طلال سلمان

على الطريق حتى لا يخسر العرب مرتين!

ما أبعد النتائج عن المقدمات في هذه الحرب التي شنت تحت رايات عربية بجيوش أميركية (وغربية) وجاءت ثمارها الأولى إسرائيلية وفي سياق الخطة الأميركية للهيمنة على الكون وإلغاء الشركاء الآخرين سواء أكانوا في موقع الخصوم، كالسوفيات، أو في موقع الحليف كالأوروبيين، أو حتى في موقع الربيب الذي شب عن الطوق كاليابانيين،
لقد دخلت الولايات المتحدة الأميركية الحرب على العراق من “الباب العربي” وها هي تستبق خاتمتها مقتربة إلى حد التطابق مع المصالح الإسرائيلية.
وإذا كان صدام حسين قد وفر، بغزوه الكويت، الذريعة والمبرر، فإن الولايات المتحدة لم تضيع الفرصة الذهبية التي سنحت لإرسال جيوشها واساطيلها إلى المنطقة باسم نصرة العرب المهددين بأطماع صدام حسين، ولا هو توانت عن استغلال الأمر الواقع الجديد لتثبيت أسس ما تسميه النظام العالمي الجديد ومن ضمنه “نظام الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط”.
وبديهي أن تبادر إسرائيل إلى محاولة ترجمة التفكير الأميركي وتطويعه بما يخدم خططها للتوسع في اتجاه الهيمنة الكاملة على الأرض العربية المهددة الآن بأن تفقد قدراتها الاقتصادية (النفط المتبقي بعدما استنفدت المدخرات) والكثير من قدراتها العسكرية التي لا تعوض، وبالتالي مكانتها ودورها وقدرتها على الفعل والتأثير.
اليوم لا يحتاج المواطن العربي إلى كثير من التدقيق ليكتشف “الافتراق” بين المصالح العربية وبين المصالح الأميركية (ومعها المصالح الإسرائيلية) عبر النتائج المتوقعة لهذه الحرب – النكبة.
لم يكن العرب مع الحرب، ولا كان قرار الحرب بيدهم.
لقد عطل صدام حسين قرار السلام “العربي” تاركاً للولايات المتحدة قرار الحرب، ومن ثم تاركاً للإسرائيليين الفرصة للتحريض على الحرب والأهم: الفرصة لاستثمار نتائجها.
كان العرب مع إنهاء غزو الكويت، ولكنهم لم يصلوا أبداً إلى التسليم بتدمير العراق،
وكانوا يعترضون على رهن القرار الفلسطيني بمطامح صدام حسين، ولكنهم لم يكونوا مع شطب منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي شطب القضية الفلسطينية.
حتى عندما ركب صدام حسين رأسه ومضى في مقامرته إلى النهاية لم يكن سائر العرب راغبين في الحرب أو داعين إليها، ولكنهم كانوا، في الوقت نفسه، أعجز من أن يمنعوها أو يتحكموا في مسارها، ومن ثم في نتائجها.
كان العرب أضعف من أن يؤثروا على القرار بالحرب، وهم الآن أضعف من أن يحدوا من أضرار نتائجها المدمرة.
وخطأ صدام حسين يبدو الآن مجسماً وبالحجم الطبيعي: إنه أخطر من أن يحد بحدود العراق،
وهذا الخطأ يتخذ أبعاده الفعلية بقدر ما تتجلى يوماً بعد يوم، القوة العسكرية العظيمة التي كان يمتلكها العراق، والتي هدرت وتهدر في غير الميدان الأصلي وتحت الشعار الخطأ.
ولأن الإسرائيليين هم الأقوى (لاسيما وقد انفجرت الحرب) فهم المستفيد الأكبر من النتائج، بعد الولايات المتحدة الأميركية ومعها.
وها هم الآن يفصحون عن خطة “السلام الإسرائيلي” المكملة لخطة “السلام الأميركي” التي سبق أن حدد منطلقاتها الرئيس الأميركي جورج بوش ثم أوضح استهدافاتها الخمسة وزير خارجيته جيمس بيكر.
والخطة الإسرائيلية تتجاوز الصلح مع العرب إلى التعاون الاقتصادي مع تركيز على اتفاق لاستغلال المياه.
أي إن الأميركيين يأخذون النفط وبالمقابل يأخذ الإسرائيليون السلام والأرض ومعها المياه!
ويبقى العرب كما تظهرهم صور الحرب الأميركية – الإنكليزية مجرد بدو يسوقون جمالهم في صحراء بلا حدود بحثاً عن الماء والكلأ.
ولقد عبرت سوريا، بلسان وزير خارجيتها فاروق الشرع وقبل مغادرته لندن التي كان يزورها بعد قطيعة امتدت أربع سنوات أو يزيد، عن رفضها للخطط الأمنية المعدة في الخارج، وإصرارها على أن تنبع الخطط الأمنية الخاصة بالخليج (وسائر المنطقة) من المنطقة ذاتها.
كذلك أكد الشرع على ضرورة التوصل إلى حل للصراع العربي – الإسرائيلي والمشكلة الفلسطينية في إطار مؤتمر دولي تشارك فيه جميع الأطراف المعنية طلباً للسلام والاستقرار في المنطقة العربية بعد حرب الخليج.
لقد بدأ الافتراق، ولسوف تتسع المسافة يوماً بعد يوم بقدر ما سيتمظهر التباين الواقعي في المصالح بين العرب وبين الأميركيين ومعهم الإسرائيليون.
ومؤسف أن يعجز العرب الآن ، وبعدما انفجرت الحرب التي عجزوا عن منع وقوعها ، عن الحد من مخاطرها المدمرة على مستقبلهم ووجودهم ذاته.
ومهين أن يكون العربي مرفوضاً كحليف للأميركي ، حتى وهو معه في خندق واحد، في حين يظل الإسرائيلي قادراً على قطف ثماركل عجز عربي، سواء في الحرب أم في السلام.
وإذا كان صدام حسين قد تسبب في إفقاد العرب عراقهم القوي والحد الأدنى من تضامنهم، فهل يجوز أن تستمر حالة الشلل والانقسام والضياع بينما “الآخرون” يقترعون على الغنائم والأسلاب العربية من نفط وماء ودور ومكانة وحق في الوجود؟!
إن نتائج الحرب تتجاوز صدام حسين،
فهل يتنبه المسؤولون العرب ويبادرون إلى لم صفوفهم حتى لا يخسروا في “سلام ما بعد الحرب” أكثر بكثير مما خسروه في الحرب ذاتها؟!

Exit mobile version