طلال سلمان

على الطريق حكم المال لا يقنع أصحاب المال؟!

اللهم لا اعتراض، فما من غضاضة في أن يحكم رجال المال والأعمال مباشرة، بدل أن يظلوا يحكمون من وراء ستار.
بل لعلها ميزة أن يكون في سدة الحكم – في زمن الفقر والعوز – أكبر مجموعة من المتمولين وممن اشتهروا بالنجاح في إدارة مؤسساتهم الخاصة وعملياتها ذات الأرقام الفلكية. وهؤلاء، في العامة، ممن لا تغريهم بهرجة السلطة وسلطانها.
فمن حول طاولة مجلس الوزراء يتحلق الآن عدد محترم من “المليونيرية” – بالدولار – برئاسة ملياردير، وهذه إضافة نوعية إلى رصيد الحكم اللبناني تؤكد “ملاءته” وتعزز “مصداقيته” في الداخل والخارج على حد سواء.
بل إن صورة واحدة لمجلس الوزراء مجتمعاً تنفيذ التهمة الشائعة عن أن “رأس المال جبان”، وعن اتهام اللبنانيين بالفقر!!
فما هم “المليونيرية” الشجعان يتصدون لأثقل المهمات ويتقبلون المسؤولية بثقة، ويتجاوزون “المقاطعة” ويسفهون “المعارضة” ويضحون من أجل الوطن وشعبه الفقير بأغلى ما يملكون: الوقت، وهو لديهم تحديداً من ذهب رنان.
لقد تمت دورة الفلك،
ها هي الأحزاب وميليشياتها القديمة تتراجع إلى الخلف لتحمي مؤخرة حكم الأغنياء، تاركة لهم الصدارة وسلطة القرار، بعدما ظلت في الواجهة “الرسمية” منذ بداية الحرب الأهلية، وإن كانت قد تناوبت بألوانها المختلفة عليها.
انتهى “الزمن الكتائبي”،
وانتهى معه زمن الأحزاب – الضد التي ناصبت الكتائب العداء ولو من موقع الشريك في السلطة،
وانتهى “زمن 6 شباط” الذي شهد صعود ثم سقوط “التحالف بالدم” بين “حركة أمل” والحزب التقدمي الاشتراكي، ومعهما في الصفوف الخلفية سائر الأحزاب “التاريخية” التي طالما تطلعت إلى السلطة ولم تستطع دخول جنتها المذهبة.
لعل المحطة الأخيرة كانت في الانتخابات النيابية، التي أنهت عصراً ودشنت عصراً جديداً يختزن ويختزل ترسبات وإفرازات الحرب الأهلية والمعطيات الصلبة لقوى الأمر الواقع الفعلية.
و”قوى الأمر الواقع” هذه هي قوى المال والأعمال وليست بأي حال القوى المسلحة، التي كانت “تحتل” المسرح وتملأ الجو بقعقعة السلاح بينما “الشريك المفوض” يخفي نفسه بعناية خلف الستار.
ثم كان ما ليس منه يد: أعلنت الشراكة رسمياً، وعلى الأصعدة كافة، من الهولدنغ إلى الانتخابات، ومن مجال النفط إلى الطيران فإلى المصارف وما يتفرع عنها ومنها من استثمارات وشركات مالية.. الخ.
مرة أخرى، اللهم لا عتراض،
لكن ثمة مجموعة من الأسئلة التي تدور بلا قرار في أذهان الفقراء من عباد الله ومنها:
1 – إذا كان الحكمقد آل إلى رجال المال والأعمال فتولوه بأنفسهم ومباشرة بعدما كانوا، سابقاً، في الظل، فلماذا لا تراهم يقدمون على توظيف أموالهم أو بعضها في البلاد، بدءاً بالشركة العقارية وانتهاء بآخر مشروع إنتاجي؟!
2 – إن ثروات اللبنانيين في الخارج تقدر بعشرات المليارات، ومع الترفع عن الحسد وضيق العين فلا بد من مساءلتهم: لماذا لا تعيدون بعضها إلى المصارف “الوطنية” – خصوصاً وأنكم مساهمون كبار في معظمها – على الأقل كودائع إن لم يكن للتوظيف في استثمارات؟!
3 – لماذا هذا الاحجام عن المساهمة في الشركة العقارية التي تدل التقديرات بأنها من أهم المشاريع ذات الربحية العالية؟
وهل صحيح ما يتردد علناً من أن “المال المسيحي” ي رفض المشاركة في هذا “المشروع الإسلامي”.
وهل للمال دين، وهل اكتشف “دينه” في لبنان فقط، فقبع دولار “جورج” واشنطن خلف المعابر في “الشرقية” بينما نزل ريال فهد بن عبد العزيز إلى القلب المدمر لبيروت “الإِسلامية”؟!
4 – لماذا لم يقتد الوزراء من أصحاب الأموال، وهم كثر في مجلس الوزراء، برئيسهم في التبرع لصندوق المهجرين. وهو “مسيحي”، إذاً كانت “الطائفية” تمنعهم من المساهمة في مشاريع إسلامية في الضاحية مثلاً أو أطراف أخرى؟!
لقد افترض رئيس الحكومة أنه قد أعطى القدوة، ورفض أن يطلب إلى أي من الوزراء المساهمة إن في الشركة العقارية أو في تمويل صندوق المهجرين، وقال ما مفاده: “لم نأت بهم وزراء لكي نأخذ من أموالهم”..
لكن السؤال يظل قائماً: فأين إذن أموالهم؟! ومتى يوظفونها في لبنان إذا كانت حتى مشاركتهم في الحكم لا تكفي كضمان لهم ولها؟!
إننا ننادي العرب والعجم والفرنجة لمساعدة لبنان بالهبات والصدقات والقروض وكافة أشكال الإعانة،
فأين المتمولون اللبنانيون؟!
وأين المستثمرون اللبنانيون الذين كثيراً ما يشكو كبارهم من قسوة الدول الغربية في ضرائبها التي تلتهم معظم أرباحهم؟!
لماذا لا يجيئون؟! وهل ينتظرون إيعازاً؟! وممن؟!
إن البلاد بأهلها.
ولا مجال لأن يحل أحد محل اللبنانيين في إعادة إعمار بلادهم،
ولقد شهدنا تسابقاً على التوظيف في المجالات القليلة رأس المال والسريعة المردود كالهاتف مثلاً، أو محطات التلفزيون والإذاعات طمعاً بالإعلانات التجارية.
لكننا لم نسمع عن مبادرات، بالنخوة أو بالشهامة أو بالوطنية، أو حتى بالدافع التجاري، للتوظيف في المشاريع الاستثمارية أو في مشاريع إعادة البناء في لبنانز
وصحيح أن ثمة اعتراضات على قانون الشركة العقارية وعلى بعض جوانب المخطط التوجيهي لإعادة إعمار الوسط التجاري في بيروت، لكن ذلك تم ويتم بدافع الترشيد وطلباً لعاصمة أجمل بتكاليف أقل ومع ضمان أقوى لحقوق أصحاب الحقوق.
وبالتأكيد فإن حضور المستثمر اللبناني يلعب دوراً ترشيدياً للشركة،
فبيروت هي عاصمته وهي قلب البلاد، وهو حريص على جماليتها كما هو حريص على وظيفتها المهمة ودورها الذي لا بديل منه عربياً ودولياً،
وإن كان رفيق الحريري، بكل ما يمثله وما يملكه، لم يستطع إقناع أصحاب المليارات التي تعطي أرباحها في الخارج وللخارج، فمن يستطيع إقناعهم؟!
أم أنهم متمردون على النظام و”الجمهورية الثانية”، ينتظرون لحظة مناسبة للانقضاض عليها وقلبها وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء؟!
إنها مسألة تستحق الاهتمام،
والشركة العقارية نتيجة وليست سبباً،
فهل ثمة من هو معني بالبحث الجدي عن السبب؟!

Exit mobile version