طلال سلمان

على الطريق حرب ضد الغد

ليس أدل على نجاح “كامب ديفيد” من الوضع الذي تعيشه مصر في ظل نظام السادات.
فـ “السلام” الذي حققه السادات واعتبره “إنجازاً تاريخياً” مذهلاً يعطيه الحق في تشبيه نفسه بالنبي تارة وبعمر بن الخطاب تارة أخرى، كلف مصر أن تشارك فعلياً وبقواتها المسلحة مباشرة في عدد من الحروب القذرة ليست أولاها ولن تكون آخرها هذه الحرب التي يعد لشنها السادات ضد الجماهيرية العربية الليبية.
فإذا ويلات “السلام” الساداتي أمر بكثير وأخطر بكثير من ويلات الحرب ضد إسرائيل، بشهادة عدد كبير من مستشاري السادات ومساعديه والمعجبين، بمواهب “ألرئيس المؤمن”.
ففي ظل “السلام” الأيمركي – الإسرائيلي – الساداتي، لا قبله، تحركت قوات من الجيش المصري لتقاتل ضد طموحات عدد من الشعوب العربية والأفريقية: من تشاد إلى زائير، ومن مسقط وعمان إلى حرب 1977 ضد ليبيا، من غير أن ننسى الصومال وأوغادين والحرب الجديدة المحتملة ضد السودان وأثيوبيا إذا ما استمرت المحاولة لسرقة مياه النيل منهما لحساب إسرائيل.
وفي ظل هذا “السلام” فرض على شعب مصر أن يخوض حرباً مفتوحة ضد الجوع، وأن يعيش أزمات حياتية خانقة شملت مختلف نواحي الحياة من التموين إلى المواصلات إلى السكن، إضافة إلى انعدام الخدمات العامة والهبوط المريع في مستوى التعليم والبطالة التي تفرض على نخبة شباب مصر أن يهاجروا ليبيعوا عضلاتهم وعقولهم إلى الآخرين.
وفي ظل هذا “السلام” أيضاً فرض السادات على شعب مصر أن يعيش أجواء طائفية كريهة يعمل النظام جهاراً نهاراً على تأجيجها ودفعها في اتجاه الحرب الأهلية التي لم ينجح لا الاستعمار التركي ولا الاحتلال البريطاني ولا مؤامرات العدو الإسرائيلي ولا العدوان الثلاثي (سنة 1956) في زرع بذورها السامة.
وفي ظل هذا “السلام”، أيضاً وأيضاً فرض السادات على شعب مصر أن يعيش عزلة خانقة عن إخوانه العرب، وعرضه لأن يعامل معاملة أقل ما يقال فيها أنه لا يستحقها بتراثه ودوره النضالي العظيم.
وها هو السادات يحاول جر شعب مصر وجيشها (بطل العبور) إلى حرب قذرة جديدة ضد أخوته الليبيين، لا لسبب إلا الاستمرار في إلهاء شعب مصر وصرف أنظاره عن المتسبب الحقيقي في أزمته الوطنية والقومية وفي مأساته الحياتية المفجعة.
لقد أقفل السادات مصر بوجه العروبة وبقيت الحدود الغربية وحدها مصدراً للإزعاج والإقلاق وتذكير الناس بالحقيقة الباقية والخالدة، أي بانتمائهم القومي وهويتهم الأصيلة، فلا بد إذن من إقفال هذه الحدود ولو ببحر من الدم لتصبح مصر كإسرائيل: جزيرة معادية لكل من حولها ولا باب لها إلا على “الأصدقاء” في ما وراء البحار.
على هذا فهي حرب ضد العرب والعروبة والانتماء القومي هذه التي يحضر السادات لشنها ضد ليبيا وثورتها وجيشها وشعبها المرتبط بشعب مصر بأوثق الوشائج وأمتنها إضافة إلى وحدة المصير.
إنه يريد تحويل الأخوة على أعداء بينهم خنادق من الحقد والضغينة والثارات، بينما يمرح الإسرائيليون (بعد الأميركيين طبعاً) في طول مصر وعرضها، وكأنهم أسيادها وملاكها بالوراثة!
فمعروف أن قبائل الصحراء الغربية (في مصر) لها امتدادها داخل الحدود في ليبيا (ذلك إننا ايام إن كنا قبائل لم نكن نعترف بالحدود الدولية المقدسة!!)، ومعروف بالتالي أن الحرب ستجعل “أولاد علي” المصريين – على سبيل المثال – يقاتلون ضد ويقتلون “أولاد علي” الليبيين. هذا بشكل حسي ومباشر. ومن بعد الحرب وفي جوها يجرؤ على تذكر صلات الرحم والقربى مع “الأعداء الطامعين”!
إن القوى المعادية للأمة تفتعل الآن لها مجموعة من “الحروب الصغيرة” تشغل بها أقطارها من عدوها الواحد، عدوها القومي، إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأميركية. لكن السادات يضيف بعبقريته ويطورخطة أعداء الأمة بافتعال سلسلة لا تنتهي من الحروب داخل مصر، فإذا هدأت فتح “الجبهة” مع ليبيا!
وبهذا المعنى فإن حرب السادات ضد ليبيا هي حرب جميع القوى المعادية ضد جميع القوى الوطنية والقومية التقدمية والطامحة إلى التغيير الثوري.
أنها حرب ضد الغد، غد مصر وأمتها، بمقدار ما هي حرب ضد حقائق الحياة وطبيعة الأشياء.
وسينتصر الغد وبشعب مصر، ذاتها، وبجيش مصر ذاتها الذي يحاول السادات عبثاً أن يشغله عن الأزمة الوطنية وعن المأساة التي يحاول فرضها عليه بتحويله من حصن للأمة ومفخرة لها إلى ما يشبه “المرتزقة” تخوض معارك الغير بأجر رخيص.
لكن شعب مصر يعيش حالة صحية ممتازة، ونبضه مسموع في أربع رياح الأرض العربية، وحركته آتية تبشر بها إرهاصات كثيرة،
وجيش مصر لن يكون إلا جيش مصر وأمتها،
وفي هذا العدد من “السفير” أكثر من دليل على سلامة مصر، بشعبها وجيشها، وأنها قادرة بعد – على لعب دورها الطبيعي في صنع الغد العربي الأفضل،
والمنشور هنا هو القليل القليل مما يجري هناك في مصر، وهو كثير وعظيم الأثر ومصيري بنتائجه التي ستنعكس خيراً على هذه الأمة المجيدة.

Exit mobile version