طلال سلمان

على الطريق حرب كيسنجر الخامسة

عندما أعلن، في الرباط، خبر الوصول إلى اتفاق بين منظمة التحرير والملك حسينن دار أرنولد بورشغريف، المحرر السياسي لمجلة “نيوزويك” الأميركية، على “زملائه” من أعضاء الوفود العربية المنتثرين في ردهات فندق هيلتون وهو يردد محذراً: هذا القرار هو بمثابة إعلان الحرب! إن العرب لا يعرفون ماذا يفعلون!
ودهش كثيرون للهجة الصحافي الأميركي “الصديق”، الذي كان يحمل بطاقة عضوية في الوفد الأردني، والذي استدعي أكثر من مرة إلى القصر الملكي للقاء مع الحسن الثاني، بين جلسة مغلقة وأخرى.
أما إسماعيل فهمي، وزير خارجية مصر، فقد صارح الفلسطينيين بتخوفه. قال لهم: “خلاص يا عم، اديكو نجحتم، ونجاحكم لخبط كل حاجة. واحنا عايزين دلوقت ترزي جديد عشان يعيد تفصيل مشروع التسوية. ومن دلوقت بقيتم أنتم العنصر الأساسي المتحكم في التسوية”
وكان رد فعل أشرف مروان عصبياً إذ قال: هذا نسف للتسوية
لكن الجو العام ظل هادئاً، وابتلع بعض الأردنيين ما كانوا قالوه في بداية المؤتمر، وطفقوا يستذكرون مع الفلسطينيين حكايات أيام الصفاء.
وانشغل بعض الملوك والرؤساء بإعداد ما سيواجهون به كيسنجر، بعد الرباط وما تم فيها، حين يعود إليهم “لأخذ النتيجة” التي كان مهد لها بجولة من المحادثات الخشنة عشية القمة العربية السابعة.
وحين جاء كيسنجر واستمع، واطلع، لم يظهر عليه ما يفيد أنه فوجئ… وتركزت تعليقاته على التأكيد بأن “مقررات الرباط عقدت مهمته، لكن الباب لا زال مفتوحاً لاقتراحات تقترب بنا من السلام”… هذا بينما طبول الحرب تدوي عالياً في إسرائيل.
هي الحرب، إذن؟
ياسر عرفات أكد ويؤكد كل يوم إن إسرائيل ستشن حرباً جديدة.
وبعض المسؤولين العرب يهمس بأن الحرب ستقع حتماً “وأقرب مما تتصورون”، وحتى أقرب مما تتصور المخابرات المركزية الأميركية التي قدرت المتبقي من الهدنة ببضعة شهور. ومع رفض هؤلاء لأي تحديد زمني فهم يتركون لديك انطباعاً بأن الحرب قد تنشب قبل وصول بريجنيف إلى القاهرة في منتصف كانون الثاني (يناير) المقبل.
على إن ما اتفقت عليه الأكثرية هو إن مهمة كيسنجر المكوكية وجولاته التسع في المنطقة لم تبعد شبح الحرب، بل لعلها – بكل ما حفلت به – هي التي تفرض الآن – وبعد سنة فقط من حرب رمضان – حرباً جديدة.
أما بالنسبة لإسرائيل فإن دور كيسنجر، هو في خاتمة المطاف، دور المحرض: يضمن لها أطول فترة سكون، على الجبهة العربية، بحيث تتمكن من أعادة بناء جيشها وتدعيم قوته بأكداس الأسلحة الحديثة التي أمدتها بها الولايات المتحدة الأميركية، ثم يحاول – عبر التطمينات والمطالبة الحثيثة للعرب بضبط النفس – أن يعطيها فرصة توجيه الضربة الأولى.
إن كيسنجر لا يغادرنا مرة إلا ليقول إنه عائد، موحياً بتعليق الأمور إلى أن يجيئنا – من واشنطن – بالحل السحري. ثم يجيء ويلعب أوراقه واحدة بعد الأخرى، بادئاً كل مرة من الصفر تقريباً… وإلا فما معنى إصراره، بعد سنة من محاولته الأولى، على الحلول المنفردة والجزئية، برغم الرفض المعلن – مصرياً وسورياً – لهذه الحلول الانتحارية؟. وما معنى إصراره على القفز من فوق الدور ، بل الوجود، الفلسطيني والتمسك بالنظام الأردني كممثل لشعب فلسطين.
إن رائحة البارود تملأ الأفق. وواضح إن كيسنجر يريد أن يبتز العرب، بالخوف من الحرب، كل ما حققوه بالحرب…
وإلى جانب نداء السلام الذي سيطلقه ياسر عرفات من فوق منبر الأمم المتحدة، فإن على العرب أن يدركوا – مرة أخرى وأخيرة – إن الحرب هي طريقهم إلى السلام، وهي طريق إسرائيل لفرض الهزيمة عليهم كقدر مزركش بنجوم العلم الأميركي الخمسين.

Exit mobile version