طلال سلمان

على الطريق “حرية” التقسيم!

في ألمانيا، بنت الجهة المتهمة بفقدان الديمقراطية حائط برلين عام 1961، وكانت الجهة التي ترفع شعار “الحرية” هي التي تطالب بهدم أشهر وأخطر خط تماس سياسي وخط قطيعة حياتي في العالم.
ألا يحق لنا أن نتساءل في لبنان، بعيداً عن الحيثيات والتفاصيل، وفي معرض البحث عن المصداقية العميقة للاشياء، لماذا تصدر الدعوة الآن إلى ترسيخ حائط بيروت عن الجهة التي يملأ صراخها الاذان بشعار “الحرية” بينما تحتضن المنطقة المتهمة بالكبت العملية السياسية الهادفة إلى هدم الجدار بين البيروتين؟
بكلام آخر لماذا بات كل سياسي أو ضابط أو صاحب رأي يريد هدم الحائط الذي يقسم العاصمة اللبنانية منذ ما يقارب الـ 15 عاماً، “يهاجر” من المنطقة الشرقية، أما إلى المنطقة الغربية إذا كان يريد أن ينضم لقافلة التوحيد التي يجلس في سرادقها الأمامي الآن رئيس الجمهورية وحكومته أو يرحل إلى الخارج إذا كان يرغب في التخلي عن العمل السياسي؟
هل يمكن “لمنطقة حرة” أن تصبح مرفأ للهجرة بينما – تبعاً للمثال الألماني – بدا السقوط الأخلاقي لجدار برلين في الستينات مع موجة الهجرة في اتجاه واحد: من الشرق إلى الغرب؟
وهل يمكن لمنطقة أن تكون موئل الحريات، إذا كان شعارها الأساسي هو الانغلاق داخل جدار… بينما الأحرار الحقيقيون هم الذين لا يخشون الانفتاح ويحتلون عادة – فكرياً وسياسياً – موقع المبادرة في الدعوة لهدم الجدارات.
هذه الأسئلة الباحثة عن المصداقية في الشعارات المطروحة، تواجه الآن “المنطقة الشرقية” في ظل ما آلت إليه تحت قيادة العماد عون الوحيدة الواحدة..
قيادة جعلتها باسم “الحرية” معسكراً مغلقاً يرفض تيار المصالحة الوطنية بقيادة المؤسسات الشرعية. هذا التيار الذي يقوده رئيس جمهورية “شرقي” ومعه إلى جانب العديد من قوى الجناح “الغربي” رموز وفاعليات عميقة الجذور في البيئة المسيحية اللبنانية.
قيادة جعلتها وتجعلها باسم “السيادة” منطقة إعاقة البرنامج الواقعي الوحيد للانسحابات من لبنان، وهو برنامج وثيقة الطائف، حسب الإشارة ذات الدلالة التي قام بها الرئيس الياس الهراوي في مؤتمره الصحافي أمس. فقد كان جوهر الرسالة التي أراد أن يبعث بها الرئيس الجديد إلى منطقته، الشرقية، هو أن التمرد السافر الذي يقوده العماد عون ضد مسيرة استعادة النصاب الشرعي للبلد، هو العامل الأول ليس فقط في التقسيمن بل في خلق الوقائع التي تؤدي إلى بقاء الوضع الراهن.
وبما أن العماد عون غير ذي مصلحة في تلقي الرسالة، كان الكلام الفعلي يخاطب المنطقة الشرقية. عقلها وحتى عواطفها. فرسالة الشرعية الأولى هي أن الوفاق في لبنان أعلى أشكال السيادة. وفي بلد يبدأ الخلاف فيه حول مفهوم الوطنية نفسها، يصبح الوفاق هو الفرصة الأولى، بل المدخل الوحيد لاستعادة الهوية حول الدولة.. ومع الدولة كمعبر إلى الوحدة والسيادة والاستقلال.
المنطقة “الحرة” هي التي لا تخاف من سقوط الجدران وخطوط التماس.
وإذا لم يكن هذا هو الدرس البرليني فماذا يكون؟
كانت النكتة الشائعة في الستينات، في الأشهر الأولى لبناء الحائط حسب فلورا لويس في مقال لها في “الهيرالد تريبيون” تلك التي تروي حوار كلبين أحدهما كان يأتي من شرق برلين نحو الغرب والآخر من الغرب نحو الشرق ليلتقيا عند الحائط.
يقول الكلب الآتي نحو الشرق للآخر في مواجهته:
-ماذا جئت تفعل في الغرب وليس هناك طعام.
-أجابه: جئت أنبح!
أيا تكن الاستعارة القاسية عن الحرية في هذه النكتة الألمانية، فالذي يبقى منها لبنانياً هو أن الدعوة العسكرية التي يقودها “الضابط المتمرد” لتكريس خطوط التماس.. هي استمرار لإبقاء اللبنانيين في مرتبة غير بشرية على “معابر” الإهانة والذل في العاصمة.
دعوة من هذا النوع لا يمكن أن تملك المصداقية الفعلية رغم كل جو التهييج الحالي حول قصر بعبدا.
والذي يفعله العماد.. في الواقع لا القول هو تحويل المنطقة الشرقية إلى حزام حراسة لأمن التفتيت الإسرائيلي للبنان. أمن الاحتلال الذي هو الجدار الكبير ضد الحرية والسيادة والاستقلال.

Exit mobile version