “عكس السير” فوصلوا بينما “النظاميون” يتدافعون نحو هوة بلا قرار.
والحلم على مدى الذراع، فإذا ما حلقت نلته وإلا ظل بعيداً عنك في السماء وبقيت أنت تحت مهدداً في كل لحظة بانخساف جديد.

Exit mobile version