طلال سلمان

على الطريق حماية الأرض العربية.. من العرب!!

لم يحدث في التاريخ أن ارتكب الفعل الفاضح بمثل هذه العلانية.. والانبساط المجلجل!
لم يحدث أن تباهى الزاني بزناه، والمفرّط بالأرض والعرض بتفريطه، وفاخر المنحرف بانحرافه باعتباره سياسة حكيمة تجنب البلاد المخاطر!!
لم يحدث أن بيعت الأوطان، جهاراً نهاراً، وبالمناقصة العلنية!
لم يحدث أن هتكت حرمة الأرض والسماء، ثم خرج “مسهل” الهتك وقد رفع أصبعيه بإشارة النصر!
كان طلب الحماية الأجنبية هو الحد الأقصى من الخيانة العظمى.. بل كان الاستسلام أمام القوة القاهرة، أو التقصير في قتال الغازي الأجنبي القاهر خطيئة لا تغتفر للساكت عنها أو المسلم بنتائجها ولو بسبب العجز!
صارت “الحماية” عنواناً شبه ثابت يحتل صدر النشرات الإخبارية في الإذاعة والتلفزيون والصحف العربية.. وهو يطلق وكأنه زغرودة فرح بالنجاة من خطر داهم أو بشارة بفرج من عند الله ونصر قريب!
بل لقد صارت الحماية الأجنبية “مطلباً شعبياً”، إذا صدقنا ما يقوله بعض النافذين في الكويت، مثلاً، مباشرة أو عبر أبواقهم التي استحدثت “بعد التحرير”.
وصار الشجب والاستنكار والاستهجان يتجه إلى المطالب برفضها ومقاومتها وليس إلى طالبها والمسترهن بلاده – بأرضها وثرواتها وناسها وحقوقهم فيها – من أجل عرشه المتصدع!
في أي حال، فمن خلال تجربة العراق المرة، تبدو الحماية الأجنبية وكأنها “بوليصة تأمين” ضد التغيير، وهي تشمل “العروش” المتقاتلة والمتساندة جميعاً في بغداد كما في الكويت ورياض “الشقيقة الكبرى”!
إن العراق يمزق، وتمزق معه سلامة الأمة قبل كرامتها، وينسف مستقبلها قبل حاضرها، ويفرض الذل والمهانة والدونية على كل عراقي، كما على كل سعودي، بل كما على كل جزائري ومصري ولبناني الخ..
وبدل أن يهب العرب جميعاً لرفض هذا التشليع للبلد الذي رأوا فيه، ذات يوم “بروسيا العرب”، وكانوا يعتبرونه حامياً لبوابة الوطن الشرقية، واحتياطاً استراتيجياً عظيم القوة لمعركتهم الحتمية ضد عدوهم الإسرائيلي، بدلاً من ذلك تفتح السعودية مطاراتها وسماءها وبحرها لطائرات الغزو الأجنبي التي تحلق فوق العراق لتفرض تقسيم عربه عن كرده، وشيعته عن سنته وهلمجراً!
أما الكويت فتفتح حتى تكاد تنفسخ،
ثم تستغل “المناسبة السعيدة” لخطف بضعة كيلومترات من الرمال المختزنة الذهب الأسود بذريعة ترسيم الحدود!! كأنما لكويت هذه الأيام حدود، أو كأنما للعراق حدود، أو كأنما للسعودية حدود… وليس ثمة إلا حد الله، والمدى الذي يمكن أن تصله الصواريخ أو الطائرات الحربية الأميركية!
في الوقت ذاته، تتمطى تركيا وترسل جيشها إلى حيث تشاء في الأرض الفضاء في شمال العراق، بحجة مطاردة الثوار الأكراد،
وبالمقابل يمضي زعماء الأكراد قدماً في استكمال “دولتهم” الجهيض، فيوقعون على مواثيق لإقامة “الجيش” وتعزيز “البرلمان” وبلورة “الحكومة”، ويجهرون برفض الحكم الذاتي، مندفعين على طريق الانفصال في ظل الحماية الأميركية التي لا تقهر.
ونصل إلى إيران وموقفها العجيب والذي لا يمكن قبوله أو تبريره.
بدل أن تكون جمهورية الثورة الإسلامية، في طليعة من يتصدى لتدعيم الموقف العربي والتحريض على رفض الحماية الأجنبية، نراها تبادر إلى استقطاع حصتها من اللحم العربي المشاع!
وهكذا ترسل أسطولها إلى الجزيرة الصغيرة في قلب الخليج، “أبو موسى” فتطرد من عليها من أهلها العرب التابعين لإمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة وترفع عليها علمها، مسقطة اتفاقاً معلناً ومعروفاً وله قيمة الوثيقة الدولية كان قد وقع العام 1971 لاقتسام السيادة على الجزيرة بالتراضي.
لكأنها تبرر الغزو الأميركي الذي يتخذ الآن طابع الحماية!
أو لكأنها تعلن أنه يجوز للغيراني ما يجوز للأميركي… وطالما أن البقرة العربية قد وقعت فالرحمة أو التكاتف ولو تحت علم الإسلام لغو أو غفلة لا يسمح بها تراث الأمجاد الإمبراطورية.
وبالتأكيد فإن ما من عربي إلا وكان يتمنى لو أن إيران الثورة الإسلامية، إيران الخميني، التي ناصرتها الأكثرية المطلقة من أبناء الأمة العربية، قد راعت روابط الأخوة والجيرة ولم تقدم على غزوتها الجديدة التي من شأنها أن تفتح جراحاص قديمة، وأن تبرر لبعض الحكام العرب وللأجنبي موبقات وانحرافات خطيرة كان يصعب تمريرها ويستحيل قبولها، أقله في المدى المتوسط.
فالمحتل الأميركي على حدود إيران الآن، وإقدامه على تقسيم العراق وفرض حمايته على جنوبه يهدد طهران بمقدار ما يهدد كل عاصمة عربية بدءاً من بغداد وصولاً إلى صنعاء ونواق الشوق في موريتانيا،
وكان الطبيعي أن تكون إيران الأصلب في رفض هذا الوجود الأجنبي، وأن توفر لعرب الخليج الضعفاء والخائفين، لاسيما بعد حماقة صدام حسين، عنصر الاطمئنان إلى جارها القوي، بحيث يغنيها – بأخوته – عن الحامي الأجنبي، إذ يسهم في تحقيق التوازن النفسي وفي اعتماد الجميع سياسة عاقلة ومتزنة.
ولكي تكتمل الحلقة المقفلة، يرفع المسؤولون الإسرائيليون عقيرتهم بالادعاء: لا نطمع بشبر أرض واحد في لبنان، ولا بنقطة واحدة من مياهه!
هذا في الوقت الذي يحتل فيه العدو الإسرائيلي 12 في المائة من أرض لبنان، ويسترهن نحو ربع شعبه في الجنوب والبقاع الغربي، ويلقي بظله الثقيل على قراره السياسي فيعطل إرادته وقيام دولته، كما رأى العالم بالأمس وحين منع هذا العدو بأناء الأرض اللبنانية المحتلة من أداء واجبهم الانتخابي!
… ثم يطلق هذا العدو نكتته السمجة الأخيرة حول استعداده “لاستئجار” هضبة الجولان السورية المحتلة، من دون أن ينتقص استئجاره لها من سيادة سوريا عليها!
كأنما الأرض العربية للبيع أو للإيجار، أو لكأنها مشاع يمكن أخذه بوضع اليد،
طبعاً ليست إيران في موقع العدو الإسرائيلي، فمعاذ الله أن يخطئ عربي في التمييز بين الصديق والعدو،
لكن التصرف الإيراني في جزيرة “أبو موسى” أخرق، وتبريره بالبيان الصادر عن وزارة الخارجية يستفز أي عربي، والأخطر أنه يبرر لبعض الحكام أن يسلموا البلاد التي يحكمون مفروشة والمفتاح في اليد إلى الحامي الأجنبي!
وسط هذه المشاغل والهموم الثقيلة جميعاً، وجد المسؤول الكويتي الوقت للاحتجاج على مقال في “السفير”، فبعث يستصرخ نقابة الصحافة والحكومة والقضاء في بيروت أن يرد عن الكويت هذا الاعتداء الغاشم!!
هذا بينما مجلس التعاون الخليجي الذي “جمع” على عجل في الرياض على مستوى وزراء الخارجية، يصدر بياناً فجاً يقول فيه أن فرض الحماية الأميركية على جنوب العراق لا يشكل خروجاً على ميثاق الأمم المتحدة!!
ومن قبل كان المندوب السعودي إلى قمة عدم الانحياز في جاكرتا قد وجد الشجاعة الكافية ليسفه اقتراحاً بإلغاء حق “الفيتو” الذي تمارسه الدول العظمى (التي اختصرت الآن في واحدة) في مجلس الأمن ودائماً ضد الشعوب المستضعفة والمغلوبة على أمرها!!
أما “إعلان دمشق” فبوسعه أن ينتظر قدوم “منجم عصفوري” لفك طلاسمه، بحيث يفهم موقعوه ما إذا كان “سياسياً” أو “أمنياً” فقط أو “عسكرياً” أو هو مجرد استدرار لبعض المساعدة للأخوة الفقراء إلا بدمائهم التي بذلوها من أجل حماية الكويت وسائر الخليج!
وفي هذه الأثناء لا بأس من التسلي بمحاسبة “السفير” لأنها عكرت الجو بصرخة الوجع التي أطلقتها إشفاقاً على مستقبل العرب عموماً والخليج خصوصاً.

Exit mobile version