طلال سلمان

على الطريق حتى لا نخسر المرجع

ليس شيئاً مفرحاً أن يكون أبرز وأهم ما تبقى في ذاكرة الناس عن رحلة الرئيس أمين الجميل هو ما قاله في أقطاب المعارضة المتلاقين في “جبهة الخلاص الوطني”.
فالناس يطلبون ويتوقعون من “الرئيس” الحلول لمشاكل البلاد عموماًن بما في ذلك مشاكل الاختلاف بين الحكم والمعارضة.
وقدر”الرئيس” وواجبه الطبيعي أن يبقى فوق الخصومات والمنازعات، وأن ينسصى شخصه وعواطفه ونوازعه الذاتية ليتمكن بالفعل من أن يكون “المرجع” و”القاضي” و”الحكم”،
أما حين يدخل “الرئيس” معمعة الخصومات والخلافات فإن البلاد هي التي تخسر لأنها تفتقد حينئذ “المرجع” الذي عنده يلتقي الجميع، وبقوة شرعيته وحيادته وترفعه يكون القرار الحاسم – والمقبول – في أي خلاف.
وكثير من الناس يحبون أن يفترضوا ، وقد قيل ما قيل، إن الرئيس قد تأثر بما جرى في غيابه، ولاسيما وإنه يعلق على زيارته الآمال العراض، وإن تأثره تحول إلى انفعال إذ اعتبر أنه موضع ظلم وإحراج فرد بذلك العنف على ما نقل إليه من أقوال الخصوم والمعارضين، في الداخل والخارج.
طبعاً كان الناس يتمنون لو إن شيئاً من ذلك لم يحدث، أي لو إن الرئيس ترك لغيره مهمة الرد على الخصوم – وبين مرافقيه كثير من ملوك الكلام – وكظم غيظه ليحافظ على صورته وموقعه كمرجع، فوق الأحزاب والاتجاهات، وليؤكد مسؤوليته ومسؤولية الدولة الشاملة عن جميع المناطق وجميع المواطنين بمن فيهم المختلفون مع نهج الحكم وطريقته في تناول المسائل المطروحة.
ففي تقدير الناس، عموماً إن الوقت ما زال مبكراً أمام انقسام حاد في البلاد تدخل الدولة فيه كطرف منحاز لفريق ضد آخر كما يريدها الشيخ بيار.
وفي تقدير الناس إن أي شيء يهون أمام خطر تجدد الحرب الأهلية، خصوصاً وإنهم الآن أشد منهم اقتناعاً في أي يوم مضى بأن مثل هذه الحرب لا مكان فيها لغالب إطلاقاً، ولإبقاء بعدها فللبنان لو إنها انفجرت لا سمح الله.
في أي حال فما قيل قد قيل ومن المهم أن يستعيد الحكم، وبأسرع وقت، موقعه الطبيعي، كمسؤول عن توفير الحلول لحكوم المشاكل المتزايدة والمتفاقمة خطورتها، كل ساعة، بعيداً عن أجواء المهرجانات وخطابات المناسبات وتوصيل التحيات ورسائل التطمين من المقيمين إلى أهلنا في المغتربات.
وبالتأكيد فإن كثيراً من المواطنين كانوا يحسدون أخوانهم المغتربين على حماستهم الباقية بعد، وعلى انفعالاتهم الصاخبة إزاء ما كانوا يسمعون من كلام فخم لم يعد يستثير هنا مثل تلك الحماسة أو الانفعالات ربما لأن القلق على المستقبل والمصير بات هو السيد وهو الحاضر الأكبر في كل بيت.
وما ينتظره الناس من الحكم، ومن الرئيس خاصة، هو ما يطمئنهم على المستقبل والمصير.
وأبرز ما يطمئنهم هو التوجه نحو “المصالحة الوطنية” بمعناها الأرقى، أي بمعنى دعوة الجميع – الجميع – إلى تحمل مسؤولياتهم، إلى جانب الدولة ، في تأكيد التوافق على صيغة لبنان ورسم ملامح مستقبلهك وطناً حراً سيداً مستقلاً، هو من محيطه العربي في القلب، لا يخرج منه ولا يخرج عليه، وهو لكل أبنائه لا يخرجهم منه بالغبن واغلحرمان أو بالامتيازات تعطى لفئة على حساب الباقين فتلغي مشروع الوطن نفسهز
والأكثرية الساحقة من الناس تنتظر من الرئيس ما يطمئنها إلى أن هذا التوجه سيعتمد كسياسة ثابتة ودائمة ونهائية، لتجميع كل الناس وحشد الطاقات جميعاً من أجل “الخلاص”.
فبالكاد إذا تجمعنا كلنا نستطيع التأثير على سياق الأحداث كما تقرره مصالح الكقبار، فكيف إذا تفرقنا وانقسمنا وتقاطعنا وتنابذنا بالألقاب؟!
إن الناس يريدون الرئيس مرجعاً، نزيهاً، مجرداً، فوق الطوائف والأحزاب والأهواء والمصالح والعواطف والأغراض والأحقاد.
ورئيس بهذه الصفات هو الضمان الأكبر لعدم تجدد الحرب الأهلية،
وأمين الجميل هو اليوم، مرى أخرى، أمام الامتحان لتأكيد جدارته بموقع “الحكم” و”المرجع” و”المسؤول” والمانع للحرب الجديدة والأخيرة، إذ لن يبقى بعدها أحد، ولن يبقى بعدها شيء.

Exit mobile version