طلال سلمان

على الطريق حتى يبقى للسلاح شرفه

بقدر ما كانت معركة الدامور – الجيه ضرورية فإنها كانت اضطرارية وكريهة على قلوب الذين خاضوها من مقاتلي المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية.
فلا “الفدائي” أعد نفسه، أو أعدوه، ليقاتل في الدامور،
ولا المناضل الوطني كان يرى في المواطن ابن الجيه أو الناعمة أو الدامور خصماً لا سبيل للتفاهم معه إلا بالنبدقية، مهما بلغت درجة التعارض في المواقف السياسية بينهما.
هذا دون أن ننسى أن قلة متعصبة ومسلحة في الدامور فرضت على هذه البلدة – بالإرهاب – أن تتحول إلى سكين، وإلى “قاطع طريق” على كل أبناء الجنوب ومعظم أبناء الشوف وإقليم الخروب الذين ليس بينهم وبين الداموريين ثارات أو أحقاد قديمة.
ودون أن ننسى أن قلة متعصبة ومسلحة قد أطلقت وحش الطائفية في لبنان فأخذ يلتهم الناس والأشياء، الرموز والمؤسسات، مكتسحاً أمامه القيم والمبادئ في حالات كثيرة… مع ما يلحقه هذا من ضرر بالطرف الثوري والوطني عموماً، باعتباره صاحب القضية، والمطالب بحمايتها، والمطالب أصلاً بالحفاظ على ثورية العنف حين يضطر إلى اللجوءإليه.
لكن المسؤولية عن هذه الجرائم جميعاً تبقى محددة تماماً إذ تتحملها تلك القيادات السياسية التي اتخذت القرار الأخرق واللاانساني يفرض الحصار التمويني على المخيمات الفلسطينية الواقعة في الناحية الشرقية من بيروت (جسر الباشا وتل الزعتر وما جاورهما) ، ثم توجت الخطأ الفادح بخطيئة اقتحام مخيم ضبيه الصغير والوديع وشبهي الأعزل.
على أن إدانة هذه القيادات السياسية الانعزالية والطائفية لا تعفي لا الطرف الثوري ولا الطرف الوطني، ولا تبرر سلسلة الأخطاء والتجاوزات والحماقات التي ارتكبت وترتكب في غير قرية، بل في غير منطقة، ضد مواطنين آمنين كما ضد مقاتلين شجعان في صفوف الحركة الوطنية.
ومع تفهمنا الكامل للظروف النفسية الضاغطة التي وجد الفلسطينيون أنفسهم فيها: يقاتلون معركة الدفاع عن وجودهم وظهرهم إلى الجدار، في ظل تعبئة عنصرية ضدهم كادت تفوق العنصرية الصهيونية،
ومع استيعابنا الكامل للقدرات المحدودة للحركة الوطنية في مواجهة وضع فوضوي شامل يسود البلاد من أدناها إلى أقصاها، وفي مواجهة ردود الفعل على المذابح الطائفية التي ارتكبتها الميليشيات على امتداد الشهور العشرة الأخيرة،
مع تفهمنا لكل هذا فإننا لا نجد مفراً من التوجه إلى قيادة المقاومة الفلسطينية، كما إلى قيادة الحركة الوطنية، بضرورة التدخل الفوري لوقف ما يجري من ارتكابات ومآس وجرائم سلب ونهب، في المناطق التي لا وجود للميليشيات فيها.
إننا نعرف جيداً أن قيادة المقاومة، ومثلها قيادة الحركة الوطنية، لا تقران الاعتداء على المواطن بسبب من انتمائه الطائفي،
ونعرف أن عدداً من العصابات والزمر المسلحة يرتكب أعمالاً شائنة، من سلب ونهب وتعديات واحتلال منازل الخ، “مستفيداً” من فرصة تلاشي الدولةوغيابها المطلق، ومن “شرعية” حمله أو تحميله السلاح باسم المعركة.
ونعرف قبل ذلك أن المقاومة ليست هي الدولة، ولا تريد ولا يجب أن تكون، وإن الحركة الوطنية لا تستطيع – بعد – أن تكون،
لكننا نعتقد أن المقاومة والحركة الوطنية مطالبتان بتشكيل هيئات ولجان وطنية تتولى ملاحقة الارتكابات ووقفها، والاقتصاص من هذه الزمر المسلحة التي تعبث في الأرض فساداً، والتي يرتد عملها – أول ما يرتد – على المقاومة والحركة الوطنية.
يجب أن يبقى للسلاح شرفه، وشرف القضية التي أشرع من أجلها،
ويجب أن يظل الفاصل قاطعاً في وضوحه بين المناضل والسارق، بين المقاتل والقاتل، بين صاحب القضية واللص، وغلا أمحت الفواصل السياسية بيننا وبين الميليشيات الطائفية.
وليس صحيحاً أن السالبين والناهبين هم أولئك الذين عضهم الجوع بنابه، فهؤلاء عموماً أكثر شرفاً من أن يختلسوا ما هو حق للآخرين.
وفي أي حال، لا بأس من إعدام بضعة مجرمين، علناً وعلى رؤوس الأشهاد، حماية لسمعة المقاومة، بل ولأمنها ذاته، ولكرامة الحركة الوطنية وتأكيداً للحصانة التي يتمتع بها كل المنخرطين في صفوفها.
فليس مقبولاً أن ينكل بوطني، أو بتقدمي، بسبب من اسمه، أي انتمائه الديني، ثم تلقى تبعة جريمة من هذا النوع على الحركة الوطنية ناهيك بالمقاومة الفلسطينية.
إن المهمة صعبة. لكن إلى من نتوجه، ومن نطالب بحماية الصف الوطني المسيحي غير المقاومة والحركة الوطنية؟..
وهذه هي اللحظة التي لا بد فيها من أن يرتفع سلاح الثورة لقمع السلاح الآخر، السلاح الطائفي والسلاح الإجرامي، الذي يستغل ظروف الانشغال في معركة المواجهة مع قوى اليمين الانعزالي ليرتكب بالضبط ما قامت الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية لكي تدحضه وتنهيه تماماً.
إنها معركة. لكنها، في نهاية الأمر، بين مناضلين وأصحاب قضية من جهة، ويمين طائفي انعزالي وجمهور مضلل من جهة أخرى.
ولا يجوز أن نكون رحماء مع “الكتائبي” في داخل صفوفنا وقساة مع الكتائبيين في الخارج.
مع التنويه بأن الطائفي في صفوفنا أخطر منه ألف مرة وهو خارجها.

Exit mobile version