طلال سلمان

على الطريق حوارات في واشنطن (5) عن العلاقة مع السوريين: البيت الأبيض لا يتسع لمتطرفين

في واشنطن يفاجئونك عبر أحاديثهم ومناقشاتهم بأن ثمة قضية أخرى غير التي تعرفها ويعرفها العالمز
إنهم يجمعون أحقادهم، كراهيتهم لمن لا يقول قولهم، عداءهم لكل ما لا يعادي السوفيات، موقفهم شبه العنصري من العرب عموماً، ذكريات المواجهة المرة مع حركة الثورة العربية أيام مدها، فإذا أضيفت إلى ذلك كله علاقتهم المميزة بإسرائيل، وكأنها بعض بلادهم، وعنوان مصالحها وهيبتها في العالم، اكتسب الحديث رنة الحملة الصليبية واتسعت دائرته لتشمل الجماهيرية العربية الليبية وإيران الخميني.
وهكذا فإن عواطفهم تجاه هذه “السورياط لا تعكس بالضرورة موقفهم السياسي من النظام السياسي الحاكم في دمشق.
إنهم يتحدثون عن نظام الأسد بقدرمن الإعجاب ، يشيدون بحنكته ومهارته، ومستوى إدارته يقولون إنه مناور بارع، يأخذ من السوفيات الحد الأقصى ويعطيهم الحد الأدنى، ولا يغلق الباب مع واشنطن آملاً على الدوام أن يحصل منها على ما لا يمكن لغيرها أن يعطيه، مدركاً في الوقت ذاته إنها لن تعطيه إذا لم يكن السوفيات معه، ولن تعطيه أيضاً إذا كان هو مع السوفيات.
وهم يقولون إن نظام الأسد ضروري لضمان الاستقرار في المنطقة ويعترفون له بدور وبكفاءته في القيام بهذا الدور، ومهارته في محاولة تحقيق بعض المكاسب على هامش التسليم بضرورته وكفاءته
أي إنهم لا ينظرون إلى الأسد ونظامه نظرة الحقد والكراهية التي يخصون بها سوريا. ويتميزون غيظاً وهم يرون الدور السوري في المنطقة يتزايد حجماً وأهمية ويحارون كيف يمكن توجيه ضربة إلى البلاد ودورها من دون أن يتسببوا في خسارة الرجل ونظامه.
وعلى حد قول مستشار سابق في مجلس الأمن القومي فإن واشنطن لم تكن بحاجة إلى حادث تفجير مقر قيادة “المارينز” لكي تتخذ القرار بتوجيه ضربة ما إلى سوريا، تحجم دورها بما يكفي لحماية اتفاق 17 أيار والموقعين عليه.
وحتى تقدير جورج شولتس كما تنقل عنه مصادره، فإن سوريا قد ارتكبت المحظور الذي لا يجوز لمن يرتكبه أن يبقى بلا عقاب، إذ أنها وهي القوة الإقليمية الصغرى، قد حاولت أن تحجم أو تعطل مشروعاً ترعاه وتنفذه مباشرة القوة العالمية الأعظم، وإن الأمر يتعدى شخصه هو ودوره في الاتفاق اللبناني – الإسرائيلي إلى مجمل السياسة الأميركية في المنطقة.
وتضيف هذه المصادر إن شولتس غداً أكثر قرباً من موقف هنري كيسنجر واستطراداً الكسندر هيغ، أي من المنطق الإسرائيلي الذي يقول: إن العرب يخافون ولا يستحون، وإن أفضل أسلوب للتعاطي معهم هو الضرب، وكلما ضربتهم أخذت منهم أكثر. وإنه يكفي أن تهدد أي حاكم في نظامه حتى يتنازل لك عن نصف تراثه الوطني… فلماذا إذاً التعب في التفاوض، ولماذا إضاعة الوقت في جلسات المناقشة الطويلة وغير المجدية؟
أما ماكفرلين وحسبما ينقل عنه المتصلون به، فله رأي آخر قد لا يختلف في الجوهر لكنه يختلف قطعاً في الشكل وخلاصة رأي ماكفرلين إنه لا بد من كسب ثقة الحاكم العربي ولا بد من التعامل معه بصدق حتى لو كان الصدق موجعاً… ” لا تجعله يمسك بكذبك، وأشعره باحترامك حتى وأنت تريه العصا التي ستضربه بها”.
وينقل هؤلاء عن ماكفرلين خلاصة حوار معبر دار بينه وبين كبار المسؤولين السوريين عشية الوصول إلى اتفاق وقف النار في لبنان، قبل حوالي شهرين.
كان ماكفرلين يتحدث عن القلق الذي تعيشه واشنطن وعن اضطرارها إلى إرسال أقوى قطعها البحرية المدمرة “نيوجرسي” إلى المياه الإقليمية اللبنانية، لتؤكد عدم استعدادها للتراجع مهما كلف الأمرز
واختتم سامعوه من السوريين وقال كبيرهم: “وهل تظنون إن “نيوجرسي” ستزيدنا خوفاً؟! ألا تدركون أن تورطكم فيأي صدام معنا هو مكسب كبير لنا، كائنة ما كانت نتائجه ميدانياً؟!”.
وصمت المسؤول السوري قليلاً ثم أضاف وسط دهشة ماكفرلين: “أما نحن فنعرف إن سقوط 20 قتيلاً أميركياً قد يتسبب في خسارة الرئيس ريغان مدة رئاسته الثانية، في حين إن سقوط ألف قتيل سوري في معركة معكم يجعلنا أبطال الأمة العربية كلها!”.
ويخلص ماكفرلين إلى القول في استنتاج نهائي ما مفاده: “علينا ألا نهدد بالضرب إلا إذا كنا سنضرب فعلاً فإذا ما ضربنا فعلينا أن نضرب مرة واحدة وبأقصى القوة وبعد اختيار دقيق جداً للهدف وللزمان، كما إن علينا ألا نضرب بواسطة إسرائيل وحدها، وعلينا أخيراً أن نوفر الغطاء العربي للضربة حتى لا ترتد علينا، ولندرك إنه إذا خرج النظام السوري سالماً بعدها فلسوف نكون قد منحناه عرش المنطقة العربية كلها.
باختصار وحسب راي مختلف المراقبين والمحللين والخبراء في العقلية الريغانية، فلا أحد في واشنطن ضد مبدأ توجيه ضربة إلى سوريا، لكن السؤال الذي كان يحير الجميع هو : أين ومتى وكيف؟
على إن الحماس الشامل للضربة لم يكن يغيب عن بالهم جميعاً، بمن فيهم الأقصى تطرفاً بأن الضربة التي لا بد أن تأتي موجعة لا يجوز أن تصيب بالقصد أو بالخطأ سوفياتياً واحداً من أولئك الخبراء العاملين ضمن الجيش السوري ومعه، ولا يجوز أن تبدو بالتالي وكأنها فاتحة لصدام شامل مع الاتحاد السوفياتي.
ضمن هذا المنطق تركزت احتمالات الضربة لسوريا في لبنان مع ترجيح لمنطقتين بالذات.
-الأولى هي منطقة البقاع، وبعلبك وجوارها تحديداً، حيث يتواجد “كارلوس الجديد” أو “الشيخ المخيف” حسين الموسوي، محاطاً بالحشد الغيراني اللجب؟؟ وكل ذلك تحت المظلة السورية، من دون أن يكون للسوفيات تواجد معلن أو تواجد يمكن تبريره دولياً فالمعاهدة السوفياتية السورية لا تشمل ولا تنطبق على القوات السورية خارج حدود بلادها.
-المنطقة الثانية هي منطقة انتشار القوات السورية في أعالي الجبال ما بين ضهر البيدر وضهور الشوير وصولاً إلى اليمونه وبشري مع تركيز خاص على مواقعهم المطلة على بيروت الكبرى، وهي المنطقة التي روج الأعلام الإسرائيلي والأميركي عن نصب قواعد الصواريخ السوفياتية الجديدة فيها، وضرب القوات السورية في هذه المنطقة يكون بمثابة تحديد الخط الأحمر الجديد للتواجد السوري في لبنان.
كل هذا دون استبعاد احتمال توجيه ضربة للضاحية الجنوبية في بيروت حيث تحتشد التنظيمات الشيعية ذات الاتجاه الخميني، في تقدير الأميركيين، والتي من بينها انبثق وانطلق أولئك الفتية الذين فجروا بأجسادهم والشاحنات التي قادوها إلى مقري قيادة “المارينز” والقوات الفرنسية العاملة في لبنان.
وضمن حملة الشحن الإعلامي اللازم لتهيئة الرأي العام للضربة المقبلة استمع المواطنون الأميركيون إلى عشرات الأساطير عن السيد محمد حسين فضل الله، وعن حسين الموسوي و”أمل الإسلامية” ، وعن “أمل” الأصلية بقيادة نبيه بري وعن نفوذ الخميني الساحق في لبنان وسوريا وعن “التحالف الشيطاني” يبن الخميني والأسد ومعمر القذافي وحسين الموسوي ويوري اندروبوف.
وكان ملفتاً أن لا تقال كلمة سوء واحدة عن الشيخ سعيد شعبان الذي كان يحتل في الفترة نفسها شاشات التلفزيون الأميركية باعتباره أحد أبطال معركة طرابلس لحماية ياسر عرفات.
ومن أسف إن أجهزة الحكم وكذا أجهزة الأعلام الأميركية قد استندت في روايتها الأسطورية إلى كثير من الوقائع والمعلومات الرسمية الصادرة عن جهات قريبة من الحكم في لبنان أو محسوبة عليه.
بالمقابل هناك آراء أميركية أقل تشنجاً ينادي بها ويعبر عنها ويعمل لها أولئك الذين مروا بمواقع السلطة والنفوذ في الولايات المتحدة ثم خرجوا منها بعدما أمضوا سنوات الحكم جميعاً يعملون في الاتجاه المعاكس لما يقولونه اليوم.
وهكذا ترتفع بالاعتدال أصوات رجال مثل الرئيسين السابقين جيمي كارتر وجيرالد فورد ومستشار الأمن القومي السابق بريجنسكي وغيرهم كثير ممن احتشدوا في ندوة اطلنطا بداية الشهر الماضي ليطالبوا بسياسة أميركية أكثر عقلاً في منطقة الشرق الأوسط، لكن بعد فوات أوانهم أولا وثانياً ضمن خطة لاستيعاب العتب العربي (السعودي والخليجي والمصري)، كما يقول العارفون… خصوصاص وإن هذا العتب أخذ يتصاعد مؤخراً منذراً بتحولات واحتمالات خطرة مصدرها أساساً إن خطط واشنطن في المنطقة لم تحل شيئاً ولم تجلب لأصدقائها إلا الخيبة والمتاعب
ومما يجدر ذكره هنا إن الرئيس السابق كارتر دار على أصدقائه من العرب شاكياً من أن أحداً لا يساعده في تحمل النفقات الضرورية لتنظيم مثل هذه الحملة “العربية” وإنه بحاجة إلى أربعة ملايين دولار لإكمال مجهوداته ولا يجوز أن يضن بها عليه القادرون… وبعد أيام قليلة دعي الرئيس السابق للعشاء إلى مادئة الأمير بندر بن سلطان سفير السعودية في واشنطن مع نخبة من أصدقائه ومساعديه وخرج من هناك راضياً مرضياً.
لماذا تزج الولايات المتحدة بنفسها في المعركة المفتوحة في لبنان من قبل الجميع وضد الجميع وبأسلحة الجميع؟
الكل في واشنطن كان يتحدث عن “الضربة” ويمهد لها.
البعض كان يعتبرها ضرورية لفتح باب الخروج أمام “المارينز” بعد ضمان حفظ ماء الوجه.
والبعض الآخر كان يريدها ليمكن بعدها وليس إلا بعدها بدء الحوار مع دمشق بما يضمن الوصول إلى النتائج التي تريدها واشنطن.
وبعض أخير كان يريدها ويلح عليها لتطمين إسرائيل بتدمير الأسلحة السوفياتية الجديدة التي زودت بها سوريا والتي ذكرإن بين مواصفاتها ما يرعب الإسرائيليين إذ يسقط موضوعة تفوقهم العسكري الساحق لكونه يعطل السلاح الأهم (الطيران) ويهدد بأكثر ما يخيف الإسرائيليين وهو أن تصلهم جميعاً نار الحرب، فتلتهمهم وهم في مدنهم ومستوطناتهم ومواقع الإنتاج داخل الكيان الصهيوني.
ولقد أصاب تفجير مقر قيادة “المارينز” الأيمركيين بالذهول، غذ فتح عيونهم على حقيقة إن حصانة الدولة العظمى لا يفيد في حماية جندي أميركي في بيروت ووضعهم أمام خيارات أحلاها مر.
-فإن هم قرروا الرد فقدوا بداية الصفة التي تبرر وجودهم في بيروت… أفليس جنودهم جزءاً من “قوة حفظ السلام”؟ وهل يظلون كذلك إذا ما قاتلوا بعيداص عن مواقعهم وضد أطراف أصليين في المنطقة ومعنيين بمسائلها كافة؟
-ثم على من يردون والذي ضربهم أقرب إلى صورة الشبح فدائي اقتحم المقر بسيارة متفجرة وتفجر معها، فعلى من يكون الرد وبأية حجة؟! وحتى لو قيل مثلاً إن هذه الجهة أو تلك يسرت للفدائي الحصول على المتفجرات، وهو أمر صعب الإثبات، هل يقبل العالم أن يكون الرد على الجهة المعنية غارات مدمرة يقوم بها الأسطول الجوي الأميركي، ثم هل هذا يرد للقوات الأميركية معنوياتها المفتقدة؟
-وإذا ما تركوا الإسرائيليين يردون فهل يفيد ذلك في إعادة الاعتبار للهيمنة الأميركية؟! وهل تستطيع الأنظمة العربية الصديقة لواشنطن أن تتحمل مثل هذا التكليف الجديد الكاشف للتواطؤ القديم والمستمر في غياب الذرائع التقليدية مثل مقاومة الخطر الشيوعي أو تأمين الأنظمة الصديقة ضد مخاطر التطرف؟!
إذن لا بد من رد ومن رد موجع ولكن الاختيار الدقيق للمكان والزمان والهدف هو الأساس في الحسم وإصدار الأمر بالتنفيذ.
لا بد من الرد لأسباب أميركية مباشرة ولا بد منه لأسباب إسرائيلية ولا بد منه أيضاً لأسباب تتصل بضرورة حماية اتفاق 17 أيار ومن معه.
ولذا فالخطأ مرفوض لأنه مكلف بل مدمر.
وبين الرغبة في الانتقام والخوف من الخطأ وكذلك الخوف من مزيد من التورط في الرمال المتحركة اللبنانية كانت الإدارة الأميركية تدور ضمن حلقة جهنمية من الحسابات الحاقدة المحكومة بعقدة استصغار شأن العرب ورفضهم كمحاور مقبول بعد أن أفقدوا أنفسهم بعد حرب 1973 كل الشروط التي تجعلهم في العين الأميركية أصحاب حق في موقع الحوار الجدي وبالتالي في المشاركة في القرارات الكبرى المتصلة بوضع المنطقة.
وحين أعلن كاسبار واينبرغر وزير الدفاع الأميركي قبل خمسة عشر يوماً إن سوريا هي المسؤولة عن حادث تفجير مقر قيادة “المارينز” فهم كثيرون إن القرار بالضربة قد اتخذ فعلاً وإن التنفيذ لا ينتظر إلا بعض اللمسات الأخيرة التي لا بد أن يشارك في وضعها الإسرائيليون… فإن يصل الأمر إلى تبني واينبرغر وهو المعروف أو المعرف عنه إنه “صديق العرب” كونه هو الآخر مثل شولتس من خريجي شركة “باكتل” التي تنفذ الكثير من المشروعات الهائلة الأرباح في البلاد العربية، فمعنى ذلك إن آخر معارض قد بلع لسانه.
وهكذا جاءت زيارة شامير وارينز في موعدها بالضبط وتحولت الخطط العسكرية إلى قرارات وأوامر بالتنفيذ.
وغارة الأمس لن تكون الأخيرة وليست الضربة بالتأكيد… وقد أعلن واينبرغر ذلك صراحة حيث هو في باريس، مؤكداً سيادة مناخ غرينادا، الذي يحبه ريغان ويرغب في مده فوق العالم كله لو استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ويقول واحد ممن عملوا لفترة في البيت الأبيض: إن الرئيس ريغان يفترض إن الزعيم السوفياتي اندروبوف ليس في وضع صحي يمكنه من اتخاذ قرار فوري بالرد على أي إجراء أميركي، وإن القيادة السوفياتية في ظل غيابه لن تكون قادرة على التصرف بالسرعة كما بالكفاءة المطلوبة.
لهذا فإن اللحظة الراهنة قد تكون هي المناسبة خصوصاً وإنهم في واشنطن يعتبرون أيضاً إن الحالة الصحية العامة للرئيس السوري حافظ الأسد تفرض عليه راحة طويلة نسبياً، وإن القيادة السورية في ظل غيابه المؤقت لن تكون في أحسن حالات الأهلية للمواجهة.
ثم إن الولايثات المتحدة قد رجحت علاقاتها مع شركائها الإسرائيليين بمشروع التحالف الاستراتيجي الذي عاد به شامير وارينز مكرسين به الافتتاح الكبير لمعركة ريغان الانتخابية.
وهي علاقات تغني الولايات المتحدة موضوعياً عن حلفائها القريبين بمن فيهم شركاؤها في القوة المسماة “قوة حفظ السلام في لبنان”.
فمعروف إن فرنسا وإيطاليا وحتى بريطانيا لا تشارك الولايات المتحدة الرأي في أنه لا بد من ضربة عسكرية فاصلة…
وعلى حد تعبير أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية فإن باريس رفضت صيغة القيادة الموحدة لهذه القوات منذ البداية حتى لا تورطها واشنطن في ما لا تريد ولا تقدر عليه.
لكن القرار يبقى باعتراف الفرنسيين قراراً أميركياً سواء في بقاء القوات أم برحيلها، وحل ما تملكه الأطراف الأخرى في القوة هو الاحتجاج “المبلغ سراً إلى واشنطن والاستنكاف عن المشاركة في أي عملية عسكرية كبيرة”.
على إن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن الذهن هي إن أي ضربة أميركية كبيرة لسوريا لا بد لها من غطاء شرعي لبناني.
وفي دمشضق يعتقدون إن الحكم في لبنان ليس في وضع يمكنه من التورط في مغامرة كهذه، وهم يعتقدون أيضاً إن العرب عموماً وبعيداً عن مواقفهم تجاه النظام السوري لم يمنحوا واشنطن مثل هذا الغطاء.
وفي المقابل يؤكدون إن أندروبوف ، بألف خير فعقله يعمل بالدقة التي عرف بها على امتداد ثلاثين سنة، ولا يهم أن يكون الضعف قد أصاب ساقيه فعجزتا عن حمله ولو إلى حين وهذا ما يفسر “اختفاءه”.
كذلك فهم يؤكدون إن الرئيس الأسد متعب ومجهد نتيجة الأزمة الصحية التي مر بها، وهي جلطة في الساق، لكن ذلك لا يعطل قدرته على اتخاذ القرار ولا يعطل قدرة القوات المسلحة على التصرف، فأمر العمليات الخاص بمثل المغامرة الأميركية المتوقعة متخذ وموجود فعلاً لدى المعنيين من قادة الوحدات.
إذن فالمسرح معد تماماً وبالعناصر المشاركة جميعاً ولم يتبق إلا صدور الإشارة بالبدء.
ومؤكد إن من يخاف أولاً هو من سيخسر الدولة.
ومؤكد أيضاً إن الولايات المتحدة هي الطرف الخاسر حتى الآن وستتزايد خسارتها بمقدار تزايد تورطها ومشاركتها الفعلية في القتال مباشرة.
وبعض العارفين يقول إن كل ما يجري هنا هو تغطية لما يجري وسيجري في أوروبا على صعيد حرب الصواريخ.
لكن الاحتمالات تبقى مفتوحة على كل أنواع الخطر.
وفي واشنطن من يعتقد برغم كل المظاهر إن ساعة الحوار الأميركي – السوفياتي قد تكون غير بعيدة بقدر ما يظن كذلك ساعة الحوار مع دمشق.
وثمة من يقول أيضاً: إن فرض الحيرة والارتباك على الخصم من المقدمات الضرورية لمعركة رابحة وهذا ما يدبر لدمشق الآن.
على إن المصريين بلسان أسامة الباز رأياً آخر، فهم يعتقدون إن واشنطن لن تمضي في المغامرة إلى النهاية لأسباب أخرى غير سورية وغير سعودية وغير سوفياتية.
ويبدو المصريون تعاطفاً واضحاً مع السوريين إلى حد عرضهم لنقد أميركي مباشر ولهجوم إسرائيلي قاتل، خصوصاً وإنهم بلغوا من يغنيه الأمر إنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي في حال فتح النار على سوريا.
ويبقى إن عقلية ريغان لا تعترف بحسابات معقدة ولا تخضع لقانونها دائماً.
وعلى عقلية ريغان تتوقف المصائر خصوصاً وإن المناخ الإسرائيلي هو المسيطر على البيت الأبيض وواشنطن عموماً.
وثمة من يقول في واشنطن إن ريغان أسقط بيغن لأن البيت الأبيض لا يتسع لمتطرفين محاربين.

Exit mobile version