طلال سلمان

على الطريق حلقة الابتزاز المزدوج…

مع كل يوم يمر تتكامل أكثر فأكثر حلقة الابتزاز التي تحاصر داخلها “المعارضة” التي دخلت الحكم لتشكل معه – بكل من يمثل – “حكومة الوحدة الوطنية”،
فمن أجل أن تقوم الحكومة ويقبل أطرافها المشاركة في عضويتها كان ضرورياً التضحية ببعض ما يبرر التسمية التي أعطيت لها… وهكذا تم التغاضي عن استمرار العلاقة بين “الجبهة اللبنانية” أو بعض أطرافها، سواء أحملت اسم “القوات اللبنانية” أم “الوكالة المسيحية” أو غير ذلك، مع العدو الإسرائيلي.
ومن أجل عدم هز التضامن الحكومي الوليد، تم التغاضي عن افتتاح مكتب رسمي لطرف يعرف الجميع إنه “ابن شرعيط لـ “القوات اللبنانية” التي هي “ابن شرعي” لحزب الكتائب، الذي هو الابن أو الأب الشرعي لـ “الجبهة اللبنانية” في القدس المحتلة.
ومن أجل إنقاذ ما تبقى من هيبة الحكومة وقدرتها على تحمل المسؤولية، تم التغاضي عن مطالب ومعاني أساسية كان يفترض أن يتضمنها البيان الوزاري لتشكل الحكومة “نقلة نوعية” في مسار الأزمة تقربنا نحو مدخل شرعي لتسوية مؤقتة تساعد وتمهد وتهيء للحظة الحل الموعود، المؤجل تحققه حتى إشار آخر.
ثم… من أجل التعاطي بمسألة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب كان لا بد من الاستعداد والتهيئة للوصول إلى “ترتيبات أمنية” مع العدو الإسرائيلي.
لكن هذه الترتيباتع تستهدي أن يكون قد تم عرض ملف الجيش وإقفاله على قاعدة سليمة وبعد الفراغ من علاج وضعه جذرياً، بما يعيد إليه اعتباره ومن ثم وحدته، ويمكنه من لعب دوره المفترض والضروري في أية “ترتيبات أمنية” سواء على الحدود مع العدو، أو على خطوط التماس بين “الأشقاء الألداء”.
وهكذا كان يمكن الضغط بقضية الجنوب (ومعه البقاع الغربي، وراشيا بعض الجبل) للقبول بتسوية كيف ما اتفق لوضع الجيش، كمؤسسة ودور وقيادة.. وصار “البازار” علنياً ومفضوحاً: تساهلوا معنا في موضوع القائد، وإلا كنتم المتسببين عن استمرار محنة أهلنا في الجنوب وسائر المناطق المحتلة.
صار القائد هو الموضوع ، ولم يعد الجيش… وصارت “الترتيبات الأمنية” هي وسيلة الضغط علينا، بدل أن يتوافق الجميع على تأمين المواجهة الموحدة للعدو الإسرائيلي.
ثم تدرج السياق هبوطاً، فصار الموضوع كيف ترضي الشيعة شكلاً، بغير أن تبدل أو تغير في الأساس.. وجاء العرض هزيلاً وسيء الدلالة، إذ أوحى بتقصد إثارة مزيد من الاشكالات والحساسيات المذهبية بين الشيعة والدروز والسنة، إضافة إلى فرض مزيد من الالتهاب الطائفي على جراح البلاد عموماً،
من القائد إلى “نائب القائد”،
ثم من بيروت إلى دمشق، في محاولة متعمدة ومقصودة لهز العلاقة بين القيادة السورية والمعارضة التي صار أقطابها وزراء في حكومة العهد…
وفي الوقت نفسه محاولة إضافية للابتزاز عن طريق الادعاء بأنه لا بد من التساهل في موضوع الجيش، مؤسسة وقيادة، “إن كنتم تريدون حقاً إبعاد الجيش عن “القوات اللبنانية”، فلنرض جماعة “القوات” بشخص لنستطيع استعادة المؤسسة”!!
وغني عن الذكر إن هذه الحجة نفسها قد استخدمت عند تعيين العماد إبراهيم طنوس قائداً للجيش: “ألا تريدون أن يعود الجيش إلى الدولة بدل أن يبقى أسير “القوات”؟! إذن وافقوني على اختياري فهذا هو الرجل القادر على أداء هذا الدور”!
اليوم صار اسم الرجل المؤهل الوحيد العميد ميشال عون.
هذا في حيثن تعلن “القوات” جهاراً نهاراً وبالفم الملآن إنها والجيش واحد، وإنها لن تترك الجيش يعود إلى الدولة بل ستظل تستخدمه كأداة تقسيمية وكحارس لحدود منطقة هيمنتها.
في الجانب الآخر يتربص المتضررون من القيادات السياسية المتضررة بما كان بين جنيف ولوزان وصولاً إلى قمة دمشق وتشكيل الحكومة الحالية بهذه الحكومة، ويعملون لتوكيد عجزها عن الحسم، وضآلة قدرتها على الفعل “فأي إنجاز يمكن أن نتوقع من حكومة عجزت حتى عن تثبيت وقف إطلاق النار وفصل القوات على خطوط التماس”؟
أليست مفارقة أن تصبح “المعارضة” أسيرة الحكم، في حين يتحرر الحكم منها ومن مطالبها ليصبح أقرب إلى موقع “المعارضة الجديدة” التي تنتظم صفوفها مختلف المتضررين على امتداد شهور التراجع الاضطراري الذي لجأ إليه الحكم ليفتدي نفسه والذي توج بإسقاط اتفاق 17 أيار؟!
يجري كل هذا في حين يواصل العدو الإسرائيلي تثبيت “ترتيباته الأمنية” في الجنوب وسائر المناطق المحتلة، ويمد يده بالتخريب إلى ما تبقى من مرافق حيوية تؤمن للبنانيين الحد الأدنى من أسباب الحياة، وما قطعه للفيول عن المعمل الحراري في الجية وفرض العتمة والعطش إلا ابتزاز مكلف يجيء من الضفة الأخرى للنهر،
وتتكامل حلقة الابتزاز حين تسمع من أعضاء في الحكومة انتقادات تصل إلى حد التشهير بها لأن رئيسها تجرأ وأعلن إقفال “مكتب الاتصال” في ضبيه، علماً بأن هذا الأمر قد عرض في بعض جلسات مجلس الوزراء ولم يجد من عارضه، وإن كان البعض قد استمهل وها إن المهلة قد تجاوزت الشهر.
أين هموم الناس من هذا كله، ومن بقي متفرغاص لمعالجتها والعناية بها؟!
من يهتم بحياتنا، بلهفتنا لأن ننعم بليلة هانئة، لأن نفتح النوافذ لتدخل الشمس والهواء مضمخاً بعطر الورد وأريج زهر الليمون الأسير والمرتهن لدى العدو الإسرائيلي؟!
ومع تقدير الناس لصعوبة المهمة الملقاة على عاتق هذه الحكومة، ولدقة الظروف التي جاءت – متطوعة – لمواجهتها ، فإنهم يرون إنها خسرت الكثير من رصيدها، وإنها تخسر أكثر فأكثر، وكل يوم، ويخسر معها الناس خصومصاً وقد راهنوا عليها كجسر إلى استعادة الحق في الحياة والبلاد.

Exit mobile version