طلال سلمان

على الطريق حراسة الدكاكين

أخيراً قالوها صريحة وبلا مواربة: نريد إنزال الجيش لحماية الدكاكين!
… وكان منطقياً، من ثم، أن يحدد محافظ مدينة بيروت موقعه وموقع الدولة في بلاغه القاضي بمنع التجول، والذي لم يجد لتدبيره مبرراً غير حماية حرمة الممتلكات الخاصة!
لا البشر ولا الوطن، لا الحاضر ولا المستقبل، لا المؤسسات الديمقراطية ولا حتى النظام: لا شيء غير حرمة الممتلكات الخاصة!
ليقتل آلاف الآباء، ولتثكل الأمهات أبناءهن، وليقضي الأطفال عطشاً أو جوعاً أو رعباً، ليثقب الرصاص كل جسد، ولتفقا الشظايا العيون، ولتنسف “العبوات” هيكل الوطن… المهم أن تسلم الدكاكين، حتى لو مات أصحابها، فالدكاكين هي الأصل وما عداها زائل وقبض ريح!
قالها التجار، أخيراً، صريحة وبلا مواربة: نريد الجيش حارساً بلدياً لمحلاتنا!
وبهذا المنطق الرخيص كشفوا حقيقة “عواطفهم” تجاه لبنان كوطن، وتجاه اللبنانيين كشعب، وقبل ذلك كله تجاه الجيش كمؤسسة.
وهكذا اكتسبت المعركة حول دور الجيش أبعادها الحقيقية: فإذا هي بين من يريده سياجاً لوطن، وبين من يريده ناطوراً مسلحاً على باب دكان. من يريده قوة للوطن بوجه عدوه (وهو للمناسبة عدو قومي وحيد) وبين من يريده عصاة في يده يهش بها على الفقراء والمعدمين والمستضعفين في الأرض.
هل تجوز الأكذوبة، بعد، على الجيش؟
إن الكتائب تفاخر، الآن، بأنها “حمت” الأسواق التجارية!! وبغض النظر عن أسلوب الحماية وتكاليفها وكونها أدت إلى نسف بعض هذه الأسواق وإحراق البعض الآخر ونهب ما تبقى، فإن ما يبقى موضوع تساؤل هو: وأين الشرف في هذا الادعاء الرخيص؟! أين “الحزب”، وأين الله والوطن والعائلة؟
ولكنك في النهاية لا تستغرب منطق الكتائب، فلكي تكون الكتائب حزباً لا بد أن يقزم الوطن بحيث يصبح دكاناً بل دكاكين إرضاء لقاعدة 6 و6 مكرر، وحفظاً للطائفية التي بفضلها يتحول الوطن إلى سلعة برسم البيع، ويتحول أبناؤه إلى ضحايا بلا قبور.
ويبقى السؤال: واين مصلحة الجيش في هذا كله؟
هذا طالما يقيناً نفترض أن الجيش غير الكتائب، وإنه – كمؤسسة – أرقى منها بكثير، لأنه أقل طائفية وبالتالي أقرب إلى فكرة الوطن.
ولا يضير الجيش (أو لبنان) في شيء أن تحتكر الكتائب شرف حراسة الدكاكين.
فهي، في التحليل الأخير، من أجل هذا كانت، وباسم هذا بقيت، وفي محاولة لوقف التاريخ تقاتل الآن على الأوضاع التي أنجبتها، تستمر فتستمر هي معها… في ظل نفوذ الدكاكين.

Exit mobile version