طلال سلمان

على الطريق حتى لا يسقط الحل باغتيال داني شمعون: من يحمي الإنجاز التاريخي؟!

لم يتأخر أعداء الحل العربي والسلام الوطني في لبنان في إعلان الحرب على الإنجاز التاريخي الذي تم صبيحة يوم السبت الماضي 13 تشرين الأول 1990.
بعد ثمانية أيام فقط، وبتوقيت عملية إنهاء التمرد، شنوا الهجوم المضاد عبر اغتيال المهندس داني كميل شمعون وأسرته. صبيحة يوم الأحد 21 تشرين الأول سنة 1990.
وهي حرب وليست مجرد جريمة نكراء أو حادث اغتيال سياسي لأنها تتجاوز بغاياتها وأهدافها شخص الوريث السياسي للرئيس الراحل كميل شمعون ومن وما يمثل.
فالمغدور داني كميل شمعون عاش سياسياً عادياً ولم يحالفه الحظ في أن يصبح زعيماً أو قائداً أو رمزاً لقضية.. ولكن جريمة اغتياله مرشحة لأن تكون “قضية” تحرف اللبنانيين عن قضاياهم الأصلية – وما أكثرها – وتجهض آمالهم المنتعشة باقتراب لحظة عودة الروح إلى دولتهم ومن ثم إلى حلم الوطن.
إنها حرب على لبنان، وهي أيضاً وبالدرجة الأولى حرب على سوريا…
وهي حرب على سوريا ودورها الحيوي والضروري في لبنان، لاسيما بعد القرار الشجاع لقيادتها بتقديم المؤازرة الفعالة لإنهاء حالة التمرد العسكري ممثلة بميشال عون ومن معه ومن يسانده من البعيد.
فالذين لم يستطيعوا مواجهة الجندي العربي السوري وهو يتقدم الجندي اللبناني لاستعادة بعض لبنان المأخوذ رهينة لدى جرنال العتم، تسللوا من العتم ليشوهوا صورة ذلك العنصر القومي بمجزرة تذكر بمآثر الراحل بشير الجميل في إهدن والصفرا وغيرها والتي كاد المغدور داني يكون واحداً من ضحاياها الكثر، ذات مرة.
والذين هالهم أن تحقق سوريا مثل هذا النصر السياسي الباهر في لبنان، مع إنها دفعت ثمنه دماً قانياً، يحاولون أن يجهضوه سريعاً وقبل أن يتم توظيفه لإصلاح الخلل الذي أحدثته مدافع ميشال عون (وأمين وبشير الجميل من قبل) في العلاقات اللبنانية – السورية، وفي علاقات سوريا مع المسيحيين في لبنان على وجه الخصوص.
وهي حرب على “الدولة” في لبنان، فكرة وتطبيقاً، ومن ثم فهي حرب على “الحكم” وبالذات على رئيس الجمهورية الذي تحمل – بشجاعة نادرة – مسؤولية إنهاء التمرد على الشرعية بالقوة، وبمؤازرة الجيش العربي السوري.
واستطراداً فهي حرب على الجيش اللبناني الوليد قبل أن تكتمل عافيته ويشتد ساعده باستعادة وحدته بعد تطهير صفوفه من عناصر الشر والفساد ومدمني الحرب الأهلية.
إنها حرب على الأمل، على الوعد، على التمني، على الرجاء، على الشوق إلى ابتسامة أو لحظة هناءة وعلى الشعور بالأمان… ولو وسط انقطاع الكهرباء، والماء وارتفاع الدولار وأكوام القمامة!
هي “الحرب” على اتفاق الطائف، لمصلحة الطائفيين تجار الجنازات والأطفال المقتولين.
ولأنها “الحرب” فهي إسرائيلية، باستهدافاتها وبمردودها ثم بأسلوبها وبأدوات تنفيذها، ناهيك بالتوقيت المدروس بدقة.
فالهدية المسمومة التي أرسلت صبيحة الأمس إلى دمشق حيث كان الرئيس الياس الهراوي يتدارس مع الرئيس حافظ الأسد الخطوات التالية الآيلة لتحقيق المصالحة الوطنية وقيام حكومة الاتحاد الوطني على أرض بيروت الكبرى بداية، وبقوة الجيش اللبناني معززاً بالإسناد الفعال للقوات العربية السورية، هددت ذلك كله ونقلت الاهتمام – بالضرورة – إلى مجال آخر يمكن تلخيصه بضرورة حماية الإنجاز التاريخي الذي تحقق قبل أسبوع فقط.
فكأنما العدو الإسرائيلي يريد إثبات حضوره وقدرته على تخريب أي حل عربي، ولو كان من إنتاج الطائف وبحماية الدعم الأميركي والدولي المعلن.
ولكأنما يريد تقزيم النصر العسكري الذي ما كان ليتحقق من دون دعم سوريا، وإلزام الشرعية اللبنانية (ومعها دمشق) بموقف دفاعي ضعيف.
لكأنما يراد استرهان الشرعية (ومعها دمشق) مجدداً وابتزازها باسم “المسيحيين” لتحويل متمردي الأمس والجناة والقتلة إلى ضحايا لا بد من مراعاتهم بإبطاء مسيرة الاصلاح وتطبيقاته العملية، ولا بد من حفظ “حقوقهم” في الحكم حتى لا يبدو في صورة المنتقم الجبار المستقوي بسيف… المسلمين!
ولكأنما يريدون القضاء على احتمال قيام جيش وطني… فالذي دخل إلى بعبدا واليرزة هو “الجيش الحر” وليس “جيش الطائفة”، ولا بد من قطع الطريق على التطهير والتغيير ومعاقبة المقصر والمتواطئ والمتخاذل والمشارك في جريمة التمرد.
وكشرط فلا بد من إظهار هذا الجيش الداخل إلى “حرم الطائفة” وكأنه ناقص الأهلية وضعيف وعاجز عن حماية بزته، فكيف بحماية العباد والبلاد؟!
هي الحرب، إذن… الحرب على مشروع الحل، على السلام المرتجى، على الدولة والحكم والشرعية وجيشها، على سوريا ودورها المشروع والمطلوب والمشرع (محلياً وعربياً ودولياً في لبنان، حتى من قبل أن يعمد بالدم)، واستطراداً على اتفاق الطائف.
ما العمل إذن؟!
هل يتحول الاستنكار والشجب والتخوف من النتائج إلى قنابل دخان يخفي في طياته تراجع الحكم عما بدأه أو عما كان يعتزم المضي فيه؟!
هل تتجمد الدولة وتجمد خطواتها ريثما تهدأ الحملة التي لن تهدأ والتي ستجد دائماً من يصب الزيت على نارها؟!
هل يقنع العماد اميل لحود من غنيمة الانتصار بالإياب تاركاً الجيش لمن كانوا يقاتلونه من على الميمنة أو من على الميسرة؟!
فليس سراً أن كثيراً من القيادات الملتحقة والتي بدأت تتسلم مهمات قيادية، ولو بصفة المؤقت، جاءت من أحد مصدرين:
*أما من جانب “القوات اللبنانية” حاملة شهادة حسن سلوك لكونها قد قاتلت ميشال عون (ولا يهم الموقع)،
*وإما من جانب معسكر ميشال عون ذاته، حاملة شهادة حسن سلوك بأنها قد اضطرت للبقاء لكي تحمي الجيش من هجمة “القوات”، والغاية تبرر الوسيلة!
وليست “شطحة” تلك الاشارات المتكررة في أحاديث وليد جنبلاط عن دور “السفير القذر” في باريس في لعبة بناء “الجمهورية الثانية” و”إعادة تأهيل” الجيش تحت مظلة سوريا وبمساعدتها الضرورية.
هي الحرب، إذن،فكيف يكون الرد؟!
لقد أثبتت التجارب إن التراجع أمام الغرائز الطائفية المهاجة إنما يؤجج نار الطائفية وبعدها المذهبية حتى تكاد تذهب بكل شيء.
كما أثبتت إن محاولة استرضاء المتضررين من الحل يذهب بالحل كله ولا يبقي للبلاد إلا المنتفعين بالحرب وبالخراب والدولار والموت بالجملة.
ثم إن الحكم في حالة حرب فعلية مع حامية حمى التمرد، فرنسا، التي ستجد اليوم في جريمة الاغتيال الجماعي لداني شمعون وأسرته الذريعة المثلى لاسترداد بعض ما فقدته في لبنان، ولإكمال حربها الصليبية تحت عنوان حماية المسيحيين من القتلة المسلمين، سواء أكانوا سوريين أم لبنانيين.
إن فرنسا القرن الخامس عشر التي كانت “الأم الحمون” لا تريد أن تنتهي لاجئاً سياسياً في لبنان القرن العشرين.
وهي ستسارع بالتأكيد إلى استثمار الجريمة الجديدة لاستعادة بعض دورها المفقود، بحجة إن المسيحيين في خطر فعلاً وبحاجة إلى من يحميهم، وليس لهم غيرها من حام قادر ومقبول.
ومن يسترجع أحداث الأيام القليلة الماضية يتأكد له كم بذلت فرنسا من جهد وكم اصطنعت مصادرها من أخبار وشائعات لكي تحول عملية إنهاء تمرد عون إلى مجزرة منظمة ضد المسيحيين.
الآن وفقت فرنسا بعنوان مثير لموضوعها، فالمجزرة المنظمة ضد داني شمعون وأسرته تنفخ الحكاية وتضخمها بحيث يمكن استثمارها لتحقيق الغرض السياسي.
لقد انتهى عون، المهم أن تبقى “العونية”،
و”العونية”، اليوم، هي “جميلية” الأمس بشقيها “القواتي” والكتائبي، وهي “شمعونية” أمس الأول، وهي “أدية” أمس ما قبل الأول،
“العونية” اليوم هي الانعزالية في نسختها المنقحة والمزيدة عن تلك التي كانت لها في ظل “الشهابية” والتي اعتبرها منح الصلح تجديداً لنسختها القديمة.
“العونية” هي عنوان ذلك التيار الكياني الطائفي المعادي لأي حل وطني ولأي انتماء قومي ولأي إصلاح سياسي جدي لهذا النظام الأشوه.
وليس غريباً أن يلتقي الإسرائيليون والفرنسيون مع أمراء الطوائف (جميعاً) على حماية مثل هذا التيار الذي يمنع تحول لبنان إلى وطن ويمنع تحول أهله إلى شعب.
من هنا ضرورة حماية الإنجاز التاريخي الذي تم في 13 تشرين الأول سنة 1990.
ولننتفع من دم الذين سقطوا، وآخرهم داني شمعون وأسرته، في حماية الإنجاز بدلاً من هدر دمه هو الآخر “حتى لا نستفز أعداء الحل والسلام” الذين لا يحتاجون مطلقاً إلى أي استفزاز لكي يبادئونا الحرب.
وبين ما تعلمه الحرب إن الهجوم، والمضي فيه، هو أفضل وسائل الدفاع.

Exit mobile version