طلال سلمان

على الطريق حتى لا تذهب الكارثة القومية بالإنجاز الوطني في لبنان..

… ولقد يكون نافراً أن يتواصل الحديث عن “التفاصيل” اللبنانية، كمشروع الدولة، وخطة بيروت الكبرى وحصص الطوائف ووكلائها المعتمدين الآتين من ميليشياتها، في حين تتجمع نذر الكارثة القومية الجديدة في الأفق العربي فتكاد تسده بأشباح القتل الجماعي والدمار الشامل… إنفاذاً لحكم المجتمع الدولي على الأمة مختصرة في شخص صدام حسين.
ولقد يكون مأساوياً أن يتابع العرب، في مشرقهم والمغرب، بعيون بلهاء تعكس عجزهم المريع، أخبار الحرب عليهم نتيجة خطيئة قومية مميتة وخطأ استراتيجي قاتل ارتكبه حاكم العراق إرضاء لنرجسيته أو هرباً من أزمته الناجمة عن سلسلة سابقة من الخطايا والأخطاء القاتلة.
على إن المفجع أن بعضهم قد يرى في هذه الحرب الأميركية “إنجازاً وطنياً” أو “خلاصاً” من طاغية، متجاهلاً ىثارها المدمرة – بالتأكيد- على حاضر الأمة ومستقبلها، ومتجاوزاً حقيقة إنه مجرد شاهد زور على القرار ومجرد ضحية للنتائج، وإنه إنما يهرب من الأزمة إلى النكبة… وماذا ينفع العرب أن “يربحوا” الكويت ويخسروا أنفسهم؟!
فلا العراق رصيد شخصي لصدام حسين يبدده كيفما وحيثما ومتى يشاء،
ولا الحرب الأميركية مطلب عربي، تماماً كما لم يكن قرار صدام بغزو الكويت تحقيقاً للأمنية القومية الغالية: الوحدة!
ثم إن “استعادة” الكويت و”حكمها الشرعي” لن تعوض الأمة خسارة العراق، تماماً كما إن “إعادة الفرع إلى الأصل” قد ضيعت الاثنين معاً وهي قد تضيع بعد الجزيرة والخليج وسائر أنحاء الوطن العربي الكبير.
هي حرب علينا، وفر لها صدام حسين الذريعة المباشرة والمناخ الدولي المؤاتي، ودفع “خصومه” من حكام النفط العربي أكلافها بالكامل، وستتحمل الأمة بأبنائها وأقطارها كافة، وبأجيالها الآتية أيضاً، نتائجها المدمرة التي قد يكون من عناوينها قيام إسرائيل الكبرى واندثار رابطة العروبة وضياع آخر فلس من مخزون الثروة القومية وتهاوي آخر أمل بغد عربي أفضل… بل ربما بأي غد!
لكن هذا كله يفرض – لبنانياً – أن تسرّع الخطى لاستنقاذ ما يمكن إنقاذه من التحول التاريخي الذي أدى أو يفترض أن يؤدي إلى هذه الدولة قيد التأسيس وانطلاقاً من بيروت الكبرى التي فتحت طريقها عملية 13 تشرين الأول المجيدة.
وإذا كان اتفاق الطائف يوفر الأساس الدستوري لهذه الدولة، والمؤازرة السورية المفتوحة توفر لها الأرض والحد الأدنى من المقومات، فإن تحصينها يبقى مهمة القوى المعنية (والمستفيدة) في الداخل من قيامتها على أنقاض “الجمهورية الأولى” المتصدعة والآيلة للسقوط.
وثمة سباق واضح بين دعاة “الجمهورية الثانية” وبين أهل “الجمهورية الأولى” الذين – وبسحر ساحر – صاروا في صلب عملية التغيير وتصدروا بعض مواقع القيادة “الجديدة”!
بل يمكن القول إن اتفاق الطائف وجمهوريته العتيدة يتعرضان لعملية التفاف تعتمد التسويف والإبطاء في التنفيذ وهدر الوقت الثمين وإضاعة زخم عملية إسقاط “التمرد”، انتظاراً لنتائج الحرب الأميركية بذريعة الكويت إياها، وبعض انعكاساتها المباشرة أن ينهار حلم التغيير في لبنان وأن تعود “جمهوريته” الممزقة إلى سيرتها الأولى.
وأخطر الأسلحة المستخدمة في عملية الالتفاف هذه هي: حقوق الطوائف أو حصصها!
فمن قائل إلى أنه محرج وبالتالي فلا بد من مساعدته ليبدو قوياً بما يكفي لإقناع “طائفته” بأنه لم يفرط بحقوقها.
إلى متبجج دعي لا يفتأ يتباهى بما حققه، مصوراً “طائفته” وكأنها قد انتقلت من موقع التابع إلى موقع المتبوع، ومن موقع المحكوم إلى موقع الحاكم.
إلى محترف حرب يقاتل مشروع الدولة واهماً الناس إنه بقدر انتصاره في هذه المعركة يكون انتصار الطائف، وإنه إذا عز عليه الانتصار فلا أقل من أن يمنع هزيمة الطائفة لحساب الدولة.. فهو الدولة، فإذا لم يكنها فلا كانت الدولة ولا نزل القطر!!
إلى مستفيد من صراعات ممثلي الطوائف الأخرى، يعمل على تأجيجها آملاً أن يكسب سلبياً كل ما يمكن أن يخسره المتصارعون، ودائماً تحت لافتة الطائف.
إلى ناصب الكمين والمتربص بالاتفاق وأهله والدولة وبناة مشروعها، يتركهم يحاولون حتى إذا ما احتاجوا إلى توقيعه للإنجاز خرج عليهم شاهراً سيفهم فابتزهم حتى الثمالة، مستغلاً حرصهم على استيفاء الشكل ولو على حساب المضمون.
إن السرعة، في هذه اللحظات، شرط نجاح، بل شرط لحياة لاتفاق الطائف وجمهوريته العتيدة، وكل يوم يضيع هو خطر إضافي على احتمالات النجاح، وهو رصيد إضافي لخصوم الطائف والمتضررين من قيام الدولة.
وكلما اقترب الموعد المفترض لوقوع الكارثة القومية ابتعد موعد اللبنانيين مع تحقق حلم الدولة.
وهذه بيروت الكبرى العظة والمثال.
… إلا إذا استنقذ المشروع بقرار تاريخي آخر يكمل القرار بإسقاط التمرد، مهما كان الثمن،
والوقت ضيق، ولا يجوز أن يضيع في التردد أو في التخوف من مخاطر نحن في قلبها أصلاً!

Exit mobile version