طلال سلمان

على الطريق جوهر التصلب اللبناني…

كلما أوغلت المفاوضات لإجلاء المحتل قدماً، صار الصوت العربي فيها أكثر ثقلاً، ليس فقط بالنسبة للطرف اللبناني بل للطرف الأميركي، الوسيط أو الشريك أو حتى “الحكم”،
فكما إن الاحتلال حدث عربي، فكذلك هي المفاوضات وكذلك نتائجها على وجه الخصوص،
ومن هنا إن الطرف الأميركي يلتفت الآن أكثر فأكثر في اتجاه العرب، وسوريا على وجه التحديد، لضمان الموافقة أو عدم الاعتراض (في أقل تعديل) على ما قد يتم التوصل إليه في المفاوضات الصعبة.
ومن هنا تزايد الحديث عن زيارة قريبة لفيليب حبيب إلى دمشق،
فضمان أي نتائج للمفاوضات أميركي بالنسبة للبنان، وأميركي بالنسبة لسائر العرب، وفي مقدمتهم سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية، بقدر ما هي الموافقة العربية شرط لقبول النتائج لبنانياً ولاعتمادها أميركياً.
وكلما أوغل الواقع اللبناني الجديد في تقدمه الزمني – والسياسي – أخذت الرؤية العربية له تزداد صفاء وواقعية، وهذان البعدان – الصفاء والواقعية – يبدوان أحياناً متناقضين مع إنهما يشكلان وجهين مختلفين لرؤية واحدة.. هي الرؤية العربية للوضع اللبناني، الرؤية التي يطل بها العالم العربي الشاسع، ومن أكثر العواصم قرباً حتى أبعدها، على ما يجري في لبنان.
إذ تترسخ لدى العرب كلما مر الوقت على الزلزال اللبناني قناعة بأن ما حصل في بيروت تحديداً هو محطة تعادل محطة العام 1984، حيث يصبح التاريخ العربي الحديث، تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي تاريخاً من الأحداث المحاصرة بين محطتين: فلسطين 1948 ولبنان 1982.
هذا البعد يترافق في المشاعر السياسية العربية مع البعد الواقعي. فالحديث عن بيروت 1983 المعادلة لفلسطين 1948 من حيث إطلاقيته يسير جنباً إلى جنب لدى الأوساط السياسية العربية عموماً مع الدعوة إلى الواقعية في التعامل مع الواقع اللبناني الجديد.. وذروته المتواصلة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل!
هناك بعدان، إذن، أولهما يعكس حجم الخسارة الفلسطينية، وثانيهما يعكس حجم الخوف على لبنان. فقيمة لبنان تظهر الآن – خصوصاً لدى المواطن العربي العادي – أكثر من أي وقت مضى، لأن لعبة المفاوضات، على ما لا يزال فيها من المناعة الرسمية اللبنانية، تطل بشبح القلق الأبعد: هل يستطيع هذا البلد بعد أن يخرج من الشبكة الإسرائيلية المحكمة، وبأي ثمن؟
وإذ يرى المواطن في هذه العاصمة أو تلك المواقع اللبنانية الرخوة وتأثيرها السلبي على مفاوض يحتاج إلى تدعيم لا إلى إرهاب من الحلفاء الداخليين للموقع الإسرائيلي، فإنه يرى أيضاً حجم العجز العربي.. مع إن الأوراق كثيرة ولا يزال متاحاً استخدامها بقوة.
ومن لغة المواطن إلى لغة “الصالون” السياسي العربي تصبح الأسئلة عن “الأوراق” المتوفرة للعرب في لبنان والأوراق التي يستطيع أن يضعها العرب في يد لبنان أكثر دقة.
ماذا عن الرساميل في المصارف اللبنانية؟
ماذا عن ما تبقى من الوجود المادي المسلح.. الذي لم يعد له من مبرر في لبنان سوى بقدر ما يساهم في إجلاء الاحتلال الإسرائيلي؟!
أية صورة للعلاقات اللبنانية – السورية؟ وإن كان صعباً الحديث – أو على الأقل التباسط في الحديث عن علاقات المفاوض اللبناني مع الطرف الفلسطيني، إذ لم تجر جهود غير عادية لإعادة إيجاد لغة سياسية بينهما تساهم في تدعيم الهدف الرئيسي وهو: الخروج من الشبكة الإسرائيلية بأقل ثمن ممكن؟!
هل مجمل هذه الصورة سلبي؟ بمعنى إن الأوراق العربية بيد لبنان والأوراق اللبنانية بيد العرب تبدو مهزوزة.. وإن سياق المرحلة الإسرائيلية الجديدة هو السياق الصلف الأقوى؟!
علامة الاستفهام كبيرة هنا… ولكن تطور الخيار اللبناني حاسم هنا. فالعالم العربي ليس شاسع المسافات فحسب، بل هو شاسع القضايا وبالتالي شاسع النسيان بقدر ما إن لبنان مهم في نظره فمن أقرب العواصم العربية حتى أبعدها يلمس اللبناني المتجول أي انتحار هو الاستخفاف اللبناني بموقع لبنان العربي..
وأي انتحار للبانن.
وسيظل إدراك لبنان لأهمية موقعه العربي، جوهر التصلب اللبناني في المفاوضات بالمعنى السياسي الدقيق للكلمة.
والتحركات الأميركية الناشطة، الآن، خير دليل على ثبات هذه الحقيقة.

Exit mobile version