طلال سلمان

على الطريق حتى لا نصبح الخطر!

في زحام كلام المتكلمين، وندوات المهتمين، ومؤتمرات المؤتمرين، وفي غياهب حيرة الحائرين والمتسائلين عن “الحل” عموماً، تكاد تضيع بعض الحقائق الأساسية التي تشكل لب “القضية” وجوهرها.
من هذه الحقائق الأساسية:
أولاً – إنه لا بد أن يستقر في “الوجدان اللبناني”، وبشكل نهائي، إن كفرشوبا هي العرقوب كله، وإن العرقوب هو الجنوب كله، وإن الجنوب هو لبنان كله.
وهذه مقدمة منطقية لأن يستقر في “الوجدان العربي”، وبشكل نهائي، إن لبنان هو العرب كلهم، وإن مسؤولياتهم حياله ليست قتالاً على ساحة أخرى، خارجية، وإنما هي من صميم واجباتهم الوطنية أو القطرية أو المحلية.
إن التناول المجتزأ للقضية لن ينتج عن طمسها وتصفيتها بالتدريج. إن التناول بالتقسيط يعني التنازل أو التخلي أو التفريط بالتقسيط. ومن يفرط بكفرشوبا لن يقاتل كما الأبطال من أجل جدة أو الكويت أو الدار البيضاء.
فنحن، كفرشوبا – الجنوب – لبنان – العرب، واحد في العين الإسرائيلية. ولكنا، كلنا، أهداف مباشرة للمدفع الإسرائيلي، والأمر يتعلق بالمدى، فالتفريط بأي بقعة لا يعني أكثر من إعطاء المدفع الإسرائيلي مدى أبعد، فهو من المطلة يصيب كفرشوبا، ومن شبعا يصيب راشيا الوادي، ومن مشغرة يصيب دير القمر، ومن الدامور يصيب جونية، ومن جبيل يصيب طرابلس، ومن العبودية يصيب طرطوس وحمص وهلمجرا.
نحن ، كفرشوبا – لبنان – المقاومة الفلسطينية – سوريا – مصر – ليبيا – العراق حتى المغرب واليمن السعيد، مدى قتالي واحد في مواجهة عدو واحد له جيش واحد ومخططات وأطماع كثيرة، وهي تتنامى وتتكاثر كالفطر باتساع المدى المفتوح أمام إمكانات تحقيقها.
ثانياً – علينا أن نكف عن التعامل مع “الجنوب” كجنوب، أي ككيان قائم بذاته ومبتور عن جسم لبنان. فأول ما يحققه هذا البتر هو تغييب العدو وتحويل القضية الوطنية إلى ما يشبه الكارثة الطبيعية الناجمة عن شيء كالفيضان أو الزلزال.
… وأقصى ما نستطيعه في مواجهة الكارثة هو التصدق والتبرع والإحسان تعويضاً على ضحاياها البؤساء ثمن بعض ما فقدوه من عقار ومتاع وماشية.. وأرواح!
إن مثل هذه النظرة إلى الجنوب وما يجري فيه تحوله من هدف أول للأطماع الإسرائيلية إلى سد بيننا وبين إسرائيل، يحجب خطرها عنا بدلاً من أن يفتح عيوننا على هذا الخطر ومصدره وطبيعته “الإمبراطورية”.
وفي ظل سيادة الوهم المخيف بأن سقوط الجنوب لا يمس أمان كسروان، ولن يفسد موسم الاصطياف في دساكر الجبل ومنتجعاته، ولن يؤثر على مستقبل عكار، أو على خطط التنمية الخاصة بالهرمل!! في ظل سيادة مثل هذا الوهم يصبح مقبولاً اقتطاع الجنوب كجنوب، باعتباره شيئاً آخر غير لبنان… وتصبح “البراءة” من الجنوبية هي السلامة.
فالمنطق الانعزالي – الانهزامي متكامل، ومن يقل الآن : لا تكن عربياً فتسلم! يسهل عليه أن يحرف شعاره فيجعله: لا تكن جنوبياً فتسلم! وهو بالتأكيد مستعد لتحريفه مرة أخرى بحيث يصير: لا تكن كسروانياً ، أو عكارياً، أو بعلبكياً فتسلم!
ثالثاً – تحت وطأة هذه الأوهام والنظرات الخاطئة والانحرافات الخطرة يصبح من حق الجنوبي أن يتصرف كجنوبي أولاً وأخيراً، بكل ما يجره هذا التصرف من ويلات وطنية.
وربما كان من حق الجنوبي ، كابن قرية أو ضيعة، أن يناقش مبدأ الوجود الفدائي في ضيعته، لكن هذا ليس من حقه كلبناني، أي كمواطن. فهو كمواطن مسؤول عن سلامة الوطن ككل، ليس فقط بحدوده بل أيضاً بانتمائه ومصيره المرتبط عضوياً بمصير أخوانه الفلسطينيين والسوريين واستطراداً كل العرب.
وما ينطبق على الجنوبي ينطبق، من باب أولى، على ابن المتن أو كسروان.. حتى النهر الكبير.
وليست الديمقراطية أن نعطي بعض ضعاف النفوس حق الخيانة، والقفز من فوق الخطر الإسرائيلي الداهم والمهدد وجود الوطن كله لمناقشة سلامة “الفيللا” التي ابتناها بالدخل غير المنظور!
رابعاً – لا يحق لنا مطالبة أنفسنا (والآخرين) بالدفاع والحماية والقتال والتحصين الخ ما لم نكن وطناً. الوطن وحده صاحب حق بالمطالبة والمحاسبة. أما إذا ظللنا نصر على اعتبار لبنان شيئاً آخر غير الوطن (كياناً، مثلاً، أو مرفأ ومطار ومجموعة مصارف وشقق مفروشة) فإن حقنا على أنفسنا وعلى الآخرين يسقط تلقائياً. من يدافع عن شقة مفروشة؟
وطالما ظللنا في ضياع بين حقيقة الوطن المهدد ووهم الكيان المضمون سنظل متسببين في ضياع المخلصين من أخواننا العرب.. بل إننا سنتحول في نظرهم إلى مصدر خطر عليهم هم بالذات..
ويصبح الموضوع المطروح للمناقشة في مجلس الدفاع العربي: وسائل درء الخطر اللبناني على بقية العرب، وليس كيفية تأمين لبنان بوجه الخطر الإسرائيلي الداهم.
فالعجز حليف طبيعي للعدو، ومثله الانهزام والتعامي المقصود نتيجة للحمى الطائفية أو ما شابه من أمراض.

Exit mobile version