طلال سلمان

على الطريق جملة معترضة: الشرعية تخلع ذاتها!

مستهجنة هي الكتابة في شأن محلي، هذه الأيام، حتى لتبدو عورة أو نقيصة أو محاولة مكشوفة للهرب من الموضوع الأصلي: المحنة الخطيرة التي تتهدد الأمة العربية جمعاء في موقعها ودورها ومكانتها في الدنيا وحقوقها في أرضها وحتى في مصيرها.
فحملة الكراهية العنصرية الشعواء التي تشن ضد العرب، كل العرب وكل عربي، لا تنفع في تمويهها ادعاءات الاستجابة لطلب الحماية أو المبادرة لنجدة بعض الأصدقاء العرب بالأساطيل والحشود العسكرية التي لا سابقة لها في حجمها وشمولها و”أمميتها”.
وغرض الهيمنة الأميركية على الأرض والإرادة والثروة العربية بين فاقع وصارخ لا لبس فيه ولا غموض، وهو أخطر من هرطقات بعض النواب الميامين حول آلية الجلسة والنصاب والتصويت على التعديلات الدستورية.
مع ذلك فلا بد من “جملة معترضة” تتركز، أولاً وأخيراً، على مواقف أطراف الشرعية التي استولدها أو بعثها اتفاق الطائف بعملية قيصرية من جلسة اليوم التي تمتحن فيها – جدياً – شرعية هذه الشرعيةز
ذلك إن الحرب الأهلية في لبنان شأن قومي، وكذلك السلام المرتجى الذي افترض اللبنانيون، ذات يوم، إن اتفاق الطائف هو المدخل إليه باعتباره “الوعد العربي بالسلام الوطني في لبنان”.
وبهذا المعيار الوطني – القومي سوف يتم الحساب اليوم: حساب المواقف لا حساب الأصوات!
لقد قبل المواطن هذه الشرعية، بمؤسساتها جميعاً، على مضض، تماماً كما قبل من قبلها اتفاق الطائف، توكيداً لإيمانه بالدولة ونزوعه إلى السلام وتمسكه بحلم الوطن، متغاضياً عما فيه وفيها من عيوب وأخطاء وربما خطايا قاتلة.
فإذا ما تزعزع الأساس السياسي لهذه الشرعية فلماذا يقبلها؟!
ولماذا يستمر في الحكم من جاءوه باسم الطائف إذا هم نصلوا أو تخلوا أو نكثوا بذلك الاتفاق الذي ما زالوا يتشدقون بأنهم صانعوه؟!
كيف يبقى نائباً “شرعياً” ذلك الذي يخرج اليوم من “شرعية” ما كان يمكن تجديدها وتبريرها إلا باتفاق الطائف؟!
وكيف تبقى حكومة ما جاءت أصلاً إلا لتنفيذ اتفاق الطائف؟!
بل كيف يبقى رئيساً للجمهورية ذلك الذي ما انتخب إلا تثبيتاً لالتزام النواب إياهم باتفاق الطائف؟!
إن هرب النواب من إقرار التعديلات الدستورية يعني مباشرة خروجهم من الشرعية السياسية وخروجهم عليها،
ويعني ثانياً إنهم سحبوا “ثقتهم” من هذه الحكومة التي اتخذت اتفاق الطائف بياناً وزارياً،
ويعني ثالثاً إنهم أسقطوا انتخابهم لالياس الهراوي رئيساً للجمهورية.
وبهذا يكون السادة النواب، وبغض النظر عن التبريرات اللفظية، قد أسقطوا شرعية مجلسهم الكريم وما انبثق عنه من مؤسسات (رئيس الجمهورية، الحكومة وكل ما صدر عنها)!
إن الأمر يتجاوز الابتزاز السياسي الرخيص بذرائع طائفية ممجوجة.
وهو يتجاوز المناورة الخبيثة تقوم بها الطائفة العظمى لتربح مرتين: مرة باسم “إنجاب” الطائف ومرة أخرى باسم وأده قبل أن يرى النور “الدستوري”!
إن الأمر يصل في خطورته إلى مستوى المؤامرة على فكرة الدولة (والشرعية) والعيش المشترك وصولاً إلى الوجود المسيحي في لبنان والشرق العربي.
فلن يقبل أحد هذا التواطؤ المكشوف بين مختلف رموز المارونية السياسية من ميشال عون إلى جورج سعادة مروراً بالبطريرك الماروني وسمير جعجع والموارنة المستقلين انتهاء برئيس الجمهورية (حتى إشعار آخر) الياس الهراوي.
لن يقبله أحد حتى لو غطاه بعض رموز هذه المؤسسة من “المسلمين”.
إن مجلس النواب يصوت اليوم على حل نفسه، محققاً أحد مطالب جنرال التعتيم، بتحريض مباشر من حكيم التقسيم، وسط “ذهول” رئيس الحكومة و”شجب” رئيس الجمهورية.
وإذا استمرت الشرعية في نهجها هذا تكون قد حققت هدفها معكوساً: بدل أن تخلع ميشال عون تخلع ذاتها.
والمسؤولية بالتراتب: الأكبر فالأصغر،
مع الاعتذار عن هذه الجملة المعترضة حول شأن محلي تافه صرفنا، ولو للحظة، عن الاهتمام بالشأن القومي العام: ما يدبر ضد هذه الأمة من محيطها إلى الخيلج!

Exit mobile version