طلال سلمان

على الطريق “حزب الله” والحوار…

هل آن الأوان، فعلاً، لكي ينخرط “حزب الله” في الحياة السياسية في لبنان، بوصفه قوة سياسية لها الحق، بغض النظر عن القدرات والامكانات وحجم التأييد الشعبي لطروحاتها، في التعبير عن رأيها والدعوة إلى ما تعتقد إنه سبيل الخلاص؟!
بصيغة أخرى: هل حسم “حزب الله” أمره وقرر الظهور وإنهاء الحالة “الشبحية” التي عاش ضمنها حتى اليوم؟!
واستطراداً : هل قرر “حزب الله” أخيراً، أن يكون “حزباً” كسائر الأحزاب، حزباً دنيوياً يتعاطى السياسة ويعمل في السياسة بشعارات سياسية وبأساليب سياسية، له برنامجه المعلن، وله علاقاته مع القوى الأخرى الموجودة قبله والموجودة مثله على الساحة؟!
وباختصار : هل قرر “حزب الله” أن ينزل من السماء إلى الأرض، وأن يهتم بحياة الناس في هذه الدنيا أكثر من اهتمامه بحياتهم في الدار الآخرة؟!
إن طرح هذه الأسئلة يبدو مشروعاً في ظل ما يتردد الآن وفي ظل “حرب الضاحية”، من أن “حزب الله” يريد أو يشترط للقبول بالدخول السوري أن يتم الاعتراف به كطرف سياسي له وزنه وتأثيره على مجريات اللعبة السياسية في لبنان.
وثمة من يقول إن “حرب الضاحية” ما كانت لتكون أصلاً لو إن القوى الأخرى، بدءاً بحركة “أمل”، وانتهاء بأحزاب “الحركة الوطنية” اعترفت بـ “حزب الله” وتعاملت معه كفصيل له وزنه وله حقوق أي تنظيم آخر لاسيما في مجال المشاركة في صياغة أو صناعة القرار السياسي.
بل إن بعض المتصلين بقيادات “حزب الله” ينقلون عنها تذمرها من أن “القوى الأخرى” لا تعترف بالحزب ولا تتعامل معه بوصفه “طرفاً لبنانياً” فاعلاً، وإنها تفضل التحدث إليه عبر السفارة الإيرانية في بيروت، وكأنه يتبعها. فإذا ما قررت الاقتراب خاطبته عبر العلاقة السيد محمد حسين فضل الله (الذي قد يكون من أقرب الأصدقاء ولكنه ليس من قيادة الحزب ولا هو فيه) ولم تتوجه مباشرة إلى القيادة العلنية والرسمية لهذا الحزب الذي يثبت يوماً بعد يوم إن له وجوده المؤثر في بعض مناطق لبنان، وبالذات في البقاع والجنوب والضاحية وبعض بيروت.
وقد تكون شكوى “حزب الله” محقة، بهذه النسبة أو تلك، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه على الفور هو : هل يعترف “حزب الله” بالقوى الأخرى، وهل هو مستعد للتعامل معها سياسياً، وهل هو جرب إنشاء شبكة من علاقات التحالف، وهل حدد – بالمقابل – خصومه ودرجة الخصومة والتعارض مع القوى الأخرى، بما في ذلك الدولة اللبنانية؟!
لقد انطلق “حزب الله” واقتحم الحياة السياسية في لبنان من موقع الرافض ليس فقط للنظام اللبناني، بل كذلك لمجمل القوى السياسية فيه.
ولأن “حزب الله” يستخدم لغة مختلفة ومعايير مختلفة وقواعد في العمل مختلفة، فقد تعذر الحوار الصحي بينه وبين العديد من القوى السياسية.
وكيف يمكن أن ينشأ حوار بين الايمان وبين الكفر؟ بين الحلال وبين الحرام؟ بين الأبيض وبين الأسود؟! بين أصحاب الجنة وأصحاب النار؟!
لقد تصرفت “طلائع حزب الله” وكأنهم “مبشرون” و”دعاة” دينيون أكثر منهم أصحاب برنامج سياسي محدد.. وهكذا نما الحزب في قلب مناخ من التطهر أو التزمت أو الانغلاق حصره في البيئة والمؤهلة للأخذ بنظرية تجديد الإسلام واعتماده حلاً لجميع المسائل، السياسية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية الخ، وشحنه بروح عدائية للذين لا يقولون هذا القول أو لا يقرون هذا الطرح بوصفه وسيلة للتغيير في اتجاه الغد الأفضل.
وحتى اليوم ما زال الحوار مع “حزب الله” يبدو صعباً.. فكيف يمكنك أن تحاور شبحاً؟! ثم كيف يمكنك أن تحاور من يرى إنه هو الايمان كله وإنك أنت الكفر كله؟! وكيف في بلد كلبان مشبع بالسموم الطائفية إلى هذا الحد القاتل يمكنك أن تقبل بهذا الدمج الكيفي والكلي بين أمور الدنيا وأمور الدين وأنت تناضل من أجل فصل كلي بينهما يمكنك من أن تكون مواطناً لا رعية لهذا المرجع الطائفي أو ذاك، ويسهل مهمتك في بناء دولة عصرية “يتمتع” مواطنوها جميعاً بحقوق الإنسان، لا أكثر، فلا يظلون “طبقات” بحسب انتماءاتهم الدينية والطائفية والمذهبية؟!
إن اللعبة السياسية في لبنان مساحة مفتوحة، وبالتأكيد فإنها تتسع لحزب آخر مثل “حزب الله” وبغض النظر عن الموافقة أو الاعتراض على طروحاته.
و”حزب الله” سيجد، في حمى الصراع المحتدم حول هوية لبنان وطبيعة نظامه وصيغة الحكم فيه، من يناصره ويؤيده ويرى فيه الملجأ والملاذ.
لكن شرط هذا وذاك أن يكون “حزب الله” حزباً سياسياً، وأن يخضع لقوانين الصراع السياسي المفتوح، فيعترف بالآخرين الذين يطالبهم بأن يعترفوا به ويقروا بدوره وحقوقه في التعبير والحركة والتبشير الخ.
وشرط هذا وذاك أن يغلب البرنامج السياسي على السلاح في أساليب عمل الحزب، وأن تتغلب الدعوة إلى الحياة على الدعوة العالية النبرة إلى الحرب، فليست الحرب طريقاً إلى التغيير نحو الأفضل في بلد كلبنان، وهذه تجربة السنوات الثلاث عشرة الماضية ناطقة بدلالات نتائجها المريعة.
ثم إن الحزب يحتاج أول ما يحتاج إلى تحديد المسافة بينه وبين الجمهورية الإسلامية في غيران، وذاك أمر حيوي جداً له وضروري ومفيد جداً لتلك الدولة التي يحاربها العالم وتحاربه لأنها ترفع راية تغيير الكون.
ولعل “حرب الضاحية” الملعونة تكون فرصة هذا الحزب للخروج من شرنقة الحرب ضد العالم كله، إلى ميدان النضال من أجل الإنسان في لبنان، وما أصعبه نضالاً.
وفي مصلحة “حزب الله” الطالب اعتراف الآخرين به، والساعي إلى الإقرار بدوره المؤثر في الحياة السياسية اللبنانية، أن يكون أول المرحبين بدخول القوات العربية السورية إلى الضاحية وإنقاذها من جحيم السلاح والمسلحين والحرب البلاشعار والبلا قضية.
فهل يقدم “حزب الله”، وهل ينزل إلى الأرض، ويدخل قلوب الناس وعقولهم بدل أن يظل بعيداً عنهم لا يسمعهم بوضوح ولا يسمعونه ولا يفهمون بالضبط ماذا يريد أن يقول لهم؟!

Exit mobile version