طلال سلمان

على الطريق حجر لمستر شيفتر!

لم نكن نعرف عن حرص الولايات المتحدة الأميركية على حقوق الإنسان ما يكفي حتى تناقلت الأعلام العالمية، يوم أمس، “النطق السامي” الذي تفوه به المستر ريتشارد شيفتر!
وريتشارد شيفتر، لمن لا يعرف، يشغل منصباً استثنائياً في إدارة رونالد ريغان استحدثته الحركة الصهيونية وأطلقت عليه تسمية “مساعد وزير الخارجية لشؤون الإنسانية وحقوق الإنسان”!
ويتضح من التسمية إن البيت الأبيض يعتبر نفسه، قبل الأمم المتحدة وقبل الصليب الأحمر الدولي وفوق جميع الهيئات والمنظمات الدولية المهتمة بالإنسانية وحقوق الإنسان، المرجع الصالح لمثل هذه الأمور،
فالبيت الأبيض، ولاسيما في ظل ريغان، كان مصدر الأعمال الخيرية جميعاً، وعلى نطاق العالم كله، من غرانادا وسائر أنحاء أميركا الوسطى وبينها نيكاراغوا وبنما والهندوراس، إلى لبنان (حتى لا ننسى نيوجرسي، واتفاق فيليب حبيب وقبله الاجتياح الإسرائيلي)، إلى الخليج العربي وأسطول الحماية الذي يحمي استمرار تدفق النفط العربي إلى خزاناته الأميركية والغربية عموماً، من دون أن يوفر الحماية الفعلية لأي عربي، حاكماً كان أم محكوماً!
والبيت الأبيض الذي أرسل أساطيله لضرب الجماهيرية العربية الليبية، ونفذ عملية عسكرية موصوفة تستهدف مباشرة اغتيال قائد ثورة الفاتح وإبادة أسرته ومن جاورها من المواطنين والعرب العاملين في ليبيا، والذي ثبت ضلوع أجهزته في العديد من محاولات الاغتيال لشخصيات سياسية وروحية في لبنان، بالسيارات المفخخة أو بالمسدسات الكاتمة للصوت،
هذا البيت الأبيض نفسه يرعى “الإنسانية وحقوق الإنسان” ويحميها،
التسمية “حركية”، فهي تعني “شؤون الصهيونية وحقوق الإسرائيليين”!
طبعاً، يمكن لهذه “المساعدية” أن ترعى أيضاً وتنظم الحملات ضد الشيوعية والاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، ولكنها حتى في مثل هذه الحالة فإن منطلقها دائماً وأبداً هو مصالح الصهيونية ودولتها إسرائيل و”رعاياها” المزعومين من “يهود الشتات”!
ما علينا! البيت الأبيض حر، بل هو مربط خيل زعامة العالم الحر، ومن حقه أن يرعى شؤون الإنسانية بالأساليب التي يراها (طائرات ب 52 في فيتنام، طائرات اف – 16 في إسرائيل، طائرات أ ف 111 وآي – 6 – وآي 7 في طرابلس الغرب وبنغازي أما في سماء لبنان فقد تعرفنا مباشرة أو بواسطة إسرائيل إلى ما تبقى في الترسانة الأميركية الجوية ومنها سكاي هوك والفانتوم ومسلسل “الاف” الذي تدرب فينا كأهداف حية…)،
ثم إنه قد يحمي حقوق إنسان بالذات بإبادة إنسان آخر، “فالتضحية” هنا ببعض الناس واجبة لتأمين حقوق الإنسان وتوكيد إنسانية المنفذين!
ما علينا، مرة أخرى، فلله في خلقه شؤون وللبيت الأبيض في “الإنسانية” شؤون، وإنا لله وإنا إليه راجعون!
ما يعنينا هو “النطق السامي” للمستر ريتشارد شيفتر حول انتفاضة شعب فلسطين في أرضه والذي يلخص هذه المعاني مجتمعة، ويجعل الإنسان العربي ينام قرير العين مطمئناً إلى وجوده ومستقبله وليس فقط إلى حقوقه الطبيعية كالأكل والشراب والتناسل والموت جوعاً أو قهراً!
يقول المستر شيفتر، ما ترجمته بالحرف:
“في رأينا إن ليس لإسرائيل فقط الحق بل عليها واجب المحافظة على النظام العام، أو أعادته في الأراضي المحتلة، واستخدام مستويات مناسبة من القوة لتحقيق ذلك الهدف…”.
… وإسرائيل ملتزمة بهذا المنطق الشيفتري، كما يرى العالم أجمع يومياً: فهي تقتل الأطفال والنساء، وتدفن الشباب أحياء، وتكسر أيدي الفتية جهاراً نهاراً وأمام عدسات مصوري الصحف والتلفزيون، وهي تفرض حرب تجويع حقيقية على الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي تمنع التجول في أنحاء مختلفة لمدة ثلاثة أيام متصلة، وهي تقطع جميع أسباب الاتصال ووسائله، وهي تقتحم البيوت وتقتل الأمهات أمام عيون أطفالهن، وهي تغلق الجامعات والمدارس، وهي تعتقل الآلاف كيفياً، وهي تهدد بلسان كبار المسؤولين فيها بسحق شعب كامل واقتلاعه من أرضه الخ…
ولسنا ندري ماذا ستقرر إسرائيل من مستويات مناسبة من القوة بعد، استجابة للمستر ريتشارد شيفتر وإثباتاً لالتزامها بمهام منصبه، شؤون الإنسانية وحقوق الإنسان”!
ثم إننا لا ندري كم تكون حصة لبنان باللبنانيين فيه والفلسطينيين من هذه “المستويات المناسبة من القوة” المحققة لإنسانية الشيفتريين في الولايات المتحدة وإسرائيل والضامنة لحقوق الإنسان في مدى السلاح الجوي (والبحري) والبري وما تبقى من أسلحة الدمار الإسرائيلية!
من يدري، ربما اقترح الإنساني العظيم ريتشارد شيفتر أن تكون القنبلة الذرية الأميركو – إسرائيلية هي المستوى المناسب، إنسانياً، للعرب داخل فلسطين وخارجها، وربما اقترح استخدامها لكي تهيئ “المناخ” لننال في ظله حقوق الإنسان!
على إن ملوكنا وقيادتنا الفذة لم يفقدوا الأمل بعد في أن “يصحو” ضمير البيت الأبيض، وفي أن يرأف بنا المستر شيفتر، وها هو جورج شولتس يعود إلينا متحملاً المشاق ووعثاء السفر وعناءه لكي “يقنع” الإسرائيليين بأن ينفذوا وصايا مساعده الأمين فتحقق التسوية العادلة والشاملة، ويهنأ بال الفلسطينيين بنيل حقوقهم… بعد الاستشهاد!
نظام إسرائيل العام أهم من شعب فلسطين والأمة العربية جمعاء!
ونظام أنظمتنا العربية هو – للمناسبة – أهم أيضاً من الانتفاضة وشعب فلسطين وحقوقه والأمة العربية جمعاء!
فانتظموا أيها الأطفال، وإلا جاءكم مستر شيفتر!!
ارموا الحجارة، يا أطفال، حرصاً على المشاعر الإنسانية الرقيقة للمستر شيفترن واهجروا المقلاع فهو ليس ما نصت عليه شرعة حقوق الإنسان التي يترجمها المستر شيفتر بالمستويات المناسبة من القوة التي ترتئيها إسرائيل حفظاً للنظام العام!
في أي حال، لنناقش الأمر موضوعياً: ترى هل يستحق المستر شيفتر أن نلقمه حجراً أم حجرين أم ثلاثة؟!
… مع التمني بأن يكون بين الحجارة واحد من جبل عامل ومن كفررمان على وجه التحديد!

Exit mobile version