طلال سلمان

على الطريق حرب على الاصلاح السياسي وليست حرباً ضد سوريا!

الحكاية هي هي، تعاد وتستعاد مع كل “بطل” يعقد له لواء القيادة في “الشرقية”، يلتفت إلى دمشق بطلب درع التثبيت، إذا ما ترددت أو اعترضت أو رفضت، كان القرار بتجديد الحرب حتى إشعار آخر!!
من بيار الجميل إلى بشير”الوعد”، ثم من بشير الجميل إلى “الأمين” ومغامرة الإنقاذ، ومعه لا بعده سمير جعجع، وأخيراً وليس آخراً العماد ميشال عون: ما أن يستتب الأمر لواحدهم في “الشرقية” حتى يتوجه إلى دمشق مطالباً باعتمادهالمرجع والرئيس والمحاور الأوحد في لبنان، يعطيها ما لا تطلب إذا شاء ويمنع عنها أدنى حقوقها إذا أغضبته بالتمنع!
فـ “البطل” في “الشرقية” هو “لبنان”! هو القرار الوطني المستقل! هو الدستور وهو النظام وهو الكيان! هو السيادة وهو الاستقلال وهو الحرية! لا أحد ولا شيء خارجه! معه الاتفاق يكون وفاقاً وإجماعاً، ومن غيره لا تكون إلا الحرب المفتوحة لكل دول الأرض ولكل الصراعات فيها ولينتصر الأقوى…
ولقد مات الشيخ بيار الجميل من قبل أن يعثر على المحاور في الشطر الآخر من لبنان،
… ولم يكن بشير الجميل بحاجة إلى أي محاور، لا في بيروت المحاصرة بقوات الغزو الإسرائيلي، ولا في قيادة المقاومة الفلسطينية التي أخرجها الإسرائيلي على آسنة الحراب… العربية، ولا حتى في دمشق المشغولة آنذاك بتوفير أسباب الصمود والاستعداد لمرحلة ما بعد غزو بيروت.
وقضى بشير الجميل في اللحظة التي افترض فيها إنه قد حقق المستحيل: فهو قد استغنى عن سائر اللبنانيين ومعهم سوريا بإسرائيل، وعن العرب مجتمعين ومعهم إسرائيل بالولايات المتحدة الأميركية.
أما أمين الجميل فقد جرب الطريق بالمقلوب: من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، ومن إسرائيل إلى العرب بغير سوريا، ثم إلى سوريا من دون سائر العرب ومن دون سائر اللبنانيين، وانتهى به الأمر وحيداص يمضي عزلته في وحشة القصر الجمهوري مقاطعاً من حكومته ومن أكثرية المجلس النيابي ومن اللبنانيين إلا أقلهم،
… هذا قبل أن ينقلب السحر، نهائياً، على الساحر فيصير أمين الجميل شريداً طريداً يسلي غربته بدراسة اللغة الإنكليزية.
الحكاية هي هي: من ضمن من قيادات المارونية السياسية (أو العسكرية) السيطرة داخل حدود “الشرقية” اعتبر أنه قد “حاز” لبنان كله، وبات من حقه أن يكون “الرئيس” وأن يتصرف في أي حال على أنه “الرئيس” حتى من قبل أن ينتخبه البرلمان.
مات الملك ، عاش الملك، لا يهم كيف مات الأول وكيف جاء الثاني! المهم أن يتم الأمر كله داخل نطاق “الشرقية”، وبتحديد أدق داخل نطاق الطائفة الممتازة . فالطائفية تصفي حسابها مع “المرتد” إيلي حبيقة فتخرجه من صفوفها. وللطائفة وحدها حق معاقبة أمين الجميل على رحلة اليوم الأخير إلى دمشق.
وباسم الطائفة ولحماية مصالحها وضماناتها يحق لميشال عون أن “يؤدب” سمير جعجع، وأن يحد من دائرة نفوذه بغير أن يلغي وجوده. أليس العماد هو ممثل “الشرعية” المختلسة في ربع الساعة الأخير لأمين الجميل في القصر؟!
إذن، هو “الرئيس” طالما إنه هو بشخصه المتماهي مع “الشرعية”، هو النظام، هو الكيان، هو لبنان.
وطالما إنه “لبنان” فالمحاور – إذن – سوريا وليس أي فرد أو تنظيم أو جهة أو مؤسسة في لبنان.
ودمشق أمام خيار محدد: تتفاهم سلماً أو يفرض عليها التسليم بالأمر الواقع! ولو بقوة المدافع.
إن هي رفضت ميشال عون محاوراً باسم لبنان، ومن موقع الممثل الشرعي للطائفة العظمى، أي “الرئيس”، كان عليها أن تقبله من موقع الخصم الذي يقاتلها رافعاً في وجهها شعار حرب التحرير من الاحتلال السوري!
لا يهمه موقف سائر اللبنانيين، أي الأكثرية الساحقة الماحقة. الشرقية هي لبنان. وفي الشرقية الطائفة العظمى. وفي الطائفة العظمى من يملك ورقة الشرعية، ولو كانت شكلية.
سائر اللبنانيين غير معنيين، غير موجودين، لا رأي لهم ولا قرار، فلماذا يهتم بهم؟! وماذا يهم أن يكونوا معه أو يكونوا ضده؟! أهملهم. لا ضرورة حتى لطرح مشروعك السياسي عليهم.
دمشق هي الخصم والحكم: إذا وافقته كانت الشقيق والجار المخلص الذي لا بأس من الذهاب في التعاون معه إلى حد عرض الاتحاد أو الوحدة… أما إذا اعترضت فهي العدو الذي لا عدو غيره، وقواتها جيش احتلال، ولا بد من القتال للتحرير واستعادة السيادة والاستقلال والعنفوان اللبناني الشهير!
وفق هذا المنطق لا وجود لأية مشكلة داخلية في لبنان،
تكون المشكلة متى تنازع على القرار الماروني أكثر من طرف، فمتى حسم الأمر انتهت المشكلة الداخلية وصارت المشكلة مع الخارج، وبالتحديد مع سوريا.
الإصلاح السياسي، المساواة، العدالة، تدارك الخلل في النظام. إعادة النظر في الصيغة، اعتماد الكفاءة شرطاً للوظيفة بدل المذهب.
هوية لبنان ودوره القومي في ضوء انتمائه وموجبات هذا الانتماء.
… واستطراداً الموقف من العدو الإسرائيلي ، من الاحتلال الإسرائيلي لبعض الأرض اللبنانية ولبعض الإرادة اللبنانية (والعربية) كل ذلك غير مهم: إذا فتحت سوريا الباب لـ “الرئيس” ميشال عون أمكن التفاهم على جميع هذه المسائل، وإذا هي لم تفتحه فهي المسؤولة وهي المتسببة في إدامة الحرب،
وفي هذه الحالة لا تعود الحرب “أهلية”، بل هي تصير حرباً مع الخارج الطامع والمحتل، تصير “حرب تحرير”!
ومع “حرب التحرير ” لا مجال للحديث في الاصلاح السياسي، ذلك حتماً أمر مرجأ، أقله إلى ما بعد “التحرير”،
ثم إن غير المشارك في حرب التحرير لا يحق له أن يتفلسف في شأن النظام! من لم يدافع عن الكيان السرمدي الأبدي الخالد، سقط حقه في الاعتراض على الصيغة الفريدة، وعلى احتكار السلطة فيها. فالكيان مثل النظام حق من حقوق الطائفة الممتازة! فصل على مقاسها، لا يتسع معها لغيرها، ولا يستقيم بل ولا يبقى من دونها.
هذا هو الرد على مطلب الاصلاح السياسي : حرب التحرير!
ومن أسف إن الطائفة الممتازة تتجاوز خلافاتها الكثيرة وتوحد صفوفها وتنتظم قياداتها المتعددة، السياسية والروحية والعسكرية، في مواجهة شعار الاصلاح بتبني منطق حرب التحرير،
تنسى أو تتناسى أو تسقط سهواً حقيقة أن ثمة خلافاً جدياً بين اللبنانيين حول النظام، برغم إن هذا الخلاف تسبب حتى اليوم في مجموعة لا تنتهي من الحروب، وإنه سيتسبب في المزيد منها، طالما ترك بلا علاج جذري.
وتقفز من فوق حقيقة بسيطة مفادها إن بعض هذه الحروب وقع داخل الطائفة الممتازة نفسها،
كل ذلك بوهم الدفاع عن الامتيازات ونظامها الفريد،
ومن اسف أيضاً أن بعض الحكام العرب لا يتذكرون خلافاتهم مع البعض الآخر إلا متى طرح اللبنانيون قضيتهم مع نظامهم، فترى هذا البعض يندفع إلى تسعير صدام دموي شعاره حرب التحرير، غافلاً عن إن الضحية هي ذلك المواطن اللبناني الرافع راية العروبة في لبنان والراغب في تدعيم انتمائه القومي بقدر ضروري من الاصلاح في نظامه السياسي!
ليس ميشال عون فارس حرب التحرير، ولا هو يطلبها بالفعل، ولكنه يطلب الرئاسة، ورئاسة النظام القديم نفسه، فإذا ما لوح له بها رمى الشعارات خلفه وداس على حلفاء اللحظة وهو يتقدم نحو المنصب الفخم،
إن أفضل وسيلة للدفاع عن الهجوم… هكذا تعلم العسكري ميشال عون،
وهو يهجم الآن على دمشق ليسقط مطلب المطالب بالحد الأدنى من الاصلاح في لبنان.
ودمشق أمنع من أن يطالها سيف ميشال عون، وأقوى من أن تهز صمودها القذائف على شتورة وسعدنايل وجلالا وتعلبايا ومكسي وسائر قرى طريق الشام في البقاع،
لكن مطلب الاصلاح السياسي هو الذي يستصرخ الآن حماته وحملة راياته،
وبطبيعة الحال فليس “الإسلام السياسي” هو المعني بمعركة الاصلاح، بل هو قد يصل في معارضته للاصلاح إلى حد تبني “التحرير” ولو بالصمت،
ولعل هذا أكثر ما يدفع العماد عون إلى مزيد من التهور،
… والتهور يدفع ثمنه اللبنانيون جميعاً، بمن فيهم الطائفة العظمى، فالحرب ضد الاصلاح يمكن تحويرها إلى حرب تحرير حقاُ، ولكن حرب تحرير لبنان من اللبنانيين!
ومتى اطمأنت الطائفة العظمى إلى طي شعار الاصلاح فما أسهل من أن تنتقل من حرب التحرير التي تشن الآن ضد سوريا إلى عرض متجدد بالاتحاد معها!
… ولكنها في كل الحالات، ومع الأسف، ترفض الاتحاد أو الوحدة الطبيعية مع سائر اللبنانيين،
إنها حرب على اللجنة السداسية العربية أيضاً، بهدف تزوير مهمتها وإفراغها من مضمونها.
فالمعروف إن اللجنة لم تشكل أصلاً إلا لأن هناك مشكلة لبنانيثة – لبنانية، مظهرها عدم انتخاب رئيس للجمهورية لكن محتواها يكمن في الخلاف حول الاصلاح وحقوق المواطنية والهوية والانتماء العربيين.
ولم يعقد مؤتمر لوزراء الخارجية العرب في تونس إلا بسبب وجود هذه المشكلة، ولم تعقد اللجنة السداسية جولتي محادثات حتى الآن وهي تستعد للجولة الثالثة إلا تحت هذا الشعار.
إنها حرب على الاصلاح، وليست حرباً ضد سوريا،
وهي حرب على هوية لبنان وليست حرباً على علاقته المميزة مع سوريا،
وهي حرب بشير الجميل ذاتها،
فالحكاية هي هي، وإن كانت تعاد وتستعاد – عبر بهورات الجنرال – كاريكاتورياً الآن.
لكنها مع الأسف تدمي القلوب ولا تضحك أحداً.. حتى المجانين!

Exit mobile version