طلال سلمان

على الطريق حكم ببراءة مصر والإسلام والاجتهاد!

مصر، ولله الحمد، بخير…
برغم كل مظاهر السوء والبؤس والتخلف القاتل.
برغم كل الصدامات المنظمة بين سلطة ضيقة الصدر وبين مجموعات من ضيقي الأفق أعمتهم جهالة التعصب وزوغان البصر عن المتسبب الحقيقي في فقرهم وتعاستهم واشتداد الأزمة الوطنية في أرض الكنانة.
برغم معاهدات الصلح المنفرد ومرتزقة كامب ديفيد وحراس العلم الإسرائيلي فوق تلك السفارة – الوكر مقابل مدخل جامعة القاهرة وفي مقابل تمثال نهضة مصر، وعلى خطوات من “كوبري عباس” حيث جرت دماء الطلبة غزيرةمن أجل قيام مصر وتحرر المصريين.
مصر، ولله الحمد، بخير، وأبرز دليل أن القضاء فيها ما زال سليماً معافى.
وأمس، انتصر القضاء المصري، مرة أخرى، لنفسه ولمصر وللدين الحنيف حين رد الدعوى التي أقامها بعض الظلاميين للتفريق بين الدكتور نصر حامد أبو زيد وبين زوجته الأستاذة الجامعية ابتسام يونس، بعدما وجهوا إليه تهمة الارتداد عن الإسلام لأنه جهر برأي لا يقرونه عليه.
إنه حكم طبيعي وبسيط في دعوى خطيرة.
وأهميته أنه حكم طبيعي، وأنه صدر عن محكمة بسيطة وطبيعية، وأن القضاي الذي أصدر الحكم لم يتصرف للحظة وكأن كلمته استثناء وخروج على البساطة أو على الطبيعة.
لقد أكد القاضي محمد أحمد عوض الله على حقيقة ثابتة يحفظها التاريخ عن مصر وهي أنها “بلد فيه دين ولا تعصب”.
كما أكد على حقيقة ثانية تتصل بالأولى ومفادها أن الاجتهاد حق مشروع للمسلم، وهو في صلب الإسلام، وهو توكيد لإسلام المسلم وليس خروجاً عليه.
وبقدر ما كان نصر حامد أبو زيد شجاعاً – كمسلم – في رفض التظاهر بالتوبة والنطق بالشهادتين أمام المحكمة، لأنه “لا يقبل أن يكون إسلامه موضع شك”، ولأنه “يفضل أن يخسر الدعوى ولا يحاول إقناع المحكمة بأنه مسلم”.
…فلقد كان القاضي عوض الله شجاعاً في إسلامه وهو يرد الدعوى التي أقامها بعض من يعطي نفسه – زوراً وبهتاناً – حق النطق باسم الإسلام، ويقيم نفسه دياناً على خلق الله يحاسبهم – تجاوزاً – وهو غير ذي صفة، ويفتي في شؤونهم وصولاً على حرمانهم حقهم في الحياة، منتحلاً بعض صفات الله عز وجل.
إنه حكم ببراءة مصر من شبهة التعصب والجهالة.
وهو حكم ببراءة المصريين من جريمة الانغلاق والتعسف وكم الأفواه والحجز على حرية الرأي.
وهو حكم ببراءة لاإسلام من أولئك الظلاميين الذين يطاردون النور والأفكار والاجتهادات بالرصاص في الشوارع.
وهو – استطراداً – حكم على تلك اللجنة الجامعية التي حرمت نصر حامد أبو زيد من درجة الأستاذية بأنها أدنى مستوى من أن تكون في الجامعة، فكيف بأن تكون صاحبة حق في تصنيف من هو الأستاذ الجامعي ومن هو الدعي والطارئ على الجامعة والتعليم..
والتعليم، وهو بعض الطريق إلى العلم، هو نشر لنور الله في الأرض.
“نور على نور”.
و”مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، والزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة…”.
مصر بخير، فهذا قضاؤها بخير، والباقيهين.
وهذا هو القضاء يحصن الجامعة وأهل العلم ويحميهم من أهل الجهالة والظلاميين الذين لا يطيقون أن يسمعوا رأياً مخالفاً، والذين يوجهون رصاصهم إلى كل راي مستنير وكل فكرة بكر وكل اجتهاد يعزز كرامة هذا المخلوق الذي خصه الله سبحانه وتعالى بالتكريم فأمر الملائكة والمخلوقات جميعاً بأن تسجد له.
الدين لكي يكبر الإنسان ويعظم قدره،
الدين لكي يتفتح الفكرويبدع،
الدين لكي تصبح الحياة أبهى وأجمل وأروع،
الدين لكي تقتحم مدارج التطور والتحضر ونشارك في ابتناء قيم تليق بكرامة الإنسان وتنسجم مع روح العصر،
ليس الدين انشداداً إلى الماضي أو انسحاقاً فيه،
الدين باب للمستقبل وليس قمعاً لنور الشمس حتى لا تفضح جاهلية الجاهلين بلباسهم كما بمنطقهم الدكتاتوري كما بمسلكهم الدموي الذي يكاد يحوّلهم إلى عصابات اغتيال، بدل أن يكونوا دعاة للعدالة والتسامح والأخوة والتطور الفكري والتقدم الحضاري.
وهذه الحضارة العربية – الإسلامية الباقية على الدهر بناها المستنيرون لا الجهلة، والمفكرون لا المغلقة قلوبهم وعقولهم على الطقوس والمظاهر والشكليات التي كلما تعاظم التشدد في ممارستها وفي تطبيقها الحرفي تعاظمت المسافة بين دعاتها ومطبقيها بحد السيف وبين الدين الحنيف.
إن مصر بخير،
وهذا مما يطمئن العرب عموماً والمسلمين، كل المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها،
وكنانة الله في أرضه “شجرة مباركة”، وهي تضيء ولو لم تمسسها نار، والله يهدي بنوره من يشاء،
والحمد لله أن قد هدى هذه المحكمة لتبرئ مصر والدين الحنيف والعلم والعلماء والاجتهاد والمجتهدين في كل مكان وزمان…
إن مصر بخير،
إذن فجميعنا بخير، تماماً كما كنا في لحظة جميعنا نصر حامد أبو زيد المهدّد بأن يكون الصريع الثاني بعد شهيد الرأي والإسلام الحقيقي فرج فوده.
إنه ليس حكماً ببراءتنا،
إنه حكم بإدانة الظلام والظلاميين ورصاصهم القاتل للفكر.

Exit mobile version