طلال سلمان

على الطريق حرب على لبنان!

بينما تتسارع خطوات دول العالم جميعاً على طريق الوفاق والتوافق والاتفاق والسلام، يفرض على لبنان واللبنانيين جو الذهاب – مجدداً – إلى الحرب!
ويسأل المراقب الغريب، أو المواطن الساذج: – ولماذا الحرب، وقد خبرتموها طويلاً فلم يحقق أحد عبرها نصراً، ولا هي نفعت في حل أي مسألة من المسائل المعلقة؟!
لماذا الحرب وهي لم تضمن امتيازاً، ولم ترفع غبناً، بل لعلها زادت عدد الخائفين، إذ رمت كل اللبنانيين ببلاء الخوف، الخوف من بعضهم والخوف على الحاضر والمستقبل، الخوف من الذات ومن الآخر، الخوف من الصمت والخوف من الكلام والأفكار، الخوف من الجمود الميت والخوف من احتمالات التغيير التي صيروها مقامرة بمصير النظام وبوجود الكيان ذاته؟!
لماذا الحرب وهي هي اللاغية لكل الأوهام المستخدمة ذرائع لتجديدها!
فلا الدولة بالحرب تعود، ولا ما تبقى منها – على حشاشته – يمكن أن يستمر إذا ما انفجرت،
ولا الحكم المشلول يستعيد عافيته إذا زيدت “الجرعة” الحربية التي يتناولها يومياً،
ولا سائر مؤسسات النظام والسلطة فيه يمكنها أن تستنقذ ما “تتمتع” به حتى اليوم من شرعية ومشروعية لدورها، ولو شكلية،
يستوي في ذلك مجلس النواب الذي كان بالإمكان تحويله إلى حبل سرة يربط مصيرياً الضفتين، فكادت المشاريع الحربجية تحوله إلى “متحف” آخر لنمط بائد من الديموقراطية البرلمانية المخولة بحماية الدستور عن طريق تنفيذه،
… والجيش الذي كان مرشحاً لدور تاريخي، فتم تعطيله ، مرة أخرى، وفرض عليه الانضباط خلف قيادة حكم الانقلاب الكتائبي، سياسياً، وخلف قيادة أصحاب المشروع التقسيمي وجبهات قتالهم العبثي، عسكرياً،
لماذا الحرب وهي مقبرة الرؤساء والرئاسات جميعاً، ناهيك بأنها مقبرة جماعية للشعب ومشروع الوطن؟!
لماذا الحرب وقد دمرت، عبر سنيها الطويلة، الأحزاب والتنظيمات والهيئات ومؤسسات التمثيل الشعبي جميعاً، من النقابة إلى الرابطة وصولاً إلى الجمعية الخيرية؟!
وماذا جد أو استجد خلال الأيام القليلة الماضية، مما يبرر هذه الاندفاعة الانتحارية التي بلغت أوجها “بالتعطيل الديموقراطي!!” لإمكان انتخاب رئيس جديد للبلاد ينهي عهداً من الحروب المفتوحة والتطرف القاتل الذي يستولد بالضرورة تطرفاً قاتلاً، والقطيعة والمقاطعة والتقاطع، وتقسيم البلاد إلى إقطاعيات لأمراء الطوائف وقادة العصابات المسلحة؟!
ماذا جد أو استجد حتى تعذر تحقيق “الوفاق” أو “التوافق” على رئيس جديد؟!
لم يقرأ اللبنانيون ولم يسمعوا إن تعديلاً طرأ على المطالب المتواضعة جداً جداً في الاصلاح الدستوري والسياسي،
بل لعل اللبنانيين قد سمعوا من المسؤولين الأميركيين على وجه الخصوص، والغربيين عموماً، ما لم يسمعوه من أكثر القيادات الوطنية تطرفاً في المطالبة بالاصلاح،
أكثر من هذا: لقد بدا، في لحظة، وكأن واشنطن أكثر “راديكالية” من دمشق، ربما بحكم مسؤوليتها “المعنوية” عن النظام… بما هو ديموقراطي برلماني ومن تابعية “العالم الحر”،
ولم يقرأ اللبنانيون ولم يسمعوا إن تعديلاً طرأ على الوجود السوري أو على الدور السوري في لبنان، ولا قلبت دمشق لهم ظهر المجن وقررت أن تفرض عليهم ما لا يرغبون فيه.
فلا طابور التاضدين إلى دمشق، من المرشحين للمنصب الفخم، قد تناقص، ولا نظرأي لبناني – بمن في ذلك المتطرفون – إلى شريط الزيارات واللقاءات والمناقشات، على إنه “تدخل” يمس “السيادة” وشرف “الاستقلال”.
بل إن واشنطن ذاتها لم تنكر يوماً على دمشق دورها في لبنان، ولا هي أنكرت عليها حقها في أن تكون مرجعاً للعديد من الشؤون السياسية والأمنية طالما تعذر على اللبنانيين – الغائبة والممزقة والمنهكة دولتهم – أن يتولوها مباشرة بما يحمي الخاصرة السورية المهددة.
أكثر من هذا: لقد جاءت واشنطن إلى دمشق، عبر موفديها، مراراً لتبحث مع قيادتها في أدق مسائل الوجود اللبناني، بما في ذلك صيغة النظام السياسي ومواقع السلطة وكوتا الطوائف، وبطلب من حكم الانقلاب الكتائبي… فلم ير أحد في ذلك البحث المفتوح (والمعلق بعد) افتئاتاً على السيادة ومساً بشرف الاستقلال.
وكان واضحاً إن منطق البحث ومؤداه هو تجديد في “الصيغة” أو تطوير لما يسمح بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يكون – ببرنامجه كما بأسلوب انتخابه – عنواناً للاصلاح السياسي الموعود.
فهل إذا توافقت دمشق مع واشنطن وتطابقت مع مشروعها للمنطقة، ومنها لبنان، تكون دمشق أخاً شقيقاً للبنان يسعى إلى خيره بضمان استقراره وتمكينه من الانتقال السلمي الهادئ من عهد إلى عهد، عهد الانقلاب الكتائبي والحرب إلى عهد التوافق الوطني والاستعداد للسلام القادم حكماً … ولو بعد حين؟!
وهل إذا تعارضت دمشق مع واشنطن في هذه المسألة أو تلك تتحول إلى “محتل” وإلى “قوة قهر” وإلى “عدو للديموقراطية اللبنانية” الخالدة… بل وإلى سفاح يريد إبادة المسيحيين أو تهجيرهم تمهيداً لضم ما يتبقى من لبنان وشطبه من الوجود؟!
ما هذه الخزعبلات والألاعيب وفنون الدجل الرخيص؟!
ما هذا المسخ لحقائق الحياة وللوقائع السياسية الثابتة، وما هذه المجافاة البلهاء لمنطق العصر؟!
وهل كانت صرخة الحرب قد تعالت لو إن دمشق قررت منح دعمها لواحد من مرشحي أمين الجميل ومن معه، من الورثة المحتملين أو المعينين كوكلاء تفليسة لعهد الانقلاب الكتائبي؟!
وهل كان “أبطال المقاومة اللبنانية” المهيمنون في”المناطق المحررة” قد اعترضوا على سليمان فرنجية، لو إن واشنطن لم تشهر عليه “الفيتو” والتزمت الحياة تجاه ترشيحه؟!
وكيف يمكن تمرير كذبة فجة مثل إن المجلس النيابي إياه قد تحول إلى قوة تغيير ثورية تستهدف تدمير النظام؟! أو إن النواب الذين ذهبوا إلى جلسة الخميس قد صاروا أعداء للأميركان، يحملون أفكاراً هدامة من شأنها إسقاط الكيان الخالد وتعكير صفو الديموقراطية اللبنانية الفريدة؟!
… وهل النواب بحسب مناطق سكنهم: القاطن في الحازمية ديموقراطي صميم ولبناني لا غبار على ولائه للكيان والنظام، والقاطن في حي اللجا أو وطى المصيطبة تروتسكي عنيد يعمل للثورة الدائمة، ويقاتل الإمبريالية حيثما وجدت؟
… وهم هم النواب الذين ذهبوا فانتخبوا بشير الجميل، ومن بعده أمين الجميل، وصوتوا مع اتفاق 17 أيار ثم صوتوا ضده؟!
هل كانوا يومها غير ما هم عليه الآن؟!
وهل سيكونون غداً، إذا ما انتخوا من يريده الانقلاب الكتائبي، أعمدة الحكم والوطنية والديموقراطية الحقة؟!
ما هذه المهازل التي يريدون بها أن يأخذونا إلى لاحرب؟!
لماذا يعاملوننا بكل هذا الاحتقالا والاذلال؟!
لماذا يوجهون إلينا كل هذه الاهانات العلنية المهلكة؟!
وهل يجوز الصمت ويجوز الخضوع لمقتضيات هذه اللعبة الأميركية الوسخة التي ينفذها هذا النفر من قيادات عصر الرداءة والانحطاط الذين لن يذكرهم التاريخ إلا في صفحة سوداء تخجل بها أجيالنا الآتية؟!
.. وأين سيكون هؤلاء غداً متى عاد “الكبار” إلى “الحوار” فتوافقوا.. وربما على سليمان فرنجية بالذات؟!
أم إنهم يريدون الحرب فقط لأنها وسيلتهم الوحيدة للبقاء في مواقع السلطة والتسلط، الحكم والتحكم، الاتجار بالطائفية وبالنفايات السامة؟!
وهل نقتتل، كرة أخرى، لنبقيهم، على حسابنا وحساب لبنان؟!
في أي حال، إنها الحرب الأخيرة لحكم الانقلاب الكتائبي، الذي جاء على دبابة إسرائيلية، ويحاول أن يبقى الآن بالاتكاء على قرار أميركي قابل للتعديل في أي وقت.
والحرب تحتاج إلى “جيش” ليس في عداده هؤلاء، وإلى سلاح أمضى بكثير من سلاح القرار المؤقت لدول لا تعترف إلا بمصالحها.
.. وها هو مصير ضياء الحق يعطي الدليل لمن يعوزه الدليل،
فمن لا يعرف حقيقة حجمه، ولا يتقن قراءة المتغيرات التي تستولد عالماً جديداً، ولا يتكيف بالسرعة المطلوبة مع حقائق الحياة والعصر، والتاريخ والجغرافيا، سيكون “ضحية” الحرب بينما هو يحسب نفسه فارسها المغوار.

Exit mobile version