“حكومة الميلاد” استبقت الميلاد الأصلي، المقدس، بساعات قليلة، موفرة فرصة الميلاد السياسي والسلمي لمجموعة من “نجوم” الحرب و”بدور” العهد الجديد!
وبرغم التقديم الرصين الذيأرفق به الرئيس عمر كرامي إعلانه النبأ المنتظر والذي اقتصر التغيير فيه على “جديد” أرمني، فإن هذه الحكومة تبدو مثقلة بأوزار أطرافها بحيث لا يمكنها أن تعمر طويلاً، وهذه رحمة للعباد.
ولقد برز وبشكل نافر حضور الرئيس الياس الهراوي في الحكومة الأولى لما بعد الاصلاحات الدستورية، وفقاً لاتفاق الطائف، بما يشكل تعويضاً مباشراً لرئيس الجمهورية من داخل مجلس الوزراء، وليس على حسابه، كما يتمنى المخلصون.
ومع أن الواقعة تذكر بعهود مضت، وهي سابقة على الطائف، وبالتحديد بعد الرئيس سليمان فرنجية (قبل عشرين عاماً بينها 16 سنة حرب)، إلا أن منطق “الضرورات تبيح المحظورات” هو السائد، وفي ظله يمكن تبرير وتمرير العديد من السقطات والتجاوزات والهنات والهيئات!.
… وداوني بالتي كانت هي الداء!.
من هنا فإن الحكم على هذه الحكومة مرجأ: إن هي نجحت فيأداء مهمتها (حل الميليشيات) نالت التزكية ورحلت مشكورة، وإن هي فشلت – لا سمح الله – سقطت ملعونة إلى يوم الدين،
والكل مشفق على عمر كرامي وهو يخض تجربته الأولى في الحكم بنفحة الفدائي.
وما يهم الكل أن ينجح “الأفندي” مع الحكومة، فإن تعذر لك فإن ينجح هو حتى لو فشلت الحكومة.
وما يهم أيضاً ألا يصلبه “حواريوه” أصحاب المعالي الجدد!
والأهم أن تنتقل “حرب” السلام إلى مجلس الوزراء لتنتهي في داخله، وقد تعودنا في الماضي أن تبدأ داخل مجلس الوزراء ثم تنفجر منتقلة إلى الخارج مدمرة البلاد والعباد.
وقيمة هذه الحكومة أن توفر فرصة النجاح للتي تليها!
أن تكون جسراً إلى حكومة السلام الوطني والمجتمع المدني والنظام الديموقراطي البرلماني… وبالانتخاب وليس بالتعيين!
اكتشاف الكويت!
ليس الوقت مناسباً للعتاب أو لفتح حسابات الماضي، ولكن الأمانة تقتضي التسجيل إن الأخوان الكويتيين قد “اكتشفوا” لبنان أخيراً، وإنهم سمحوا لأخوتهم اللبنانيين أن “يكتشفوا” كويتيين طبيعيين لا يمارسون زهو “السوبرمان” أو “السوبرمال”!! ولا يرون في أنفسهم “شعب الله المختار”، ولا يعتزون بصفة “يهود الخليج” التي كانت تشعرهم بنوع من الرضا عن النفس!
ولقد نجح وفد المؤتمر الشعبي الكويتي، بداية، في تقديم صورة جديدة عن الكويت، روج لها ومنحها الشعبية الوجدان المثقف للزميل أحمد الربعي والرصانة التي تحلى بها رفاقه العصيمي والسقاف والصقر ومحمد مساعد الصالح.
لقد أثبتوا بالدليل الحسي، البسيط والعفوي، أن للكويتيين قضية تتعدى نظامهم السياسي وأشخاص الحاكمين إلى الأفق الرحب للعمل القومي والنضال من أجل الديموقراطية والدستور والحريات وسائر حقوق الإنسان العربي.
ربما لهذا وجد وزير الأعلام الدكتور بدر اليعقوب الأرض في بيروت ممهدة، خصوصاً إنه قدم نفسه كمظلوم أي كمحكوم عربي، وليس كحاكم أو كممثل للحاكم الذي هو في العادة موضع اتهام بالظلم.
فالعرب عموماً واللبناني على وجه الخصوص، وبعد تجربته المرة عبر دهر الحرب، يستشعرون الظلم بحساسية مطلقة، لأنهم يستطنون فيه.
ومن “أفضال” صدام حسين على أصحاب المال والنفوذ والادعاءات “العنصرية” بالتفوق (على أخوتهم) إنه قد حولهم من ظالمين إلى أصحاب قضية ومظلومين!
الدفع مرتين
… ومن “أفضال” صدام حسين أيضاً إنه عجل في المصالحة “التاريخية” بين حكام الجزيرة والخليج وبين ورثة الثورة الإسلامية في غيران،
وإذا كان قد تحول إلى داعية سلام وقصد إيران مصالحاً ومتنازلاً عما كان العراقيون يعتبرونه حقاً تاريخياً، بعد ثماني سنوات من الحرب السوداء والتي كانت قتالاً ضد الذات، فها هم بدورهم يعترفون مجدداً بحقائق الحياة ويتوجهون إلى إيران للاستقواء بها على صاحب “القادسية” الجديدة… وقد مولوها وكانوا دعاة له وأمناء صندوق لمستلزمات حربه الأولى!
هل هو قدر على العرب أن يدفعوا الفاتورة مرتين، ودائماً في الزمان الخطأ؟!
الحماة والمتسللون!
دوت الإذاعات “العربية” على امتداد يومين، وتوجت الصحف “العربية” صفحاتها الأولى مرتين على الأقل بأخبار تفيد بـ “تسلل” بعض الفلسطينيين إلى جلدهم وشمسهم وهوائهم في أرضهم فلسطين!
ولقد كاد المذيعون المتحمسون و”الصحفجية” المستعجلون أن يسبغوا على الإسرائيلي شرف التطوع لحراسة السيد المسيح من أمه وأهله الأقربين!.
لكأنما الإسرائيلي هو صاحب الأرض والقبر والرسالة والفلسطيني غاز ومجتاح وغاصب وصالب عيسى بن مريم!
بالمقابل فلقد أعطى النظام العراقي الجنود الأميركيين والغربيين عموماً فرصة أن يظهروا وكأنهم يحرسون قبر الرسول العربي والأرض المقدسة التي احتضنت انطلاق رسالته، وممن؟!. من أهل البيت وذوي رحم النبي العظيم ومن قبلوا دعوته وانطلقوا فبشروا بها الخليفة في أربع رياح الأرض!.
ومع الفارق، طبعاً، تظل الحقيقة الصارخة أن المواطن العربي في كل أرض هو وحده الممنوع من ممارسة وجوده الحر فوق أرضه الحرة.
الوصي الأجنبي يأتي مرة بالطلب ومرة أخرى بالتطوع، هو في الحالين مقبول ومستنزف للكرامة والثروة وسائر حقوق الإنسان!
متى نبلغ سن الرشد؟!
مطاردو العلم!!
اضطرت قيادة الجيش إلى وقف دورة التطوع، قبل ثلاثة أسابيع، بسبب الإقبال الهائل!
بل لقد لجأ بعض العسكريين في ثكنة الفياضية إلى إطلاق زخات رصاص في الهواء لتفريق جموع المقبلين للانتساب إلى الجيش وخدمة العلم!
في بلاد الناس يطاردون الهارب من خدمة العلم، وفي بلادنا يطردون القادم لخدمة العلم، والذريعة: عدم التوازن الطائفي!
ولعلهم يريدون تحقيق هذا التوازن “بصهر” الميليشيات الطائفية في الجيش، بحيث يصبح مجمعاً للذين تناوبوا على قتاله وتناوب على قتالهم خارج الوطن وعلمه!
الأعظم طائفية هو الأجدر بكل شيء في الجمهورية الثانية.
رحم الله الجمهورية الأولى!!