طلال سلمان

على الطريق خارج “حوار” المتمرِّدين!

على امتداد ستة عشر يوماً من “الحرب على الشرقية” التي يخوضها “قائد التحرير” ضد “قائد المقاومة”، لم يقع أي من الرجلين في غلطة أو هفوة بسيطة تثبت أن ذاكرته تتسع للبنان كله.
إنهما يتحاوران بالمدافع، بالراجمات، بالدبابات وبسائر أنواع الأسلحة، لكنهما يحرصان أشد الحرص على أن يظل “حوارهما” السياسي داخلياً، فلا يخطر ببال أحد منهما أن يتوجه بخطابه السياسي إلى من “أوقعته” الجغرافيا خارج حدود “الدويلة”، وأوقعه القدر خارج حرم الطائفة العظمى.
الطريف إن كلا منهما يتصل بـ “الخارج” طالباً الإمداد ببعض الذخيرة والسلاح، لكنه يرفق الطلب بتوكيد رفضه الاعتراف بهذا “الخارج” كطرف أو كمرجعية، فضلاً عن الاعتراف به كشرعية!
بل إن كلا منهما يتوعد ضمناً “الشرعية” بأن يوم حسابها آت بمجرد أن يفرغ من معركته الراهنة مع خصمها الآخر!!
فالتمرد العسكري لميشال عون يعبر عن تمرد سياسي معلن وصريح على الشرعية، في حين أن التمرد السياسي لسمير جعجع يضمر تمرداً مسلحاً أشرس، وإن كان مؤجلاً ومفتوحاً للمساومة بشروط لاغية لهذه الشرعية وهذه الدولة وهذا الوفاق الوطني بالذات.
وبقدر ما يعكس التمردان خروجاً للموارنة على دولة الوحدة فإن حرب الأفناء الدائرة بين “جيشي” الطائفة العظمى تثبت أن لا حياة لهذه الطائفة خارج هذه الدولة بالذات.
بل لعل هذه الحرب تؤكد، في جملة ما تؤكده، إن تجديد صيغة 1943 عبر اتفاق الطائف هو أكبر مكسب “ماروني” وأعظم ضمانة تم توفيرها لهذه الطائفة بالذات تحت لافتة الوفاق الوطني.
ولعل هذا ما أراد إيضاحه ملك السعودية فهد بن عبد العزيز للرئيس الياس الهراوي حين اتصل به، قبل أيام، يدعوه إلى التعقل والحكمة والامتناع عن التهور والتورط في أي عمل عسكري!!
في أي حال فالبطريرك الماروني، الذي “كان” له رأي آخر في اتفاق الطائف، يحاول الاتصال عبثاً منذ ثلاثة أيام بالجنرال عون لكي يستحلفه (بإيمانه المسيحي) وقف المذبحة في الشرقية،
“الجنرال ليس على السمع”…
أما البطريرك فكان عليه “السمع والطاعة” حين أرسل إليه الجنرال “بعثة الإصلاح والتهذيب” قبل أربعة أشهر “لتقنعه” بوقف تعاطيه في الشأن العام وقيامه بدور “المظلة” لمن لا يرون رأي الجنرال في “حرب تحرير لبنان من… المسيحيين”!
في أي حال أيضاً فقد أظهرت هذه الحرب بجلاء، في جملة ما أظهرته، إن كل الطوائف سواء في العين الأجنبية، لا فرق بين طائفة عظمى وطائفة دنيا إلا بمدى خدمة هذه أو تلك لمصالح الأجنبي،
حتى البابا لم يجد وقتاً يعطيه لمسيحيي لبنان، برغم أن موقفه “السياسي” بين أسباب محنتهم الراهنة… وبدل سفيره “الناجح” جداً والذي أصابه “مرض لبنان” قرر إيفاد القائم بأعمال سفارته في المغرب ليتابع “إنجازات الجنرال” في خدمة المسيحية والمسيحيين!
أما واشنطن فقد أراحت ضميرها باعتبار لبنان “بلداً منكوباً”، ثائراً بآلام المسيحيين فيه، ورصدت “هبة” فورية قيمتها ربع مليون دولار عداً ونقداً كمساعدة عاجلة،
مع ذلك فأنت الضحية، أنت الشعب، أنت الوطن، خارج دائرة الحوار، دائماً، حتى وأنت “شهيد” حوار المدافع الدائر الآن بأقصى درجات القتل بين المتمردين – التوأمين!!
وعليك أن تسمع نصيحة الملك فهد بالتعقل والحكمة والتروي وعدم التهور أو التورط في إنقاذ نفسك وأهلك من نار الفتنة التي تكاد تذهب بالجميع.
… هذا إذا أبقت لك مدافع المتمردين سمعاً، ناهيك بالعقل والحكمة وسائر المزايا الملكية!

Exit mobile version