طلال سلمان

على الطريق حرب الطوائف على أرضنا!

في ما يتخطى الحزن، فإن الدروس المستخلصة من حرب “الأخوة – الأعداء” في بيروت الشرقية هي هي المستخلصة سابقاً من حروب الأخوة – الأعداء في سائر مناطق لبنان، بيروته وجنوبه وجبله والشمال،
وفي ما يمتهن الحزن لقوة دلالته الهزلية إن كل طائفة قد أصرت على أن تخوض (أو تموت) تجربتها الخاصة، حربها الخاصة، وأن تدفع الثمن الفادح من “دمها الأزرق” الخاص، رافضة أن تتعظ بتجارب “شقيقاتها السابقات على طريق “مجتمع اللون الطائفي الواحد”.
كل من الطوائف أصرت أن تنتج “الفيلمط الممجوج نفسه، وأن تمثله وتندمج في تمثيله إلى حد استخدام الذخيرة الحية، والأسلحة كافة…ثم أصرت أن تعرضه وأن تحضره وهي تعرف سلفاً نهايته المأساوية ، وتعرف إن كل رعاياها يحفظون عن ظهر قلب السيناريو والحوار والمواقف والمواقع من أول الاقتتال (مع الآخر) إلى القتال ضد الذات!
كل طائفة أصرت أن تمثل دور “آكلة أبنائها”… تبدأ مثل “ستنا الغولة” بمحاولة التهام الآخرين، ثم لا تلبث أن تنتهي بنهش لحمها الحي!
والأخوة – الأعداء الذين اقتتلوا وقتلوا بعض “لبنان الحر”، أمس الأول وأمس، والذين سيعودون إلى الاقتتال غداً، وبعد غد، إنما يسقطون باقتتالهم أول ما يسقطون مبرر وجودهم… الطائفي!
فمن بدأ حامياً للطائفة ومدافعاً عنها ومنظماً “لمجتمعها” ولسبقها في “الحضارة” وضابطاً لاقتصادها وأمنها، وحافظاً لمالها حتى لا يشاركها فيه “الأخوة الفقراء” من أبناء الطوائف الأخرى… هذا الفارس الأسطوري العظيم سرعان ما يتحول إلى قيد، فإلى عبء ، فإلى قامع، فإلى قاهر وعازل، فإلى مانح للحل والسلام والسلامة الخاصة والعامة!
مرة أخرى، وعبر التجربة المرة الجديدة للطائفة العظمى، يثبت فشل الحل الطائفي، الثابت فشله من زمان،
فمن زمان سقطت أسطورة الوحدة الطائفية بديلاً عن وحدة البلاد بشعبها كله،
ومن زمان تهاوى منطق الميليشيا الطائفية كبديل عن الدولة، بجيشها وإداراتها، ومؤسساتها… الميليشيات التي تحصل للطائفة “الحقوق” التي تضيعها عليها دولة كل الطوائف، صارت مستودع “حقوق” الطائفة والدولة بطوائفها جمعاء!
ومن زمان ثبت – بالملموس – إن لا مجال لوحدة طائفة بذاتها، ولا إمكان لأن تحيا طائفة بذاتها وقد أغلقت عليها صدفتها حتى لا تشارك الآخرين ولا يشاركوها، وانصرفت إلى التخطيط لاستثارة مشاعر العداء لهم والاستعداد الدائم لإلحاق الأذى بهم وكأن ذلك هو مصدر خيرها العميم.
فالطائفة هي مركز استقطاب لكل أعداء الوطن والأمة، الدولة وشعبها، بطوائفه كافة!
والانشطار الذي يبدأ على أساس طائفي سينتقل بالنتيجة إلى داخل كل طائفة فيمزقها تمزيقاً،
فالطائفية بذاتها علة انقسام وجرثومة تفتيت، فكيف يمكنها التحول إلى بوثقة للوحدة، وعلى أساس طائفي!
إنها حرب الطوائف على أرضنا!
يبدأ الاقتتال بين الأديان، ثم بين الطوائف، ثم يتطور ليصبح انتحاراً جماعياً!
على إن كل طائفة تصر على أن تمارس انتحارها الجماعي منفردة… وبقرارها المستقل، بلا شريك! ولكل طائفة قرارها، وحرب القرار!
إنها حرب الطوائف على شعبنا!
فكيف يراد أن تقبل الطوائف المسلحة، وعبر نخبها الميليشياوية، بالإصلاح السياسي، أو بالعدالة والمساواة، أو بتطبيق حقوق الإنسان ذاتها؟!
فالطائفي هو ذاك الذي يغادر إنسانيته حينما يغادر شعوره الوطني وانتمائه القومي،
وبهذا المعنى فالطائفيون هم أدوات الخارج، وبالتحديد العدو القومي، سواء أكانوا مسيحيين أم مسلمين!
وبهذا المعنى فإن حروب الطائفيين هي حروب الآخرين على أرضنا… لأن الطائفيين هم الآخرون، هم الجحيم!
وبهذا المعنى فإن الاصلاح السياسي هو إنقاذ للوطن وللمواطنين بمن فيهم الذين يقتتلون أو ينتحرون باسم الطائفية وحقوق الطوائف!
لقد سقطت، من قبل، طوائف عدة ضربها هذا الداء الوبيل،
وها هي الطائفة العظمى تسقط الآن لأنها في نهاية المطاف ارتطمت بالدولة التي كانت دائماً دولتها، وبالجيش الذي كان دائماً جيشها، وبالنظام الذي كان وما زال (وسيبقى؟!) نظامها!
والحل لا يمكن أن يكون طائفياً، لأن الحرب هي الطائفية، واستمرار الطائفية لا يعني إلا استمرار الحرب!
هل هذه آخر حروب الطوائف على أرضنا؟!
هل هذه هي بداية النهاية لحرب الطوائف اللبنانية ضد شعب لبنان؟!
هل هذه نقطة البداية الضرورية لمشروع الحل المرتجى؟!
في أي حال، يظل الحزن على حل الوطن، الحزن على الأخوة في الأرض والوجود والمصير، الحزن على الذات والأجيال الآتية، الحزن على الحاضر والمستقبل، يظل هو السيد وهو الباقي بعد سقوط التفاصيل المهينة، التي تشعرك ترسباتها المرة بضآلتك وبنقص في جدارتك وحقك في أن تحيا عصر التقدم الإنساني المذهل على عتبة القرن الحادي والعشرين.
يظل الحزن على الأحلام، على الآمال والأماني العراض، على الإنسان، حياته، رزقه، كرامته وشرفه، أقوى بما لا يقاس من مشاعر الشماتة الرخيصة بهذه الطائفة أو تلك، أو بالطائفيين عموماً، من تنظيمات وأفراد يتاجرون بآلام “المجتمعات” الحرة أو المحررة أو التي برسم المحررة، والتي يراد تكريسها كفتافيت هزيلة تنقسم على ذاتها مرة كل شهر، أو كل أسبوع، وتظل غير قابلة للحياة في زمن الوحدات على مستوى القارة أو يزيد!
… وداعاً عصر الطوائف! وداعاً أيتها الطائفة العظمى، فكيف بالطوائف المحرومة من الحصانة والامتياز والمركز الممتاز؟!

Exit mobile version