طلال سلمان

على الطريق جنيف الفلسطينية!َ

ليس في جنيف من العرب، حتى الآن، إلا فلسطين!
كلهم قد يذهبون وقد لا يذهبون، ولأسباب فلسطينية في الحالين، أما فلسطين التي لم يوجه أحد إليها الدعوة فهي هناك من زمان، ربما منذ الطلقة الأخيرة في حرب رمضان.
وكما تعذر على مصر السادات أن تخطو خطوة واسعة في جنيف وحيدة، فتجمدت المباحثات إلى أن جاءت سوريا حافظ الأسد، يتعذر عليهما الآن معاً أن يتابعا بلا أردن الملك حسين ولبنان… وأساساً فلسطين.
والمعادلة التي تطرحها إسرائيل (ومن خلفها أميركا) هي أن بعض العرب، وبالتحديد عرب دول المواجهة، يغنون عن كل العرب، وأن بعض الفلسطينيين، وبالتحديد فلسطينيو الملك يغنون عن كل الفلسطينيين … ومن ثم فإن جنيف مطلوبة أصلاً لتغييب فلسطين، نهائياً، بموافقة أكبر عدد ممكن من العرب عموماً، ومن الفلسطينيين خاصة.
وهكذا بدأ العمل لعقد جنيف بمصر وحدها، في أول الأمر،
ثم جيء بأردن الملك في محاولة لإنقاص الحضور الفلسطيني،
ولما جاءت سوريا، بعد اتفاق الفصل بين القوات على جبهة الجولان، تصرف الإسرائيليون والأميركان للحظة وكان قبولها بالمجيء، بعد طول تمنع، يضيق فرصة الفلسطينيين أو يلغي حقهم بالحضور،
والآن تساوم واشنطن وتل أبيب لبنان على القبول به في جنيف، وفلسطين هي موضع المساومة: أضرب الفلسطينيين فنأخذك معنا، فإذا تعذر عليك تصفيتهم فلا أقل من أن تقنعهم بأن تجيء بدلاً منهم!
أي: أما أن يكون لبنان “عدواً” للفلسطينيين ينفي بوجوده احتمال أن يأتوا هم، وأما أن يكون “فلسطينياً” بحيث يستغنى به عنهم!
ولقد تجاوزت المساومة الحد التقليدي السابق عندما كانت إسرائيل تكتفي من لبنان بأن “يسمح” لها بضرب الفلسطينيين فيه،
إنها الآن تريد منه أكثر: أن يطردهم، أن يساعدها على قتلهم، وتأخذ على رئيس جمهوريته أنه استقبل قيادتهم، وعلى صحفه إنها تنشر بياناتهم، وتستغرب كيف لا تطبق القوات اللبنانية على قواعد الفدائيين فتصفيهم فرداً فرداً!!
وهي “تنصحه” بعدم استقدام قوات عربية، و”تؤكد” له أن الطائرات والصواريخ، وبالتالي خطته الدفاعية، لا تجدي شيئاً، وإنها ستدمره تدميراً، وتحاول إفهامه أن أميركا معها وليست معه، وإن الحكام العرب يريدون “توريطه” في ما لا قبل له به!
لكن فلسطين تفرض حضوراً كثيفاً حيثما كان: في واشنطن، حيث يضطر البيت الأبيض إلى لفت انتباه إسرائيل إلى أنه لا بد من سلاح آخر غير الإبادة،
وفي نيويورك حيث يضطر الأمين العام للأمم المتحدة إلى الاعتراف بفلسطين ثم يغالب كبرياءه وعقله وهو يعتذر عن تعامله مع الحقائق،
وفي جنيف حيث تأكدت حقيقة بسيطة وجارحة: بغير فلسطين لن يكون حضور الحاضرين العرب إلا مقدمة لاختفائهم عن المسرح السياسي برمته.
وفي سائر العواصم العربية حيث اقتحمت فلسطين القصور جميعاً وانتصبت شاهداً على أي متربص بها، قادراً على فضحه حتى لو استحالت شهيداً، بل خاصة إذا استحالت شهيداً.
لكن هذا الحضور يحتاج إلى تأكيد يومي، وبالدم، في الخالصة، في ترشيحا، في نهاريا، في حيفا، في يافا، في تل ابيب، في القدس، وفي كل مكان من الأرض المحتلة.
فالحضور في جنيف نتيجة للحضور الفلسطيني داخل فلسطين،
وهذه هي مهمة المقاومة الراهنة: أن تضرب وتضرب وتضرب حتى وهي تتلقى كل يوم ضربة أو ضربتين أو ضربات… فقدر فلسطين أن لا يسمح لها بالدخول إلا إذا دفعت من دمها ضريبة الدخول!

Exit mobile version