طلال سلمان

على الطريق حروب جنيف الأهلية!

باختصار شديد يمكن أن يقال: إن الرئيس السادات أحرج الفلسطينيين حتى أخرجهم، بكل فئاتهم وفصائلهم وتنظيماتهم، المعتدل منها والمتطرف، المسمى يمينياً والمسمى يسارياً والبين بين، وذلك لأن موقفه أشعرهم بخطر جدي يتهدد قضيتهم الوطنية.
ولقد ظل الفلسطينيون، حتى البيان المصري – الأردني المشترك وما تلاه، في موقف الحريص على التنسيق مع مصر وسوريا، وفي موقف المدافع عن الرئيس السادات شخصياً، وعن سائر الممارسات السياسية التي أعقبت حرب رمضان المجيدة، والتي استهولها واستنكرها ورفضها المواطن العادي… ودفعت قيادة المقاومة الكثير من رصيدها الشعبي ومن سمعتها الثورية نتيجة لموقفها هذا، النابع أساساً من حرصها على مصر العظيمة ودورها الحاسم في قضايا النضال العربي، وكذا من حرصها على أن تظل قضيتها الوطنية فوق الخوصمات والصراعات والمحاور السياسية.
لكن المقاومة وصلت، الآن، وكما وصل كل ثوري وكل قومي وكل وطني، إلى الجدار… إلى خيار محدد طرحه أمامها الرئيس السادات: أما العودة إلى الملك حسين وبشروطه، وأما الحرب الأهلية العربية!
وغني عن البيان، ضمن الظروف التي نعيش فيها، إن الحرب الأهلية هي “فزيعة” ليس إلا، إلا إذا كان في نية جهات معينة تسميم الأجواء وارتكاب مجموعة من الفظائع التي تفرضها فرضاً وبقصد محدد هو تصفية آخر من تبقى من قوى ثورية ووطنية في الوطن العربي من محيطه إلى الخليج.
ومثل هذه العملية، لو قدر أعداء الأمة العربية على تنفيذها، لن تكون حرباً أهلية، بل إن لها في القاموس وصفاً وحيداً هو “المجزرة”.
وعجيب حقاً أن ينقلب المنطق، في هذا الزمان، رأساً على عقب، فتغفر للنظام الهاشمي المذابح الجماعية التي دبرها ضد المقاومة وتطوى صفحتها تماماً، ثم تتهم المقاومة بأنها إن رفضت العودة صاغرة إلى فيء هذا النظام تسببت في نشوب حرب أهلية.
فالحرب الأهلية من أجل وطن، يفرض وقوعها وهي لن تقع، فهي الشر كله ومرتكبها ملعون إلى يوم القيامة!
ثم إن هناك مفارقة طريفة في هذا التهديد، إذ يبدو من خلاله وكأن ثمن الذهاب إلى جنيف، بالشروط الحالية الغامضة مصرياً، والمجحفة فلسطينياً، والمحرجة سورياً، والمرفوضة عربياً، هو : حرب أهلية عربية!
تذهبون وإلا فالحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر.
وهذا المنطق “العصبي” يجرد المشاركة في مؤتمر جنيف من آخر ورقة تين، ويجعلها صعبة حتى على الرئيس السادات ذاته.
فجنيف تغدو مطلباً عربياً عندما تجيء وفق الشروط العربية المشهورة، والتي أكدتها وثبتتها النتائج العسكرية، وأيضاً السياسية، لحرب رمضان، أي عندما يكون مردودها خلعاً للاحتلال الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة وضماناً لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والوطنية، ولو بحدها الأدنى.
أما بغير ذلك فيصبح ضرورياً رفض الذهاب إلى جنيف، ولو كان ثمن الرفض حرباً أهلية عربية، لأن هذه الحرب ستوظف في خدمة أهداف النضال العربي وليس ضدها.
… وفي أي حال، فكلام أبو أياد ليس دعوة إلى الحرب، أي حرب، ولكنه يندرج ككل الكلام الفلسطيني، حتى هذه اللحظة، في خانة الدعوة إلى الرجوع عن الخطأ والتحذير من مغبة المضي قدماً في دريقه.
وقديماً كان الرجوع عن الخطأ فضيلة.

Exit mobile version