طلال سلمان

على الطريق ثورة مضادة… مصغرة!

… وقبل أن تمر أربعون يوماً على مذبحة عين الرمانة، بكل ما أعقبها من أحداث دامية، قرر النظام ممثلاً بطغمته المالية، إضافة إلى الميليشيات الطائفية، أن يستعيد زمام المبادرة من “اليسار الهدام” الذي استقوى بالمقاومة فرفع رأسه وصوته وأخذ يحلم بإملاء مطالبته “المتطرفة”!
وهكذا تتوافق الخطوات وتتناغم التحركات على مختلف الجبهات:
عسكرياً – يصار إلى توتير الجو في المنطقة الأكثر قابلية للتوتر، باعتبارها من “نقاط التماس” بين المقاومة والكتائب، أي في الدكوانة: المفتوحة على المتن الشمالي وكسروان، حيث للكتائب مناصرون ومحازبون متعصبونن وحيث يمكن محاصرة “المخيم” في تل الزعتر وعزله عملياً عن سائر مناطق التواجد الفلسطيني.
ومن الدكوانة يسهل أن ينتقل التوتر إلى سن الفيل فالأشرفية ففرن الشباك فعين الرمانة، وبالتالي إلى الشياح ومن خلفها صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة (وبالتالي حارة حريك والمريحة)…
اقتصادياً – يستبق التجار قرار الحركة الوطنية بدعوة بيروت للإضراب الخميس، بدعوتها للإضراب الأربعاء والخميس، ويزيدون من ضغطهم على الدولة التي لا تخضع لأي طرف خضوعها لهم حتى تتحرك وتبتدع “الحكم القوي”، والقوة هنا تكاد تكون مرادفاً للفاشية… ولا يمانع التجار في الاستعانة ببعض العسكر، من المتقاعدين أو العاملين لا فرق، طالما إن ذلك يتم في إطار حماية مصالحهم. ولقد رفض التجار أمس “وساطة” الدولة وطلبها إرجاء الإضراب، ثم اندفعوا خطوة أخرى حين هددوا بالتصعيد وصرف عمالهم.
سياسياً – يصار إلى تفشيل رشيد كرامي، بأي ثمن، عن طريق منع الأكثرية الموالية من تأييد ترشيحه، بحجة إن الاعلان عن ترشيحه جاء على شكل تحد للقصر وأهل القصر، وإنه – في النهاية – لا يستطيع إلا الالتزام بمنطوق “المطالب” وإن سخف شخص من حملها إلى مجلس النواب.
وكنتيجة لهذا التصعيد العسكري – الاقتصادي – السياسي، تتغير صورة الوضع وتنقلب المقاييس وفقاً لتحليل أهل النظام: فالحركة الوطنية قد تستطيع إقفال البلد، ولكنها لا تستطيع أن تفتحها إذا لم يوافق التجار على فتحها. وهي قد تستطيع الرد على اعتداءات الميليشيا، ولكنها حريصة على عدم توسيع إطار الصدام.. ثم إن الحركة الوطنية التي تقبل برشيد كرامي ليست مستعدة لأن تخوض معركته المكشوفة (وحليفيه) ضد رئيس الجمهورية.
وهكذا تصل الأزمة إلى ذروتها، ويكون لا بد لكل الأطراف من أن ترتد باتجاه الاختراع اللبناني العبقري: لا غالب ولا مغلوب،
يتراجع اليسار، حرصاً على الوطن،
و”يتراجع” اليمين حرصاً على المصالح وموسم الاصطياف والاستقرار الخ،
وتجيء الحكومة “لا إسلامية ولا مسيحية”، لا هي من هذا الفريق ولا من ذاك!! وتتم “مصالحة وطنية” عرمرمية تسيل فيها الخمر أنهاراً، و”يتباوس” الأقطاب ويعودون أحباباً كما كانوا وكما يلزمهم الميثاق الوطني أن يكونوا!
كلام جميل، أليس كذلك؟!
أما الأزمة الأساسية، أزمة الحياة في لبنان بمعطياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فيحلها الحلال، وهو على كل شيء قدير!
ألم “تحل” بعد أحداث 1958 “بالثورة المضادة” الشهيرة التي أطاحت بالحكومة الشهابية الأولى، والتي كان – ويا للمصادفة – يرئسها رشيد كرامي؟
هذه المرة “تحل” بالطريقة ذاتها، وتنتهي النهاية ذاتها: لا غالب ولا مغلوب..
أما حكاية إن الزمان تغير، وإن الناس تغيروا، وإن الأوضاع تغيرت، فهذا كلام يمشي في غير لبنان،
أما لبنان فباق ومستمر، من الأزل وإلى الأبد، لا يتبدل ولا يتغير، لا هو ولا من أو ما فيه!
إلا إذا…
وذلك حديث آخر!

Exit mobile version