طلال سلمان

على الطريق جيشان يتجهان جنوباً!!

محزنة هي المفارقات التي “تباغتنا” كل لحظة في دهر المواجع العربية المخيّم علينا كليل بلا نهاية. وما عشناه يوم أمس، الأربعاء في السادس من شباط (المبارك؟)، هو مجرد عنوان بحروف نافرة للمهانة التي فرض علينا أن نتجرعها في كل أرضنا الفسيحة، كما التنفس…
كانت نشرات الأخبار المتلفزة في محطات بيروت وضواحيها تتركز (في ما عدا مسلسل جعجع الكوميدي) على موضوعين اثنين:
1 – إرسال الجيش إلى الجنوب ومباشرة انتشاره في بعض مدنه وعلى الطرقات “الدولية”، مع تركيز على إقليم التفاح النازفة جراحه بعد، مع استثناءات تشمل مدينة صيدا ومخيماتها (عين الحلوة والمية ومية) ومخيمات صور (الرشيدية، البرج الشمالين البص)، وحيثما يتواجد السلاح الفلسطيني بشكل عام.
2 – وقائع اليوم العشرين من الحرب التي أطلق عليها تمويهاً اسم “حرب الخليج”، والتي يقاتل فيها صدام حسين ضد المجتمع الدولي لحماية “إنجازه” التاريخي بغزو الكويت في الثاني من آب الماضي،
كان أهل الجنوب، رجالاً ونساء وأطفالاً، يرحبون بالزغاريد وزهر الليمون، بجيشهم العائد إليهم بعد طول فراق، في شاحنات قديمة تكاد أعباء العمر الطويل تعطلها عن الوصول إلى مقصدها، وفي “باصات” مستأجرة (وبالدولار!!) وفي مصفحات ودبابات عفا عليها الزمن وأحيلت إلى التقاعد في أربع أنحاء المعمورة.
وكان الجنود الفقراء، بأصولهم كما بأسلحتهم وعتادهم الهزيل، يلوحون برشاشاتهم (المعارة؟!) وبنادقهم القديمة وقد رفعوا عليها قلوبهم ليردوا على تحية أهلهم الصامدين بأن “ها قد جئنا، ولو متأخرين، لنكون معكم، وسنبقى…”!
أما على الجبهة الأخرى، الخليج، فكانت الأخبار والتعليقات والخطابات (وبخاصة خطاب وزير الخارجية الأميركية جيمس بيكر أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، الأميركي طبعاً) تقدم صورة مختلفة جداً إلى حد إنها تبكيك…
كان الحديث عن جيش العراق بوصفه رابع أقوى قوة عسكرية في العالم، بطيرانه ودباباته وتجهيزاته الصاروخية والكيماوية والبيولوجية والنيتروجينية وصولاً إلى النووية!
وكان الحديث عن صعوبة المعركة البرية برغم كل ما حشده التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، من قوى خارقة في البر والبحر والجو، تحت شعار “تحرير الكويت” وإعادتها سليمة معافاة إلى سيادتها وعروبتها ومجدها الغابر،
أين تهرب من السؤال الممض:
أجيش بمثل قوة جيش العراق إلى الكويت، وجيش بمثل تعاسة الجيش اللبناني إلى حدود فلسطين؟!
هل اختار صدام حسين ، مثل ياسر عرفات، الدورات من حول راس الرجاء الصالح للوصول إلى العدو الإسرائيلي، في حين ترك لمواجهة هذا العدو القومي بعض الكتائب من لواء غير مكتمل في الجيش اللبناني الناقص العدة والعتاد والتجهيز والروح المعنوية، نتيجة للحرب الأهلية المدمرة؟!
وكان طبيعياً أن يستذكر المواطن اللبناني وهو يشهد عودة جيشه الفقير إلى الجنوب، صورة ذلك “الجيش الآخر”، “الجيش الماروني”، جيش التقسيم، جيش العلاقة المكشوفة مع إسرائيل، جيش “القوات اللبنانية”، وهو يخرج من بيروت بتظاهرة قوة عرض فيها عضلاته “العراقية” و”الإسرائيلية” و”الفلسطينية” جنباً إلى جنب لكي يرهب لبنان، شعباً ودولة ومؤسسات!!
في بعض التقديرات إن صدام حسين قدم ما قيمته ملياراً من الدولارات (أسلحة وعتاداً ومخصصات) لجيش الطائفة بقيادة سمير جعجع، والمعد لقتال “الوطني” في لبنان و”القومي” في الأرض العربية.
لكن لبنان من “التفاصيل” الآن، قياساً إلى ما يحصل للعراق في الحرب غير المتكافئة وغير المبررة التي فرضها عليه صدام حسين، والتي تكاد تنهيه وتنهي معه القوة العربية القادرة على تحقيق قدر ولو محدود من التوازن مع العدو الإسرائيلي.
فجيش الأمة، كما كنا نتوقع من جيش العراق، يذهب في الاتجاه الخطأ “فيحتل” الشقيق، ويستدرج الأعداء جميعاً للعودة إلى الأرض العربية “كمحررين” في حين إنهم كانوا وما زالوا وسيبقون محتلين وغاصبين،
و”جيش الوطن” ، في لبنان، يمرق بين خنادق الدم التي حفرتها الحرب الأهلية، بتشعباتها وأطوارها جميعاً، كقوة فصل بين الأخوة – الأعداء أو قوة حفظ سلام وليس بوصفه قوة مقاتلة هدفها تحرير الأرض المحتلة، ناهيك بأن يكون “الجيش” الوحيد المسؤول عن سلامة التراب الوطني وأهله الصابرين،
هنك يرسل صدام حسين نصف مليون جندي، من ضمنهم الحرس الجمهوري، زهرة شباب العراق، للموت في معركة تفتقد المبرر والسند، ولا تجلب غير الخراب والدمار، في النفوس وفي القيم والمفاهيم قبل المصانع والجسور وسائر مقومات البنية التحتية،
وهنا لا نجد غير بضع مئات من الجنود نرسلهم إلى الجنوب، تحت ظل القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي المتواصل رداً على تهديدات ياسر عرفات الجوفاء، دعماً لصدام حسين في حرب تحرير فلسطين بدءاً بالكويت!!
وهنا أيضاً نسمع مندوب عرفات وهو يمهد لحرب جديدة بالقول إن مقاتليه لن ينسحبوا من إقليم التفاح إلا إلى فلسطين؟
… كم من الجرائم ترتكب باسمك يا فلسطين؟!
يا راشق الحجرة،
هات لي معك بكره..
مع ذلك فمرحى للجيش العائد إلى الجنوب لكي يعيد الجنوب إلى لبنان،
وعسى جيش العراق يعيد العراق إلى أمته وعلى الطريق الصحيح وليس عن طريق الحرب الخطأ في الزمان والمكان والوجهة والشعار، وتحت القيادة الخطأ!

Exit mobile version