طلال سلمان

على الطريق حرص المنهزم وتفريط المنتصر!

حين قرر جمال عبد الناصر، في أواسط عام 1970، قبول مبادرة روجرز الشهيرة وجد إلزاماً عليه أن يلتقي قيادة المقاومة الفلسطينية فيشرح لها موقفه والأوضاع التي أملت عليه القبول. وكان منطقياً وطبيعياً أن يعطي عبد الناصر المقاومة حق المعارضة، ووصل في ذلك إلى حد التحريض، حين وقف يعلن في بعض خطبه الجماهيرية إن رفض المقاومة ليس فقط مقبولاً ومفهوماً بل إنه – أيضاً – مطلوب.
ومن البديهي أن يستذكر العرب هذا الموقف التاريخي من القائد التاريخي وأن تنشأ مقارنة تلقائية بينه وبين الموقف الحالي للرئيس أنور السادات من المقاومة، ومن قضية فلسطين أساساً، متمثً في البيان المصري – الأردني ثم في الايضاحات والتفسيرات التعيسة الذي حاولت أن تخفف من أثره المدمر.
يومها أخطأت المقاومة التقدير، فكان الذي كان في عمان بعد فترة قصيرة من قبول مصر للمبادرة الأميركية (أيلول 1970)، ثم بعد عمان جاءت مجازر الأحراش في جرش وعجلون، واكتملت المأساة فصولاً بخروج المقاومة من الأردن.
منذ ذلك الحين والمقاومة تعيش عقدة ذنب أليمة، لأنها لم تنتبه إلأى أهمية وضرورة التنسيق مع مصر، كموقف استراتيجي، حتى في ظل اختلاف بل وتناقض المواقف التكتيكية، هذا التناقض الذي يمكن حصره واستيعابه ضمن خطة “الستراتيجية العليا”.
اليوم نرى الموقف معكوساً كلية: فالمقاومة، محكومة بظروفها الدقيقة كما بتلك العقدة، تحاول – وفوق الطاقة أحياناً – الثبات على موقفها (الستراتيجي)، القائل بضرورة التنسيق مع مصر.
أما مصر السادات فتوظف موقف المقاومة الايجابي هذا ليس فقط لخدمة أغراضها التكتيكية، إنما أيضاً لفرض خط استراتيجي جديد في السياسة العربية يكاد يلغي ما بات يعتبر أساساً من أسس النضال العربي لتحرير الأرض والإنسان في الوطن العربي.
والفارق واضح: فمصر عبد الناصر كانت تعطي، حتى في لحظة الاختلاف، المقاومة وقضية فلسطين، بينما مصر السادات تأخذ منهما.
فلقد أدرك عبد الناصر، بالرغم من شعبيته الكاسحة، وبالرغم من نفوذه الدولي والعربي والمصري غير المحدد، إن ليس من حقه وليس بقدرته أن يفرض على الفلسطينيين ما لا يرون فيه الخير على قضيتهم.
وهكذا جاء تصرف مصر، حتى في ظل الهزيمة، بما يضمن عدم التفريط بفلسطين، قضية ومقاومة مسلحة تناضل لتثبيت الحقوق التاريخية والوطنية لشعبها في وطنه.
وكان مثل هذا التصرف يوجب على المقاومة أن تنسق مع القاهرة، وأن تحرص على عدم التناقض معها بأي حال من الأحوال..
أما الآن فيبدو تصرف القاهرة، حتى في ظل حرب رمضان وكأنه تفريط بحقوق شعب فلسطين، وتجاوز لقيادته الشرعية التي اعترفت بها القاهرة باستمرار كممثل وحيد للشعب الشريد.
وبهذا تفرض القاهرة على المقاومة صداماً معها قد تخسر فيه المقاومة لكن القاهرة ستخسر بدورها.
ولن يفيد غير العدو الإسرائيلي، أولاً، وغير حلفائه الطبيعيين في الأرض العربية، ثانياً، إضافة إلى “العزيز هنري” بطبيعة الحال.
وعلى ضوء هذه الحقيقة يبدو البيان المصري – الأردني انتقاصاً من حقوق مصر ذاتها ودورها، إضافة إلى فلسطين وشعبها.
بينما الموقف الفلسطيني يجسد حرص المقاومة على مصر، أولاً، وعلى فلسطين في المقام الثاني.
والكلمة بعد للرئيس السادات… حتى إشعار آخر.

Exit mobile version