طلال سلمان

على الطريق حتى لا يصير الشيخ صباح رئيساً للجنة الأمنية لميشال عون!

بدأت اللجنة السداسية العربية للمساعي الحميدة كبيرة بمهمتها ودورها، إذ اعتبرت نفسها هيئة قومية معنية باستكشاف آفاق الحل لأزمة سياسية خطيرة تحرق بنارها لبنان واللبنانيين وتهدد سائر العرب في مختلف أقطارهمز
اليوم، وبفضل العماد ميشال عون، تكاد هذه اللجنة تنتهي إلى لجنة لوقف إطلاق النار، يحل فيها الشيخ صباح الأحمد محل العميد جان ناصيف وبقية الوزراء العرب محل ممثلي الطوائف الحزبية أو الطوائف العسكرية في لبنان، وكفى الله المؤمنين شر القتال،
كان الموضوع أمام اللجنة، في بداية عملها: وقف الصراع بين الأطراف اللبنانيين أو تحديده بدقة بما يمكن من تهيئة الأجواء الضرورية لاستعادة “الدولة” عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية على قاعدة برنامج إصلاحي مقبول.
.. ولأن الصراع السياسي في لبنان مرشح دائماً للتحول، وبسرعة، إلى حرب أهلية تتخذ من الذرائع الطائفية ستاراً لتثبيت واقع تقسيمي قائم، فلقد أشعل العماد عون النار في الفتيل فانطلقت المدافع لتصيب أول ما تصيب مهمة اللجنة محورة دورها إلى “اطفائية”، هذا إذا ما كابرت وأبت أن تتحول إلى لجنة دعائية تسوّق الجنرال وتدعم هوسه بالسلطة بإيصاله إلى سدة الرئاسة الأولى.
ولعله مما يفيد ذاكرة رئيس اللجنة وهو في طريقه إلى بيروت، عبر دمشق، أن يستعيد وقائع تونس الأولى… فلقد افترض الجنرال إنه إنما استدعي لينصب في تونس، وباسم العرب جميعاً ، رئيساً على اللبنانيين جميعاً (مستذكراً صورة بشير الجميل في الطائف وما كان بعدها)..
لم تكن الجنرال يومها مشكلة جدية مع سوريا. كان يعتبر اللجنة صلة وصل مع دمشق ستأتيه منها بالتأييد المرتجى، بل بالاعتراف به رئيساً، ولذلك كاد يقول الشعر في العلاقات المميزة، وفي فهمه لدور سوريا وفي تقديره لشخص الرئيس حافظ الأسد وفي ضرورة استمرار الوجود العسكري السوري في لبنان.
كانت مشكلة الجنرال مع “الأطراف اللبنانيين” . ولكنه رفض الإقرار بهذا الواقع، ويبدو إنه لمس قدراً من التشجيع من اللجنة السداسية ورئيسها. فأخواننا العرب ما زالوا، مع شديد الأسف، لا يعتبرون إن ثمة خلافاً جدياً بين اللبنانيين، لا على الصعيد السياسي، ولا على صعيد العلاقات بين الطائفة العظمى وسائر الطوائف.
لقد تعود أخوتنا العرب، في ما سبق من وقائع التاريخ السياسي الحديث، أن تكون الخلافات السياسية مجرد مناكفات ومزاحمات ومنافسة بين “الأقطاب” و”الزعماء” و”اللاعبين الكبار” في لبنان. كان رئيس الحكومة القائم يدس لمنافسيه الطامعين للحلول محله ومشاركة الرئيس الأول الحكم ولو صورياً، فإذا ما خلع أخذ يدس للقائم حتى يخرجه ويعود هو إلى الصورة شريكاً ضعيفاً وشكلياً للسيد ممثل الطائفة العظمى.
صورة لبنان في عين معظم الأخوة العرب، وبرغم سني الحرب الطويلة، ما زالت مع الأسف هي هي : السلطة كل السلطة للطائفة العظمى، على أن تمثل الطوائف الأخرى شكلياً حتى لا تجعل من حرمانها قميص عثمان فتزعجهم “بالنق”!!
اليوم، تعود اللجنة والعماد ميشال عون يفترض إنه قرر لها جدول أعمالها وهو محدد بنقطة واحدة: وقف إطلاق النار بينه وبين دمشق!
وفي الوقائع، كما في الكلام المباشر، فإن ميشال عون قالها بالفم الملآن إنه أطلق النار على الجنود السوريين في بيروت، فلما لم يردوا وسع دائرة النار إلى بر الياس وشتورا على طريق الشام، فلما لم يردوا سب الرئيس الأسد شخصياً، وظل يطلق النار حتى جاءه الرد… فلما تلقى الرد فرح وأيما فرح واتصل باللجنة مهللاً طالباً أن تتدخل فوراً لوقف اطلاق النار بينه وبين دمشق.
فالعماد عون يرى إنه نجح في انتزاع اعتراف سوريا، وإن هذا الاعتراف يوصله إلى الرئاسة إذا ما اعتمدته اللجنة العربية بتثبيت وقف إطلاق النار!
والعماد يفترض إنه قد ألغى تونس الأولى وتونس الثانية والثالثة وإنه نفى الحاجة إلى تونس الرابعة،
فهو عبر إطلاق النار على دمشق قد شطب الأطراف اللبنانيين، إذ قفز من فوق رؤوسهم جميعاً معتبراً إن محاوره هو شخص الرئيس حافظ الأسد ولا أحد غيره،
وعبر تبرع اللجنة بالتدخل لوقف إطلاق النار، وحصر مهمتها في هذا الإطار، يتم شطب قضية الأطراف اللبنانيين في الاصلاح وفي انتخاب رئيس جديد، وفي إعادة تظهير الدولة،
كذلك يتم له تحويل اللجنة إلى مجرد هيئة انتخابية مهمتها تأمين الرئاسة للجنرال المهووس بالسلطة، من دون إصلاح ومن دون انتخابات فعلية ومن دون جمهورية.. فالرئيس هو الجمهورية، بشعبها والنواب، بجيشها والأحزاب، بالطوائف والميليشيات، بالعرب والعجم وسائر الأجناس!
على إن ثمة عوامل مساعدة شجعت الجنرال على المضي في غيه وتوهمه إلى هذا الحد، ومنها:
أولاً – تباين الآراء والاجتهادات (والأمزجة) داخل حكومة الرئيس سليم الحص مما شلها وعطلها عن الإنجاز،
ومن أسف إن هذا التباين قد وصل في لحظة معينة إلى إطلاق الاتهامات بخفة وتسرع، مما “سمم” جو العلاقات، وعطل الطرح السياسي المتكامل للأزمة في لبنان من وجهة نظر الفريق الممثل للأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
ثانياً – عدم وجود مشروع سياسي متكامل يشكل أرضاً للقاء حول المستقبل، مستقبل النظام والجمهورية، مع الأطراف الأخرى خارج حكومة الحص وخارج إطار التحالف القائم بين عون وجعجع.
ثالثاً – الشلل الذي أصاب النواب نتيجة إقفال المعابر وتعذر التواصل والاتصال، مما غيب الطرف “الشرعي”| القادر على الحركة وعلى صياغة الحلول الوسط المرضية أو المقبولة من الطائفة العظمى وسائر الطوائف،
ولقد أحسن وليد جنبلاط صنعاً بإنهاء الإشكال الذي نشأ بينه وبين الرئيس الحص نتيجة لكلام متهور وغير مسؤول، ويبقى أن تبادر حكومة الحص إلى أداء مهمتها الوطنية على الوجه المطلوب، وإعادة تصحيح دور اللجنة العربية.
إن في لبنان أزمة سياسية تتصل بطبيعة النظام وبأدوار الفئات اللبنانية سبباً لها،
كذلك فالمسألة مع سوريا نتيجة وليست سبباً، ففي ضوء الحل السياسي للأزمة اللبنانية يتقرر شكل علاقات المستقبل مع سوريا،
وليس بين لبنان وبين سوريا مشكلة أمنية،
حتى ميشال عون نفسه لم يطرح، قبل منتصف آذار الحالي، ما يفيد بوجود مشكلة أمنية مع سوريا، بل إن محاضر تونس الأولى تشهد بأنه ألح على ضرورة استمرار الوجود العسكري السوري باعتباره ضمانة.
المشكلة سياسية في البداية والنهاية، وحلها سياسي،
والحل السياسي يتلخص في نقطتين: الاصلاح السياسي والانتخابات الرئاسية، ومن ثم حكومة الوحدة الوطنية العتيدة،
والمرجع الشرعي المطالب بتقنين هذا الحل هو المجلس النيابي، خصوصاً إذا ما أحيط برعاية عربية (ودولية).
والجنرال عون يطلق النار على الحل، بكل بنوده، وليس على دمشق،
فإذا أرادت اللجنة العربية النجاح فعليها أن تصحح مسارها لتتمكن من إعادة “تجلس” مهمتها وتحدحيد خطواتها: الاصلاح – الانتخابات – الحكومة كخطوات متلازمة لإعادة تظهير الجمهورية اللبنانية،
ولبنان قابل لأن يكون جمهورية بلا ميشال عون،
لكن ميشال عون، ومع الأسف، لا يغني بشخصه عن الجمهورية وشعبها الجريح،
ومهمة العرب، عبر اللجنة السداسية، أن يساعدوا لبنان لا أن يكونوا عوناً لعون، يحملون إليه من الطائف عباءة عربية لتثبيته رئيساً علينا تنفيذاً لإرادة غريبة.
ورحلة الشيخ صباح ومعه الأمين العام للجامعة دقيقة للغاية، فالخطأ فيها قاتل للبنان وللجامعة، والنجاح مفتاح للحل المرتجى،
ودمشق هي، بالضرورة، الباب للحل، وليست مقراً للجنة أمنية مع الجنرال عون!

Exit mobile version