طلال سلمان

على الطريق حرب تحديد الخسائر!

هو “مؤتمر أميركي” بالكامل هو الذي تسعى الولايات المتحدة الأميركية لعقده تحت لافتة “السلام” كمدخل لتسوية الصراع العربي – الإسرائيليز
إنه يعقد لأسباب أميركية، وبمواصفات أميركية، وبتوقيت أميركي، وبتحديد أميركي لمواقع الأطراف المعنية ولسقف مطالب أي طرف فيه.
ومن الخطأ الفادح أن يرى فيه “العرب”، وبغض النظر عن شروط انعقاده، تلبية أميركية لمطلب عربي، أو انتصاراً على إسرائيل في الساحة الأميركية.
إن جيمس بيكر يقاتل مع رئيسه جورج بوش من أجل تحقيق مصلحة أميركية محددة، وفي لحظة سياسية مؤاتية، وبينما أطراف الصراع لا تملك فرصة للرفض المطلق متمسكة بشعاراتها وأهدافها في مرحلة ما قبل النصر الأميركي الباهر (والمجاني) في حرب الخليج، وما قبل الانهيار الأخير والشامل للشيوعية ونظامها في الاتحاد السوفياتي، والذي استتبع اضمحلال الاتحاد السوفياتي نفسه كشريك من موقع القوة العظمى.
ربما لهذا، في جملة أسباب أخرى، يخوض بيكر معركة متعددة الجبهات، مع معظم الأطراف، في آن، بما في ذلك الطرف الذي كان يصنف دائماً كحليف استراتيجي، أي إسرائيل.
لقد تبدلت الدنيا، وتغيّرت الأدوار، وانتفت الحاجة إلى مهمات و”خدمات خاصة”، وصار بالإمكان – بالتالي – أن يحور في وظيفة المؤتمر ذاته الذي كان مجرد انعقاده بعيد المنال فغدت نتائجه المبتغاة موضع نقاش.
لم يعد العرب فريقاً واحداً أو جبهة واحدة، بل صاروا أطرافاً تتمايز مصالح كل طرف منهم عن الآخرين، خصوصاً وقد فقدوا – بالرغبة أو بخطا التقدير أو بسوء السياسة – الرباط الذي كان يجمعهم حول قضية واحدة موحدة هي فلسطين.
والمعركة الأميركية مع الفلسطينيين الآن ليست حول “فلسطين”، ولا حول “دولتهم”، وإنما على “حقوقهم” في ظل الاحتلال الإسرائيلي، انتظاراً لاحتمال تطورها من “إدارة ذاتية” إلى نوع من “الوضع الخاص” لقومية أخرى أو عرق آخر أو أديان أخرى داخل الدولة العبرية.
ولأن ليس للأردن أرض محتلة، نظرياً، فليست له مشكلة جدية مع الأميركي، ومن ثم مع المؤتمر، والنقاش معه يتركز على وظيفته في إيصال الفلسطينيين إلى التسليم بالعرض الهزيل المقدّم لبعضهم، حتى لا يطالب بأن يكون هو “التعويض” عن الداخل والخارج معاً وتحويله إلى “الوطن البديل”.
أما مع سوريا فالمسألة أشد تعقيداً إذ يتداخل فيها العامل القومي والعامل الوطني.
ولا بد لكي “يرث” الأردن الفلسطينيين أن تسقط سوريا “فلسطينيتها” أي هويتها ودورها القومي، وهذا مستحيلن ولقد تسلم سوريا، ولأسباب قاهرة، بأن “جنوبها” الفلسطيني محتل، ولكنها لا يمكن أن تعترف بأنه هو ذاته قد صار “إسرائيلياً”، وبأن عليها أن تفاوض – بعد التسليم – على الجولان، وإلا كانت كمن يفاوض على دمشق.
من هنا هذه الحدة السورية الواضحة في الرد على طروحات بيكر، والتي تمثلت في مقاطعة فاروق الشرع له أكثر من مرة خلال المؤتمر الصحافي، فجر أمس، ليؤكد أن الجولان جزءاً لا يتجزأ من الأرض السورية، وإن سوريا لا يمكن أن تقبل أية رسائل سرية قد يستنتج منها إن واشنطن قد منحت أية ضمانات لإسرائيل حول احتلالها للأرض العربية.
الأمر مع إسرائيل أكثر تعقيداً، لأن وظيفتها في الاستراتيجية الأميركية قد تبدلت حكماً بالتبدل الجذري في الوضع العربي، أولاً، ومن ثم في الوضع الدولي.
إن “إسرائيل الكبرى” مشروع قديم أسقطته التطورات العالمية التي جعلت الكون يسلم أو يخضع للهيمنة الأميركية، أقله حتى إشعار آخر.
كانت المصلحة الأميركية في “إسرائيل الكبرى” أيام المنافس – المواجه – الشريك: الاتحاد السوفياتي ومعسكره الضخم المتقدم لمحاصرة نفوذ الولايات المتحدة والرأسمالية عموماً.
وكان تنامي القدرات العربية المعززة بدعم الاتحاد السوفياتي المهاب، يزيد من الحاجة إلى قاعدة أمامية تستطيع حماية المصالح الأميركية بالوكالة.
أما اليوم والعرب يطلبون الحماية من الولايات المتحدة ذاتها، ويعقد بعضهم معاهدات الحماية معها مباشرة، لضمان أمنه من “الشقيق العربي”، فليس ثمة حاجة إلى المضي في استعداء العرب المستكينين والمطالبين فقط برد العدوان واحتمالات التوسع الإسرائيلي عنهم.
ولذا فإن على إسرائيل أن تتوقف عن التعاظم، ولا بد من الحد من تنامي المشروع الإمبراطوري الذي كلما ثبتت أسسه في الأرض تزايد التململ الإسرائيلي إلى حد الخروج عن طاعة ولي الأمر الأميركي والمباشرة في تحقيق مشروعها الخاص.
إن الولايات المتحدة الأميركية هي التي تقرر حجم إسرائيل ودورها، حدود أرضها ومدى تطور قدراتها العسكرية، عدد سكانها واين يقيمون وكيف، ثم: شكل علاقتها بالعرب عموماً وبالفلسطينيين على وجه الخصوص.
ولا بد من انتصار أميركي واضح في هذه “الحرب” ليمكن عقد “مؤتمر السلام” العتيد،
إنه مؤتمر للخاسرين، وإن تفاوت حجم الخسارة، خصوصاً وإن العرب قد فقدوا في السنة الأخيرة الكثير الكثير مما كانوا يدخرونه لمثل هذا اليوم، فصار جل همهم أن ينجحوا – مرة أخرى – في تحديد الخسارة.
ولكن تحديد الخسارة ذاتها يحتاج إلى “حرب”… هي التي تخوضها سوريا الآن باسم العرب ونيابة عنهم.

Exit mobile version