لا أحد ينتظر العجائب من لقاء صوفيا الذي تم بمصادفة هي خير من ميعاد بين رئيس مجلس السوفيات الأعلى نيقولاي بودغورني والدكتور عبد العزيز حجازي، الذي سماه السادات رئيساً للحكومة المصرية الجديدة من قبل أن تستقيل الحكومة الحالية، وربما كان اللقاء المتوقع بين أسباب الاستعجال في التسمية.
فالتعقيدات والحساسيات والاشكالات ورواسب السنوات الأربع الأخيرة والشكوك والريب المتراكمة والتي تحكم الآن مسيرة العلاقات المصرية – السوفياتية أخطر من أن يستطيع الرجلان حسمها في لقاء… حتى لو كانت صوفيا قد تطوعت لإتمام هذا اللقاء فيها وأقنعت بجدواه كلا من القادة السوفيات والرئيس أنور السادات خلال زيارته لها في الأول من شهر تموز الماضي، وهي زيارة ظلت حتى اليوم بحاجة إلى تفسير سياسي يتعدى دلالات العبارات المنمقة للبيانات المشتركة.
على هذا، فغاية ما قد ينجح بودغورني وحجازي في الوصول إليه هو تمهيد الجو وتوفير المدخل المطلوب لمناقشة صحية للعلاقات بين الصديقين القديمين والتي تدهورت من ذروة “التحالف العضوي” إلى ما هو دون المستوى التقليدي، بسرعة قياسية تناسبت اطرادياً مع التوجه المحموم للحكم المصري نحو واشنطن.
لكن هذا بحد ذاته كاف، في هذه اللحظة، ومطلوب.
وبرغم إن حجازي لا يداري اتجاهاته الليبرالية إلا أنه يظل أفضل نسبياً من اسماعيل فهمي كمحاور للسوفيات. فحجازي ، في نهاية الأمرن مصري.
ومرة أخرى: لا أحد يتوقع مفاجآت من صوفيا، إذ لا يملك أي من المسؤولين الكبيرين سلة القرار، ولا بد لكل منهما من العودة إلى مصدر السلطة في بلدة لعرض نتائج “اللقاء الأول” قبل المضي قدماً على الطريق إلى اللقاء الثاني.
فهل يكتفي بزيارة اسماعيل فهمي المقررة لموسكو خلال الشهر المقبل وتعتبر هي اللقاء الثاني، أم تعمد القاهرة هذه المرة إلى إلغائها أو استبدال فهمي بغيره من كبار المسؤولين فيها بعدما كانت موسكو قد تسببت في إلغاء موعد الزيارة الأول في الشهر الماضي؟
لا مستحيل في السياسة..
حتى مع إصرار الرئيس السادات على أن تتم أية قمة عتيدة مع القادة السوفيات في القاهرة وليس في موسكو، فإن الحاجة الموضوعية إلى اللقاء قد تفرض تجاوز كثير من الاعتبارات والحساسيات الشخصية…
فالطريق إلى جنيف يمر بموسكو أيضاً…
والرئيس السادات يردد صبح مساء “لا بد من جنيف… ولو طال السفر”،
… بغض النظر عما إذا كان يريد دخول جنيف من باب الحرب أو من باب التسوية السياسية، ففي موسكو مفاتيح إضافية للبابين كليهما.