طلال سلمان

على الطريق حرب أميركية على الأمة … والشعارات كالأدوات عربية!

كيف تخوض معركة، بل حرباً، لا ثقة لك في “أبطالها” المعروفين جيداً، ولا رأي لك في غاياتها وأهدافها المجهولة، ثم إنها تقرر مصيرك برغم أنفك وعلى حساب نضال أجيالك السابقة وحقوق أجيالك الآتية؟!
وأين تقف طالما إن شعاراتك ومبادئك تطرح في سوق النخاسة، يلوح بها طاغية لم تأتمنه يوماً عليها ولم تصدق لحظة إنه مؤمن بها ومخلص لها، في حين تجيء الدنيا الأميركية كلها لقتالك (أنت لا هو) بسببها وطلباً لثأر قديم لا يموت ولا يخفت صداه في صدور الصليبيين الجدد من أعداء هذه الأمة؟
وكيف يمكنك أن تكون رأياً فاقتناعاً فموقفاً وأنت تعيش حالة من التمزق والتشتت وافتقاد السبيل وسط غابة من الالتباسات تموه طبيعة الحرب التي تشن عليك،
فلا الحرب حربك ولا أنت بطالبها أو بقادر عليها، مع إنك ستحمّل مسؤوليتها وتدفع غرمها بينام أنت ضحيتها الوحيدة.
أنت بالقطع ضد “اليانكي” وضد “الإمبريالية” وضد “المستعمر” و”الأجنبي” الطامع من قبل صدام حسين ومن دونه.. بل لعلك كنت تحسبه على أولئك غالباً، ولاسيما من خلال حربه على الثورة الإسلامية في إيران، إضافة إلى حربه عليك في لبنان ونارها لم تخمد بعد.
وأنت بالقطع ضد الطغاة من رموز النظام العربي القائم، النفطيين منهم وغير النفطيين، خصوصاً وغنك لم تلق منهم إلا العسف والقهر والاذلال اليومي في خبزك وفي كرامتك الشخصية والوطنية والقومية.
وأنت تعلمت فآمنت إن طريق الوحدة تمر بفلسطين حكماً، ومن لا يقاتل العدو الصهيوني لا يمكن أن يكون وحدوياً أو معادياً للإمبريالية والاستعمار.. وكل الذين هربوا من ساحة العمل الوحدوي صالحوا العدو، وكل من هادن العدو كرس الانفصال وعزز أركان الإقليمية ثم غذاها بالنفط – متى وجد – فصارت عنصرية معادية للعرب الفقراء.
كيف حالك اليوم وأنت مضطر لأن تقاتل حامل شعارك من دون أن تسقط الشعار المقدس أو تسقط قدسيته على الأقل.
… ومضطر في الوقت ذاته لأن تتصدى للاحتلال الأميركي المباشر يجيئك اليوم وسط حملة كراهية شعواء عز نظيرها، ولكنها “مقننة” و”مشرعة” باسم الإرادة الدولية والمجتمع الدولي ومموهة براية الأمم المتحدة الزرقاء؟!
ثم إنك ترفض أي تبرير لهذا الاحتلال، برغم تسليمك إنه – في الشكل على الأقل – نتيجة لتصرف أخرق أقدم عليه النظام العراقي وليس سبباً وإن كانا يؤديان إلى النتيجة ذاتها،
كذلك فليست بمشفق على الحاكم الكويتي الذي خرج من أمته وعليها منذ زمن بعيد، وكان يتباهى على أهله الفقراء بثرائه ويذلهم في حاجتهم إليه، ويبخل عليهم بما يحمي الكرامة أو يسد الرمق، فكيف بما يحقق أحلام الوحدة والتحرر والتقدم للحاق بالعصر؟!
ولكنك في الوقت نفسه لا تقبل أن يصدر الحكم بإعدامه من نظيره الذي استذكر، اليوم فقط، أهله الفقراء، في حين إنه لم يتذكرهم أبداً وهو يهدر ثروة العراق القومية، ومعها بعض ثروة “حلفائه” الأغنياء – ومنهم الحاكم الكيويت إياه – على حروب لم تخدم إلا أعداء العرب.
… هذا بغير أن ننسى أن الاحتفالات بعيد ميلاده كانت تتكلف سنوياً عشرات بل مئات الملايين من الدولارات، ترمى للمنافقين في عواصم الشرق والغرب، إضافة إلى العواصم العربية، وفيها من المنافقين الكثير!
لست القاضي ولا المدعي العام، ولست حتى الشاهد،
أنت المخاطب، لكنك لست المعني بالقول وإن كنت المعني بالنتائج التي وفرت الخنجر المسموم لاغتيال الوحدة والتحرر وسائر مفردات الخطاب القومي القديم والمهجور!
لا تستطيع أن تصدق صدام حسين، وفي الوقت نفسه لا يمكنك أن تقبل نفاق جورج بوش الذي يكاد يدعي الآن إنه حامي حمى العروبة والإسلام، في حين تمخر أساطيله البحار وتنزل جيوشه على الأراضي المقدسة منتهكة حرمتها وتتقدم لقتال العرب والمسلمين… بفلوسهم وربما برجالهم وتحت أعلامهم ذاتها!!
وليس صدام حسين هو هدف الحرب وإن كان الذريعة.
فحملة الكراهية الشرسة التي تشن في أربع رياح الأرض أكبر وأضخم وأقوى بكثير من أن يكون هدفها صدام حسين.
والحرب على صدام لا تحتاج كل هذا الجهد ولا يمكن أن تستنفر كل هذا الحشد الكوني،
عليك الحرب، عليك كإنسان وكأمة ذات تاريخ وذات دور، ذات موقع وذات حضارة، وأخيراً ذات ثروة طائلة تتحكم بعجلة الإنتاج والتقدم في العالم كله.
أين تقف، وكيف تنقذ شعاراتك وأهداف نضالك؟
كيف تخرج من ليل الضياع والالتباس المودي باليقين؟!
قد يكون مبكراً قرارك بالذهاب إلى الحرب، وقد يكون تأخر دهراً عن موعده الأصلي،
لكن اللوحة ليست قاتمة بالمطلق، بل إن فيها أكثر من حزمة ضوء قد تساعدك على أن تتبين طريقك… وبين الأشعة الهادية:
*إن الأمة قد أثبتت عبر الارتجاج بفعل الصدمة إن مناعتها ضد الاستعمار الأجنبي بأشكاله كافة، ما تزال قوية.
لقد هبت الأمة ترفض الغزو الأميركي، برغم إنها لا تقر مسلك صدام حسين ولا تقبله… وبرغم كل شيء فهي المعنية بمحاسبة النظام العراقي وليس الكاوبوي الأميركي وإن كان بات اليوم في موقع سيد الكون، والقيم على النظام العالمي والذي يريد إعادة صياغة النظام العربي بما يتلاءم مع مصالح حقبة “السلام الأميركاني PAX AMERICANA”.
برغم كل ما مر عليها من محن، وبرغم كل محاولات التدجين والتطويع واستلاب الإرادة التي مارسها ضدها حكامها بشعارات مختلفة، فما يزال حسها سليماً وما يزال النبض قوياً، وما تزال قادرة على تحديد أعدائها: كل قادم عبر البحر طامع ومستعمر ومستعبد، سواء أكان إنكليزياً أم فرنسياً أم أميركياً مموهاً بشعار الأمم المتحدة.
*إن الأمة غير معنية بالدفاع عن الأنظمة القائمة، ولكنها معنية بالدفاع عن وجودها، عن أرضها وكرامتها وثروتها وحقوقها الطبيعية،
وبقدر ما هي لم تحزن أبداً على النظام الكويتي فإنها لن تشق ثوبها هلعاً على النظام العراقي إذا ما سقط،
… خصوصاً وقد تكشف لها إن الولايات المتحدة الأميركية ذاتها هي مصدر القرار بتغيير هذه الأنظمة المستهلكة،
لقد تحرك صدام ضد نظام واحد،
أما الولايات المتحدة فقد هددت بحملتها الصليبية الكونية الأنظمة جميعاً، وبداية تلك التي عاشت طويلاً على وهم التحالف مع واشنطن، أو تبادل المنافع والمغانم، وبينها نظام صدام حسين ذاته.
*إن الأمة ما تزال قادرة على التمييز بين ما هو قومي فعلاً وبين ما هو مزيف ومعد للاستهلاك القومي، وبين ما هو إسلامي فعلاً وبين ما هو مزور باسم الإسلام،
والقومية مثلاً الإسلام في الشارع وليست في مقاعد الحكم،
من هنا وبسرعة كشف المواطن خدعة الانعطافة الصدامية في اتجاه إيران،
فلا هو ذاهب إلى الإسلام، بل هو حارب الثورة الإسلامية ثماني سنوات طويلة،
ولا هي آتية إلى القومية العربية عبره، خصوصاً وإنه اضطر للتخلي عن شعاره القومي من أجل أن يصالح فيها “الشاه” وليس الخميني، فاتفاق سنة 1975 كان “إذعاناً” للشرطي الفارسي في الخليج وليس القبول به اليوم نصراً للإسلام والمسلمين.
الطريف إنه ذاهب إلى الحرب مع إيران الثورة والإسلام مستهلكاً أموال العراق وسائر العرب تحت شعار رفض اتفاق الاذعان (1975).
وها هو بعد عشر سنوات فقط، وبعد ملايين القتلى والجرحى والمشوهين والأرامل والأيتام والثكالى، وخسائر بمئات المليارات من الدولارات، يعود للإذعان لذلك الاتفاق المشؤوم، محققاً للإيرانيين نصراً لم يحلموا به ولعلهم لا يستحقونه.
… في حين إن ذريعة هجومه على الكويت إنها لم تعطه ما يكفي للحرب ضد إيران ثم لتعويضه بعض خسائره الهائلة فيها،
أي إنه استهلك مال العرب لمحاربة إيران،
وها هو يستهلكه مرة ثانية (مباشرة) أو يتسبب في استهلاكه وهو ذاهب إلى الصلح معها،
أين تقف، وأين موقعك الصحيح؟!
لن تطول حيرتك… فالأميركي هو الذي سيحدد ذلك كله، لآنه آت لقتالك أنت وليس لمجابهة “رابع أقوى قوة عسكرية في العالم” كما يقول عن صدام ليكبره في نظرك وليتمكن بالتالي من استعداء العالم عليك باستخدام الفزاعة العراقية.
والأميركي يصادر أرضك وثروتك وقرارك السياسي تحت لافتة الحرب على صدام،
وموقعك حيث يمكنك أن تقاتل الأميركي بغير أن تسقط في فخ صدام،
وبين أهداف قتالك اليوم أن تحمي العراق، ومعه الأمة، من الأميركيين ومن صدام معاً.

Exit mobile version