طلال سلمان

على الطريق جنيف الأميركية!

تكشف مجريات الأحداث في الأسابيع القليلة الماضية بعض الحقائق الأساسية المتصلة بجوهر الصراع العربي – الإسرائيلي في مرحلته الراهنة.
فإسرائيل تحتاج إلى حرب جديدة، قبل مؤتمر جنيف، تلغي بها تماماً نتائج حرب رمضان المجيدة، لكي تسوق العرب إلى “السلام” بشروطها هي،
والعرب يحتاجون إلى حرب جديدة لكي يصبح بإمكانهم الاستغناء كلية عن مؤتمر جنيف العتيد الضائع موعده، والذي لا يزعم أحد – بمن في ذلك المكابرون – أنه ينعقد في ظل الشروط العربية التي أفرزتها نتائج حرب رمضان ذاتها.
وبالتحديد: لا بد أن يخوض العرب حرباً ضد الولايات المتحدة الأميركية لكي يكتسب الذهاب إلى جنيف معنى الذهاب إلى “السلام”، ولا يظل كما هو الآن مجرد إثبات حسن سلوك عربي (والبعض سميه حسن نية!) تجاه واشنطن وصديقنا العزيز فيها الدكتور هنري كيسنجر.
وفي غياب إمكانية حرب من هذا النوع تصبح الحرب الإسرائيلية هي الاحتمال الوحيد المطروح ليس فقط باعتبارها الطريق إلى “السلام الأميركي”، بل أيضاً باعتبارها الطريق إلى “السلام الإسرائيلي”،
ذلك إن العرب قد رهنوا الحرب، الضرورية جداً لتحرير أرضهم، بمساع فاشلة “من أجل سلام عادل ودائم” ترعاه الولايات المتحدة،
أما إسرائيل فقد رهنت “السلام” الذي تدعو إليه بالإعداد لشن حرب لأغراضها هي، الأغراض التوسعية – العدوانية – الإجرامية الخ..
ومن أجل أن يقترب “سلام جنيف” من المواصفات الإسرائيلية تلعب واشنطن ورقة فك الارتباط على الجبهة الأردنية للضغط على الموقف العربي. والمذهل أن بعض العرب يساعدون على تحقيق هذا الغرض عن طريق إضعاف الطرف الفلسطيني.
هذا مع العلم إن الذهاب إلى جنيف صور ويصور وكأنه جائزة لا تعطى إلا للأقوياء، ممن خاضوا حرب رمضان أو حرب الاستنزاف على الجولان بعدها..
وتبلغ الماسأة العربية ذروتها بالمفارقة التالية:
تذهب على جنيف مصر المنتصرة، بهذه النسبة أو تلكن على إسرائيلن
وتذهب إلى جنيف سوريا، التي لم تستطع إسرائيل أن تهزمها.
ويذهب إلى جنيف النظام الأردني المنتصر على المقاومة الفلسطينية بدليل إنها لم تستطع إسقاطه!
على إن ثمة مفارقة أخرى متصلة بهذا السياق تنبع من المقارنة بين الموقفين العربي (الرسمي) والإسرائيلي في واشنطن ومنها،
فالعرب يذهبون إلى واشنطن طالبين “السلام” والأموال اللازمة لتوطيد وتثبيت دعائم هذا السلام الأميركي (بالتعمير وتوفير الأجواء لنجاح سياسة الانفتاح)…
وإسرائيل تذهب إلى واشنطن طالبة عدة الحرب والأموال اللازمة لضمان شروط الانتصار فيها،
وبينما يعود العرب بخفي حنين، برغم مظاهر الود والحفاوة والتكريم والاحتضان الحميم للعزيز هنري ، يعود الإسرائيليون بكل ما يطلبونه (اللهم إلا الصور العاطفية)..
فكيف بعد هذا كله يمكن أن تكون جنيف مشرفة؟
وهل الشرف الضروري في جنيف غير ضروري في واشنطن؟
وهل يمكن أن نحصل في جنيف على أكثر مما حصلت أو ستحصل عليها قبرص، إذا ظلت طريقنا إلى جنيف تمر عبر واشنطن التي لم تشتهر في تاريخها كله، بصناعة السلام؟!
… وسلاماً للمقاتلين الذين وحدهم يستطيعون صنع سلام مشرفة بجنيف أو بغير جنيف، وبالتأكيد بغير واشنطن!

Exit mobile version