طلال سلمان

على الطريق حواش على أطراف كوفية صاحب الجلالة!

عفواً، صاحب الجلالة، ولكنني خشيت أن ينقل قولي إليك محرفاً أو مشوهاً أو مجتزأ، على عادة الكتبة والرواة والوشواشين، فيساء التأويل والتفسير واخسر حلمك وصفحك بعدما افقتدني المقادير رضاك وحسن الرعاية، فبادرت لإيضاح ما قد يلتبس وسجلت هذه الاستدراكات…
… واغفر لي إنني تجنبت الورق الصقيل، وإنني كتبت حواشي على أطراف كوفية، كالتي تعتمرها، احفظها لأورثها لأبنائي حتى لا تقتلعهم رياح الغربة والتغريب بعيداً عن أرضهم وتاريخها والهوية إلى حيث ينكرون على أسمر البشرة حقه في الحياة، مجرد الحياة، يا مولاي… وأنتم تعرفون عن هذا الأمر ما لا أعرف وإن منعكم كبر النفس من المجاهرة به طالما لا تستطيعون المجاهدة لتغييره!
*الاستدراك الأول، يا صاحب الجلالة:
إنني لا أتوجه إليك طالباً سيفك لكي أعمله فيهم،
فهم، يا مولاي، أهلي وجيرتي وعشيرتي، مثلك، إن أنت تكرمت فاحتسبتني في عداد ذوي القربى،
… وأنا، طال عمرك، لا أحفظ عن ذوي القربى إلا ظلمهم “الأشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند”…
ولكنني أحفظ، أيضاً، حفظك الله:
“وإن الذي بيني وبين بني أمي
“وبين بني عمي لمختلف جدا
“فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
“وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً”.
إنني، يا صاحب الجلالة، لا أطلب الانتقام ولا أريده، وأرفض الشفقة بقدر ما أرفض الصدقة والحسنة، فلست من أبناء السبيل|،
أقصى طموحي أن نجيء إلى كلمة سواء، فلا يكون بيننا سيف، معارأو مستأجر، أو ضارب سيف مرتزق، أو صاحب فتنة يستخدمنا أو يسخرنا و”يدفع” لنا من دمنا أجرنا!
وما كنت، يا مولاي، لأشكو حقيقة إنهم يضربونني بسيفك، لو إن هذا ينفعهم أو ينفعك، إذن كان يكفيني شرفاً أن أقضي بسيفك وشهيد خيرك وخير الجماعة،
ولكنهم، يا صاحب الجلالة، يضعون سيفك وزندهم في يد العدو، وهذا يؤذيني الآن، وسيؤذيهم غداً، وسيؤذيكم بعد غد.
لهذا أتوجه إليك مناشداً باسم الحرص عليهم قبلي أن تتدخل لتوقف حرب الانتحار الجماعي هذه، فوالله ما طلبتها ولا سعيت إليها ولا أنا أريدها، بل هي الغول الذي يلتهم يومي وغد أبنائي ومجد تاريخي المعظيم!
فوالله إنها لا تنفعهم في حاضرهم، والقبور شواهد والمهجرون شهود، ولا هي تستبقي ضمانات لتأمينهم ضد الخوف في المقبل من أيامهم، فأنا وأنت معي الضمانة، أو إنك أنت وأنا معك الضمانة، أما “الكريهة” التي تلتهمنا كل ساعة فلا تشبع ولا ترتوي فلسوف تأخذنا جميعاً إلى التهلكة، وستجير الضمانات للذين أعطوها: الأجانب والدخلاء بشخص وكيلهم “المحلي”، أي العدو الإسرائيلي.
*الاستدراك الثاني، يا صاحب الجلالة:
ليست المشكلة بين عموم المسلمين وبين عموم المسيحيين في موضوع رئاسة الجمهورية،
وليست المشكلة بين عموم اللبنانيين وبين الموارنة منهم باعتبارهم أصحاب الحظوة والموقع الممتاز!
المشكلة في جوهرها، يا مولاي، غيرها في ظاهرها، ولو كانت مجرد صراع على السلطة لكان بإمكانكم أن تحلوها بإشارة من يدكم، ولكم حلت أياديكم من مشكلات بين متصارعين على منصب أو مكسب فمنعتم حروباً وأوقفتم فتناً دبرت بليل.
المشكلة، طال عمرك، بين اللبنانيين بوصفهم بعض العرب، وبين الإسرائيليين بوصفهم أعداء العرب جميعاً، بالمسيحيين فيهم والمسلمين!
فلم يرفض المسلمون، حتى هذه الساعة، ومعهم المسيحيون غير الموارنة في لبنان أن تكون الرئاسة لماروني.
لم يضعوا “فيتو” على أي ماروني، ولم يعترضوا على أي مرشح، بمن في ذلك أولئك الذين لا جدارة ولا أهلية لديهم لأن يكونوا حجاباً على باب مقامكم السامي،
كانوا يتابعون أخبار الترشيحات، ويقرأون ما نشر من بيانات للمرشحين، وهي قليلة جداً في أي حال، عبر وسائل الاعلام، فيقولون ببساطة: عسى يكون الخير، الكثرة دليل العافية وتعبير عن الديموقراطية، وعن نوع من المساواة ولو داخل الطائفة.
وأصدقكم القول، يا صاحب الجلالة، إن بعض المسلمين وكذا بعض المسيحيين من غير الموارنة، الطائفة الممتازة، قد استشعروا غصة لأن حقهم في الرئاسة ساقط لا لنقص في الأهلية بل لمجرد الانتماء إلى طائفة أخرى من طوائف الدرجة الثانية أو الثالثة أو العاشرة،
لكن الحرص على وحدة البلاد، وصدق الأخوة، وضرورة تطمين “الخائف” لإزالة رواسب عصور القهر الاستعماري ، كل ذلك كان يغلب على الاحساس بالغبن والحرمان وعلى الافتئات وافتقاد العدالة والمساواة، فيقول الجميع، لتكن له الإمارة والصدارة، المهم أن يبقى لبنان وطناً عربياً ديموقراطياً حراً وسيداً، لا يكون للاستعمار مقراً أو لاستعمار أشقائه العرب ممراً،
فمن، إذن، عطل يا مولاي الانتحاب ومنع اكتمال النصاب وبزوغ فجر العهد الجديد المرتجى كمدخل لإنهاء الحرب الأهلية التي نحترق في أتونها منذ سنين؟!
إنه عدونا – عدوكم ، يا مولاي، الإسرائيلي ولا أحد غيره،
فالإسرائيلي أساساً هو المستفيد من أي حرب أهلية في أي قطر عربي،
والإسرائيلي هو المغذي لأسباب الفرقة والشقاق والمشجع على تقسيم كل عربي إلى اثنين فأربعة فثمانية وهلمجرا حتى تفرغ له الساحة ويناديه الفراغ فيأخذنا فرادى ويستعبدنا أجمعينه!
وهكذا فإن الشرط الأول للانتصار على العدو، يا مولاي، أن نوقف الحرب،
والمدخل إلى وقف الحرب التي تنذر بتفجر جديد، أشمل وأخطر، أن تتوفر الظروف الملائمة لاكتمال نصاب المجلس النيابي في جلسة يتم فيها انتخاب رئيس جديد، هو ماروني بالضرورة،
*الاستدراك الثالث، يا صاحب الجلالة:
إن ما يحصل هو، في حقيقته، بعض النتائج السياسية للغزو الإسرائيلي للبنان في صيف 1982،
ولقد جربتم، يا مولاي، حينها أن تمدوا يد العون، لكن يدكم كانت قصيرة، ولعل العين أيضاً لم تكن بصيرة.
واسمحوا لنا أن نناقشكم، ولو متأخرين، في “الحل” الذي ارتضيتموه بعدما زينه لكم سماسرة التسويات على حساب الأوطان وحقوق الشعوب في أرضها،
لقد “عينتم” لنا آنذاك رئيساً، جاءكم في الطائف مباشرة من إسرائيل،
كنتم تفترضون، كما نحب أن نفترضن إنكم أردتم “شراءه” بالرئاسة فيقطع صلته بمصدر قوته الفعلي، حتى تلك اللحظة، العدو الإسرائيلي،
وكنتم تريدون أن تبرهنوا على تسامحكم الديني،
وكنتم تحاولون حماية عروبة لبنان،
لكن الذي حدث كان مناقضاً، على طول الخط، لكل ما قدرتموه،
فلقد اعتبر صاحبكم إن الرئاسة جاءته بدافع خوفكم من علاقته بإسرائيل التي صار بإمكانها أن تصور نفسها صاحبة القرار أو الشريكة الأساسية فيه في كل ما يخص الشأن الداخلي للبنان، أو لأي قطر عربي.
واعتبر الآخرون من الطامحين إن طريق الرئاسة تمر بتل أبيب، أو إن الرئاسة جائرة أو مكافأة تعطى “للعائد” من لدن العدو، وليس للذي لم يذهب بعد أو منعته وطنيته وعصمته عروبته من ارتكاب مثل هذه الخطيئة المميتة.
بل إن ثمة من صدق الأكذوبة التي روجها الكتائبيون، وفي كل قطر كتائبه، طال عمرك، من إن إسرائيل هي ضمانة الأقليات الدينية والعرقية في دنيا العرب… أي إنها ضمانتهم في وجه أهلهم وبني جلدتهم وأهل رحمهم،
أي إنكم صرتم، يا مولاي، طائفيين متعصبين تهددون أخوتكم المسيحيين في رزقهم وأرواحهم ووجودهم فلا يحميهم منكم (وليس مني فقط) إلا دولة الأقلية الكبرى والعنصرية العظمى: إسرائيل!
أما عروبة لبنان، يا مولاي، فلقد كادت تسبى لولا إن أجارها فحماها الشقيق السوري، باسمكم جميعاً، ونيابة عنكم جميعاً، لأنه يعرف إنها صمدت وقاتلت طويلاً وبكل ما ملكت الايمان من أجل أمتها وباسم أمتها ولمجد أمتها، وليس طلباً لرئاسة أو امتياز او موقع ممتاز،
*الاستدراك الرابع، يا صاحب الجلالة:
إننا لن نسلم ولن نستسلم،
سنصمد، لعل الله يهدي من ضل من أخوتنا طريقه، فيعود الابن الضال تائباً طالباً المغفرة من شعبه، من أرضه، من وطنه، والله غفور رحيم،
وسنقاتل ، إن فرض علينا القتال،
سنقاتل من أجل المسيحي في لبنان، وفي الوطن العربي، فنحن نحميهم بمقدار ما نؤكد عروبتهم، أما الذين يغوونهم ويدلسون عليهم ويوهمونهم أن حمايتهم تكون إسرائيلية أو لا تكون فإنما يريدون لهم ولنا الهلاك والذل الأبدي تحت الجزمة الإسرائيلية،
لسوف ننصر، يا مولاي، أخانا الماروني، ولو كان ظالماً، وذلك برده عن ظلمه،
وسنقاتل، طال عمرك، من أجل أن يطول عمرك،
فعمرك يتوقف علينا: إن نحن صمدنا وكتب لنا الفوز عمّرت وحكمت وأمنت ونمت أهنأ النوم فوق عرشك الوثير،
وإن نحن هزمنا، لا قدر الله، كان الدور عليك، ولات ساعة مندم،
نحن في الحياة، وفي العدو، واحد، يا صاحب الجلالة،
فانتفع بموتنا، رعاك الله وأبقاك، طالما إنك لم تنتفع بحياتنا، كتبت لك الحياة بقدر ما تستاهل الحياة، وبقدر ما “تلبق” لك الحياة، بلغة الأجاويد الأفاضل.
… وبسيوفنا سنقاتل، بزنودنا، بالأيدي ، بالحجارة من جبل عامل، فإن أعوزتنا الحجارة فمن فلسطين المباركة أيديها والحجارة التي تصنع التاريخ!
وإسرائيل وحدها ، ومن معها، هدف القتال، يا مولاي، سواء أكانوا من المسيحيين، أم مثلي ومثلك من أتباع الدين الحنيف!
والختام سلام.

Exit mobile version