طلال سلمان

على الطريق حساب الربح والخسارة في حرب الصواريخ!

أخطر النتائج التي استولدتها حرب “تحرير الكويت” من الغزو العراقي، هي “تحرير” إسرائيل من هاجس الصواريخ العربية، السوفياتية المصدر أساساً، والتي شكلت حتى يوم 18 كانون الثاني 1991 ضمانة أمنية وعنصر توازن نسبي مع الترسانة الأميركية – الغربية لدى العدو الصهيوني.
وبمعزل عن الحرب العراقية – الإيرانية، فإن صواريخ سكود ومن بعدها صواريخ “أس. أس 21” السوفياتية البعيدة المدى، والتي حصلت عليها سوريا، بداية، ومن ثم العراق (؟)، في عهد الرئيس السوفياتي الراحل أندروبوفن وقبل أن تشع شمس البيريسترويكا المحرقة، كانت عاملاً أساسياً في إعادة صياغة التوازن بين العرب وعدوهم الإسرائيلي، كما شكلت عامل إلغاء أو تحجيم للتفوق الجوي الإسرائيلي في السماء العربيةز
بعد الصواريخ القادرة على الوصول إلى قلب الكيان الصهيوني اضطر العدو إلى إعادة النظر في خططه ومدى حركته، وتواضعت “أحلامه” التي تضخمت كثيراً وتورمت بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف 1982.
فالصواريخ الجديدة أطالت الذراع العربية بحيث باتت تطال كل الأهداف والمنشآت الحيوية أو الاستراتيجية “داخل” إسرائيل، ولم يعد بوسع العدو أن يجوب الأرض أو السماء العربية فيضرب حيث شاء وهو بمأمن من الرد عليه رداً مناسباً في القسوة.
اليوم، وبفضل ما أغدقته الولايات المتحدة الأميركية من صواريخ “باتريوت” على العدو الإسرائيلي، تم تحييد الصواريخ العربية (السوفياتية) أس. أس 21، ناهيك بصواريخ سكود، كالتي استخدمها العراقيون في ضرب العمق الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي.
لقد توفر للإسرائيلي السلاح المضاد للسلاح العربي الأكثر تطوراً وفعالية،
وكانت الذريعة هي تلك الصواريخ العراقية التي اخترقت طوق النار الأميركية وفتحت كوة في حاجز الأمان الإسرائيلي، وهزت مشاعر المواطن العربي هزاً عنيفاً كونها المرة الأولى التي يرى فيها عدوه في حالة ذعر واضطراب وارتباك كالتي يعيش هو في أسارها منذ أن أثقلت عليه الهزيمة بكلكلها وألزمته الملجأ وقبر الخرس المهين،
ولحظة الفرح عزيزة جداً، كونها نادرة جداً، لكن الحزن الذي قد يعقبها سيكون كثيفاً كليل الهزيمة.
فالربح لا يعادل الخسارة، بأي حال،
وأفظع ما في الخسارة، هذه المرة، إنها تتم وسط تسليم عربية يجعل حتى الاعتراض صعباً وخارجاً على المنطق السائد.
وهكذا استمع العرب مشدوهين إلى الأخبار عن مبادرة الولايات المتحدة إلى إقامة جسر جوي – هو الأول من نوعه منذ حرب تشرين المجيدة في العام 1973 – لنقل بطاريات صواريخ “باتريوت” مع أطقمها من الجنود الأميركيين، إلى الأرض المحتلة.
ومع توالي نشرات الأخبار عن هذه الصواريخ وأطقمها، عن فعاليتها المؤكدة، وعن وضعها في الخدمة الفورية لطمأنة الإسرائيليين، وإزالة أسباب ذعرهمن كان المواطن العربي يعود إلى قوقعة أحزانه وتساؤلاته النافية للفرح: هل يعادل المكسب النفسي هذه الخسارة الاستراتيجية المؤكدة؟! أقدرٌ عليه دائماً أن يربح في الإذاعة ويخسر على الأرض وفي الأرض ومن الأرض؟!
واستطراداً: فهل هي معادلة مقبولة أن يرسل نصف مليون جندي عراقي، بكامل سلاحهم الثقيل، إلى الكويت، في حين تضرب إسرائيل (وبعد انفجار الحرب) بعشرين (أو حتى بخمسين) صاروخاً ومن على بعد وبهدف سياسي ودعاوي مكشوف لا علاقة له من قريب أو بعيد بتحرير فلسطين، أو بتمكين شعبها عبر انتفاضته المجيدة بالوصول إلى الحد الأدنى من حقوقه المشروعة؟!
الجانب الآخر من المسألة يتصل بطبيعة التحالف الأميركي – العربي واستهدافاته الفعلية.
لقد ارتكب صدام حسين خطيئة مميتة بغزوه الكويت، موفراً الذريعة والسبب لقدوم جيوش “التحالف الدولي” إلى الأرض العربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وتحت لافتة تنفيذ قرارات مجلس الأمن وإرادة المجتع الدولي،
لكن المؤكد إن هذه الجيوش إنما جاءت، أولاً وأخيراً، لكي تحمي المصالح الغربية ، والأميركية أساساً،
وبين هذه المصالح، بل في طليعتها كما تدل تجربة صواريخ “باتريوت” : سلامة إسرائيل وتأمين “مجتمعها” الغربي من احتمالات الخطر العربي.
لقد جاء تصرف واشنطن فاضحاً: فأمن إسرائيل أهم لديها حتى من أمن جنودها المنتشرين في صحراء العقارب والأفاعي والعدم،
وهي قد هبت لإنقاذ هذا الأمن الإسرائيلي من خطر محدود بجسر جوي لم تنشئ مثله حتى إلى السعودية وبجنود أميركيين، ثم برسائل تطمين سياسية ووعود بمساعدات عسكرية إضافية تزيدها قوة على قوة.
لقد بدا واضحاً إن هدف “تحرير الكويت” يمكن أن ينتظر، بالنسبة لواشنطن، في حين إن تأمين إسرائيل لا يقبل المناقشة أو التأخير، وتسخر من أجله كل الوسائط الاستثنائية ، بما فيها الجسر الجوي والدم الأميركي الخالص!
ملاحظات
*في سياق الحملات الإعلامية التي فجرتها الحرب التي تحرق الأرض العربية، هذه الأيام، ما يمجه السمع ويرفضه العقل ويستفز المشاعر، بغض النظر عن الموقف الفعلي من خطأ صدام حسين الشنيع في غزو الكويت.
إن بعض الأعلام العربي يكاد ينطق بالعبرية، ويكاد يتجاوز بأشواط المنطق الرسمي والدعاوي الإسرائيلي،
وبعض المسؤولين العرب، لاسيما النفطيين، يقولون ما يتورع عن قوله قادة هاغانا وشتيرن وسائر المنظمات الإرهابية الصهيونية،
وإذا كان نظام صدام حسين يساوي بين العدو الإسرائيلي وبين بعض الكيانات العربية في توجيه صواريخهن فإن العديد من المسؤولين العرب يرتكبون الجريمة نفسها حين يتصرفون وكأنهم في قلب التحالف الدولي شركاء مصير ورفاق سلاح مع العدو الإسرائيلي.
وحدها دمشق تحافظ على منطقها القومي وتؤكد ثباتها على موقفها في التمييز بين “العدو” وبين “رفاق الطريق” ممن اضطرتها خطيئة النظام العراقي إلى التلاقي معهم لهدف محدد ومحدود هو : إنهاء الغزو العراقي للكويت.
*لم يكن العرب بحاجة إلى محنة كالتي يعيشونها الآن ليكتشفوا عمق الكراهية الغربية لهم وعضوية العلاقة بين الغرب والكيان الصهيوني،
بعض الصواريخ المحدودة التأثير على إسرائيل هزت الغرب هزاً عنيفاً، واستدرت بيانات التأييد والتعهدات بالحماية والاستنكار المشفوع بتعهدات بالثأر والانتقام من “العدو” العربي الذي تجرأ على مس ما لا يمس في الاستراتيجية الغربية.
وبين كبار المسؤولين الغربيين ، إضافة إلى الإعلاميين، من يتحدث عن العرب وكأنهم مخلوقات فائضة عن حاجة العالم.
*ما أبشع الهزيمة وما أكره رائحتها!
وبرغم إننا أدمناها فما زالت بقية من عافية تساعدنا على الاستعداد – سلفاً – لما بعدها، يقيناً بأن فجر النصر بعيد، بعد.
أنظر إلى نفسك فتدرك إن كتفيك أضيق من أن تتحملا ثقل حلم عظيم كالنصر.
*بائسة هي صور الجماهير العربية وهي تنزل إلى الشارع فلا تجد غير الفراغ وصدى الخوف من شبح الأمس والضياع في مواجهة صور الغد.
ليس أقسى من أن تفتقد رأسك فلا تجده ليحرك الذراع في الوجهة الصحيحة!

Exit mobile version