طلال سلمان

على الطريق حي على الحجر!

هي في انتظارك، فماذا يؤخرك عن تلبية النداء المقدس؟!
وأنت قابع في قعر همومك تنتظر أن تصل إليك فتنتشلك وترفعك إلى مستوى أحلامك التي تكاد تنساها وتنكرك!
تئز الحجارة من حولك، تمرق من فوق راسك مصدرة ذلك الحداء المهيب، فترفع إليها بصرك وقد تلوح بيدك تحية، لكن أثقال التفاصيل اليومية سرعان ما تأخذك مجدداً إلى البعيد يطاردك الصدى معولاً خلفك: ماذا فعلت بأخيك!
كنت تأخذ على “الثورة” إنها ولدت ونشأت وترعرت في “الخارج”،
وإنها قد قبست عن الخارج أسواً ما فيه فصارت “مجمع سواءات الأنظمة”.. والأنظمة بالطبيعة نقيض الثورة ولا تحب الكلمات الواحدة بالتغيير والتحرير، لأنها تفهمها موجهة إليها، لاسيما إذا شمل الشعار تحرير الأرض والإنسان.
وكنت تأخذ على “الثورة” إنها بوهم محاولة تحصين نفسها في وجه النظام العربي، سلكت سياسة “توريطه” فيتسع أمامها هامش حريتها،
لكن “تورط” الأنظمة حين تحقق ذهب بالجيد منها وفيها واستبقى الأردأ والأسرع في الهرب من ميدان المعركة،
وهكذا انتهت قيادة الثورة “المتورط” الأكبر في علاقات مريبة مع الأنظمة الأكثر تخلفاً والأكثر عداء لفكرة الثورة ومبدأ التحرير.
وبزعم تحصين الذات أيضاً اندفعت “القيادة” تزين الإقليمية والكيانية والقطرية حتى تماهت الحدود بين الوطنية وبين العنصرية، واعتبر الأقل عروبة أكثر فلسطينية، في حين أن فلسطين هي هوية العربي داخلها وخارجها.
ومن داخل هذه البيئة انبثق الشعار الخاطئ والمحرض على “القرار الوطني المستقل”، فجرّتها ممارسته إلى حيث باتت وكأنها خارج العرب والعروبة، في حين صنفها في صميم النظام العربي، وحين قزمت “الثورة” نفسها في “دولة” لها سيادتها وقرارها المستقل وسفاراتها والوزارات كانت تنزل “بشعبها” من مئتي مليون عربي إلى أربعة أو خمسة ملايين فلسطيني، وبجمهورها من ملياري إنسان إلى بضعة حكام – سماسرة،
لقد أخذت أمراض النظام العربي وتخلت عن الجمهور العربي ملتحقة بحكامه ومتماثلة معهم إلى حد الذوبان فيهم والتبعية شبه الكاملة للأسوأ من بينهم،
لكنها الانتفاضة في “عيدها” فلماذا حديث الأشجان!!
والانتفاضة هي الفرح والعيد والنجم المذنب في هذا الليل العربي البهيم،
موجب الحديث السؤال عمن يحمي الانتفاضة ويديمها ويوفر لها شروط النصر،
فحمايتها تبدو أشق وأصعب من إطلاقها واندفاعتها بالزخم العفي،
والانتفاضة هي مهددة، بل لعل التهديد قد تحول إلى “فعل” وإلى كابح يلجمها ويحور مسارها،
وأخطر ما يواجهها أن تكرر التجربة المحزنة لـ “الثورة” معكوسة،
تلك بقيت في “الخارج” عاجزة عن اقتحام “الداخل”، لنقص في عروبتها أي في قوميتها ووحدويتها،
وهذه ما زالت أسيرة “الداخل”، والداخل ضيق، والقيد أقسى فيه من أن يمكنها من “الفعل” واستيلاد المزيد من “الفعل” المزلزل بامتداد الأرض العربية،
تلك خنقها نهج “التوريط،
وهذه يكاد يحاصرها نهج تجنب “التوريط” إلى حد التبرؤ من شبهة التفكير بما هو أبعد من العصيان المدني،
تلك أنهكتها “المناورة” و”التكتكة” على الأخ الشقيق وعلى الصديق لاستدراج عروض من العدو وأصدقاء العدو،
وهذه تكاد تذهب ضحية تنكر الأخ الشقيق لها أو تسليمه بأنها “شأن داخلي” يجري في “دولة أخرى”، وما عليه إلا الدعاء والتبريك!
الكل يريدها حلية أو مسلسلاً تلفزيونياً أو مفخرة يباهي بها الغير، لكنه ينأى بنفسه عنها ولا يندمج فيها،
لا أحد يريدها انتفاضة للأمة في فلسطين، وإن كانوا بمجملهم يؤيدونها بوصفها حركة احتجاج أو اعتراض تصدر عن “رعايا فلسطينيين” ضد محتلهم الإسرائيلي، وربما ضد حاكمهم الظالم الإسرائيلي!
ثم إنهم يريدونها جميعاً حصاناً هزازاً من خشب، يتحرك في أرضه فلا يتقدم ولا يقفز لا يتعدى “الخط الأحمر” فيستدر غضب الولايات المتحدة الأميركية،
ومن يريد أن يقاتل تل أبيب من واشنطن ينتهي في جمعية خيرية لحماية الشجرة أو لمنع التدخين!
الانتفاضة في خطر!
وليس أمامها غير أن تقتحم العرب، متجاوزة حكامهم.
الانتفاضة في خطر جدي وداهم،
وسبيلها أن تخرج إلى العرب شاهرة سيفها، لا أن تزاحمهم على خيمة في حديقة البيت الأبيض،
فالشعب العربي، عاجز عن الوصول إلى فلسطين،
والانتفاضة هي الراية والطريق،
وخير حماية للانتفاضة أن ننتمي إليها، أن ننصهر فيها، لا أن نتفرج عليها، فاحمل حجرك واتبعه،
وليكن كل حجرُهُ في يمينه،
وإلا كنا كلنا “وحدك”، “وحدك”، “وحدك” بعدد ملايين الأمة في مغربها والمشرق!
… وأخذتنا الحرب الأهلية العربية إلى العدو بأكثر مما تجيء به قدراته إلينا. أفليس في أرضكم حجرٌ يهديكم سواء السبيل؟!
حيّ على الحجر!

Exit mobile version