طلال سلمان

على الطريق حديقة الورد وحبر التوقيع الملكي!

للملوك حديقة الورد في البيت الأبيض، وهي قد تعوّض ضيف اليوم الهاشمي تقلبه على الشوك العراقي منذ انحيازه إلى صدام حسين في مغامرة غزو الكويت بكل الأوهام التي كانت تحملها والتي أنهتها الحقائق الباردة بل القاتلة لـ “عاصفة الصحراء” الأميركية.
لا مجال للشريف حسين الثاني في أن يستعين ما فقده الجد الكبير، الشريف حسين الأول، وعرش في اليد، ولو في الأردن، خير من عرش على شجرة الأحلام والذكريات في الحجاز التي استعار ابن سعود لنفسه فيها اللقب الذي كان منحه لنفسه سلاطين بني عثمان، الغرباء: خادم الحرمين الشريفين!
الملوك لا يتردّدون : الواجب تجاه العرش يتقدم على مصلحة الوطن، فالوطن هو بالأساس مجرد مكان لتبرير وجود عرش وملك. وإذا كان الخيار الوحيد المتاح هو بين “أردن فلسطيني” متهالك ومهدّد بالتمزق في أي لحظة، وبين “أردن هاشمي” تحت المظلة الإسرائيلية، فالتردد مخاطرة غير مأمونة العواقب،
في الماضي كان العرض الإسرائيلي الاضطراري: اقتسام فلسطين، أما “أمر اليوم” فهو اقتسام الفلسطينيين لإلغائهم كشعب وتحويلهم إلى مجموعة من الجاليات الأجنبية والأقليات.
وفي الماضي كانت إسرائيل تكتفي بأن يلعب الأردن دور العازل والواقي من الصدمات، إضافة إلى تعهده بضبط “فلسطينييه”، أما اليوم فهي تطالبه بأن يكون الجسر والبوابة والمسوّق عربياً، لاسيما حيث لا يقدر ولا يفيد “ياسر بن أبيه” الفلسطيني.
للملوك حديقة الورد في البيت الأبيض والاحتفال العالمي المهيب لذلك الحشد من شهود الزور والفضوليين ومسجلي وقائع أو يوميات التاريخ المضاد،
وبين شهود الحال أو شهدائه سيكون لبنان المضرج بدمه، وسيعجزه ضعفه عن إطلاق الصرخة – اللعنة: قايين، قايين، ماذا فعلت بأخيك؟
لكن من حق لبنان أن يسأل اليوم: أترى كان الاجتياح الإسرائيلي بالنار، قبل سنة تماماً، هو التقديم الذي لا بد منه لكل هذا الذي جرى ويجري من اتفاق الخلسة في أوسلو والذي توّج من بعد في القاهرة، إلى الإعلان عن الاتفاق القديم في لقاء الشونة على البحر الميت، والذي سيتوّج اليوم، كما اتفاق غزة – أريحا، في احتفال ملكي بواشنطن الجمهورية والتي باتت مجرد صالة ترانزيت أو صالة شرف لقاصدي إسرائيل.
أمن الضروري أن يؤخذ من دمه الحبر اللازم للتوقيع على صكوك الإذعان؟!
ألا يكفي كل ما سأل من دماء عربية، من قبل، في مصر وسوريا والأردن وفلسطين ذاتها، إضافة إلى لبنان؟!
هذا هو “العربي” الثالث، إذاً، يمد يده لمصافحة عدو وجوده ومصيره، سابقاً، وضامن حاضره ومستقبله، لاحقاً.
والشرط قاطع في وضوحه للآتي اليوم كما لسابقيه وللاحقين، متى أتوا: تبقى العروبة في الخارج. فالانتساب إلى “الشرق الأوسط الجديد” الذي يؤلفه شيمون بيريز، تحت رقابة رابين والرعاية الأميركية، يفرض الخروج من الهوية القومية، من التاريخ السابق من الذاكرة العتيقة والمجهدة، من الموروث المتطرف والمتخلف، على حضارة النظام العالمي الجديد حيث الهوية مسألة جغرافية وشأن اقتصادي أما الموقع السياسي فتقرره طبيعة الصلة مع الإسرائيلي.
وفي الشرق الأوسط مظلة أمنية وحيدة من أظلته سلم، ومن بقي خارجها لم يأمن لا على رزقه ولا على حياته. وها هي المظلة الإسرائيلية تنفتح على مداها، فتظل المساحة ما بين مغرب الشريف الآخر، الحسن الثاني، وخليج عمان، في قعر الجزيرة العربية، وتمنح الأمان للشريكين في السكان (غزة – أريحا ومملكة الضفة الشرقية)، وكذلك للجار الكبير الذي بات مثل فيل عجوز يخاف ولا يُخيف، يدور على نفسه ولا يتقدم، ويقوم بمهمات الحراسة فيقطع الاتصال بين المشرق والمغرب. ويعزل أفريقيا العربية عن بر الشام والجزيرة والخليج.
وفي العادة يستفيد الأطراف جميعاً من الرئيس المصري كعلبة بريد أكثر منه كحامل رسائل، خوفاً من تحريفه النصوص إما لاعتبارات عاطفية أو لقصوره في القراءة والاستنتاج السياسي. فهو إذا كان يرتعد جزعاَ من الإسرائيلي لأنه يرى في يده مفتاح مساعدات الخبز الأميركية، فإنه يتهيّب صلابة النموذج الذي عجز عن إتباعه، ممثلاً بالموقف السوري، وتبهره شخصية الرئيس السوري حافظ الأسد فيحاول جاهداً أن يكسب ثقته وإن عجز عن التمثل به.
للملوك حديقة الورد، ولليهود فلسطين كلها، أرضاً ومياهاً و”شعوباً” موزعة على برازخ من التراب الوطني الفلسطيني الذي عجز العرب عن تحرير أي شبر منه فأقيمت سلطة الحكم الذاتي فوق ما أعطي منه محصوراً بين معبرين قاتلين،
ويمكن للإسرائيليين، أو لليهود الآن، أن يقولوا أنهم قد اشتروا كل شبر من فلسطين، فلكل توقيع ثمنه، بغض النظر عما إذا كان الدفع نقداً أو بالتقسيط، أو عما إذا كان التمويل سعودياً بالأساس. فمن امتنع عن الدفع للانتفاضة، بالأمر، سيدفع بالأمر لسلطتي الحكم الذاتي على جانبي النهر المقدس.
والآن هيا إلى التلفزيون لتتفرج على الحفل الملكي لقيام الشرق الأوسط الجديد الذي تقطنه أقوام كثيرة بينها بعض العرب، والذي يعطي فيه من يملك لمن لا يستحق، أما الحساب فتتحمله شهامة ملك عربي آخر ليحمي عرشه هو الآخر من احتمالات تغيير قد تأتيه من حيث كان يفترض دائماً أنه مصدر الأمان.
فواشنطن الإسرائيلية ليست رحوماً كواشنطن الأميركية.

Exit mobile version